يعتقد السياسيون الغربيون أن نظام الضمان الاجتماعي بدأ في أوروبا عندما خافت تلك الدول من المد الاشتراكي الذي اجتاح بلدانها بعد الثورات المتتالية في العام 1848م وفي السنوات التي أعقبت تلك الفترة.
كما يعتقد المنظرون للسياسة أن أحد اسباب منع الاحزاب الاشتراكية (والشيوعية لاحقا) من استلام الحكم بطريقة «ثورية انقلابية» في أوروبا الغربية يعود اساسا إلى نجاح تلك الدول في مد مظلة الضمان الاجتماعي ليشمل العاطلين عن العمل. والضمان الاجتماعي يتم اقتطاعه من المعاشات الشهرية للمواطنين العاملين ونقله إلى غير العاملين مع تدخّل للدولة لرفد أي عجز (اذا تمكنت من ذلك). وهذا صحيح من وجهة نظر الانظمة الحديثة للضمان الاجتماعي، ولكن ما هو صحيح ايضا هو أن ديننا الاسلامي كان من اوائل من طرح فكرة الضمان الاجتماعي لكل شخص ليس لديه ما يكفيه، وهذا لم يكن يعتمد فقط على الزكاة وانما ايضا على أموال الدولة. والإمام علي (ع) يشير إلى ذلك في رسالته إلى مالك الاشتر عندما ولاه مصر وأوصاه بـ «الطبقة السفلى من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحق رفدهم ومعونتهم (...) واجعل لهم قسما من بيت مالك (...) فإن هؤلاء من بين الرعية أحوج إلى الانصاف من غيرهم...». إننا نعيش مرحلة مهمة في تاريخ بلادنا تكثر فيها الملفات الساخنة يمنة ويسرة، وكلها تستحق توجيه الانظار. ولكن موضوع البطالة هو الأكثر ألما؛ لان لدينا من المواطنين من لا يجد عملا مناسبا وتضطره الظروف الحياتية القاسية إلى الشعور بالحرمان وفقدان الكرامة المعيشية.
إن البحرين لديها خيرات تَسَعُ الجميع، وما ينقصنا هو النظام الذي يضمن للباحثين عن عمل قوت يومهم وحفظ ماء وجههم. فالبحث عن العمل والبطالة أصبحا ظاهرة عالمية في كل مكان، والحلول المتوافرة تشمل تأهيل المواطنين وإحلالهم في مختلف الوظائف بالاضافة إلى مد مظلة الضمان الاجتماعي عليهم.
إننا لسنا «دولة ضرائبية» بالمعنى المتوافر في الدول الغربية، فقرابة 60 في المئة من مصادر دخل الحكومة يأتي من النفط، ولكننا مع الايام نقترب من وضع دولة الضرائب، ولا عيب في ذلك. فالرسوم التي يتم اقتطاعها عن كل خدمة وضرائب البلدية (التي لا تسمى ضرائب) كلها تشابه ما هو معمول به في دولة الضرائب. كما أننا اعضاء في منظمة التجارة الدولية، ومع الايام سنجد انفسنا مضطرين لاستحداث ضريبة الـ (VAT)، وهي الضريبة التي يدفعها المواطنون على المشتريات من السوق، ليقوم صاحب العمل بتحويل ما يستحصله من المشترين إلى الدولة. وبعد فترة سنجد من يطرح موضوع الضرائب على الدخل بحيث يتم اقتطاع الضرائب من المعاشات التي تسلمها الشركات إلى الموظفين ويتم تسليمها إلى الدولة. كل هذه الأمور واردة بل انها حتمية وحصلت في بلدان اخرى. وهناك مثل سائد في دول غربية يقول: «كل شيء محتمل ماعدا أمرين فهما مؤكدان، الاول دفع الضرائب والثاني الموت». ولكننا قبل ان ندفع ضريبة الـ VAT بعد عدة سنوات وقبل أن يطرح احدهم موضوع ضريبة الدخل، علينا التفكير جديا بمد مظلة التأمين الاجتماعي للعاطلين عن العمل، فهذا الامر لم يعد مسألة ثانوية خصوصا مع شروع الدولة في برامج الخصخصة، وهو ما يعني تحرير القطاعات الاقتصادية من التزامات الدولة، وبالتالي امكان تسريح العاملين والموظفين في هذا القطاع أو ذاك.
الخصخصة مطلوبة لتنشيط الاقتصاد، فالكفاءة وحاجة الشركات لها هما ما سيحدد من يعمل ومن لا يعمل، والدولة تتحمل مسئولية حماية «ذوي الحاجة». وتستطيع الدولة تخصيص جزء من دخل النفط لهذا الأمر، وهو أمر ليس بالجديد. فهناك دول تخصص جزءا من النفط لأجيال المستقبل وليس فقط للأجيال الحالية، مثل النرويج، التي تنقل جزءا من دخلها من النفط إلى حساب «خاص بالاجيال المقبلة». فالفكرة لدى النرويجيين بأن النفط ثروة طبيعية لكل النرويجيين الحاليين والمستقبليين، ولذلك يجب عدم تبذيره من ناحية، كما يجب توزيع مردوداته بصورة اكثر عدلا.
لا سبيل لنا إلا بمد مظلة الضمان الاجتماعي بأسرع ما يمكن لتخفيف الاعباء ومساعدة عملية الخصخصة، وبالتالي التنمية الاقتصادية
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 352 - السبت 23 أغسطس 2003م الموافق 24 جمادى الآخرة 1424هـ