قال الرسول (ص): «انصر أخاك ظالما أو مظلوما». كما سبق وأن ذكرت في مقالات سابقة، أن نظام العمل الاسلامي في عصرنا الحديث قد تم افراغه تماما من محتواه من قبل قوى خارجية واخرى ظالمة لنفسها من مسلمي الداخل، ولقد باتت غالبية الدول الاسلامية التي يغلفها ظاهريا الحكم الاسلامي، مسكونة بنظام حكم جديد تم هندسته وتصنيعه بالخارج، يعمل على اخراج الدول الإسلامية من إسلامها لتخلي مراكزها للغير.
ان دول العالم لم تخرج من الظلمات الى النور والحياة الكريمة والانفتاح العلمي إلا بعدما نظرت الى اساس نهضة الامة الاسلامية وعمدت الى ترجمة تعاليم دينها، الدين الذي قضى على جاهلية العرب و انطلق بهم الى حكم مشارف أوروبا، فحينما ابصر الآخرون الحقيقة خانتهم أنفسهم ان يقروا بها، حفاظا على مراكزهم، فلم يعترفوا بدين الحق بأنه منقذ البشرية، ويجب اتباعه بدل الأديان الاخرى، بل انتقدوه وحاربوه وفي الوقت نفسه عملوا على تطبيق مبادئه حرفيا تحت مسميات أخرى حتى لا تنسب للإسلام في شيء وبذلك يبقى النصراني على نصرانيته واليهودي على يهوديته وكذلك بالنسبة للديانات الاخرى.
هكذا ومن خلال تطبيق مبادئ الاسلام وسياساته العامة تحت المسميات الجديدة بدأت أوروبا وباقي الامم تنهض من سبات ظلماتها الى النور وكلما تقدموا هم خطوة للأمام تعثرنا نحن خطوة لأننا أولا لم نتمسك جيدا بتعاليم ديننا وثانيا لم نأخذ بحديث رسولنا الكريم في التناصح والنصرة كما حثنا عليها.
تلك الامم بدأت العمل وكانت غايتها كما ترجموها واستخلصوها من تعاليم ديننا هي احقاق المصلحة العامة للجميع، آخذين بمعنى الحديث الشريف بالتناصح لأجلها والاقتصاص من انفسهم لتحقيقها، لذلك تم لهم النصر علينا شيئا فشيئا حينما تخلينا نحن عن مراكز الدفاع عن حرية وكرامة انفسنا واهملنا ما يمنحها من منعة عن الفقر والمرض النفسي.
تخلى المسلمون عن مواقع كثيرة أهمها الشورى في الحكم فجعلوه وراثيا في حين تقدم الآخرون ليأخذوا بهذا المبدأ في تنصيب ممن يرتضون تحت مسمى الانتخابات العامة.
تخلى المسلمون عن الزكاة التي كانت تحفظ لهم الكرامة وعفة النفس في حين عمل الآخرون بخصائصها وأكسبوها مسمى ضريبة الدخل تستقطع من الشركات والافراد لتوفير المستلزمات الضرورية كافة لإسعاد الفقراء والمحتاجين وعامة الناس وكذلك لبناء المستشفيات ودور الرعاية والشوارع والطرق وإنارتها وكذلك للصرف على العاطلين وكبار السن من صناديق الرعاية والتأمينات الاجتماعية والتي كانت من خصائص صندوق الزكاة وبيت مال المسلمين.
تخلى المسلمون عن مبدأ العدالة والسواسية بين الناس وأنه لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى فتنافسوا على الألقاب والأنساب وشجر العائلة في حين عملت الشعوب الاخرى على التصدي للعنصرية والقضاء عليها وهي أيضا من خصائص ديننا الحنيف.
تخلى المسلمون عن مبدأ الإيثار فتسابقوا على الاستئثار في كل أنماط الحياة فعم الشح والبغضاء بين افراد المجتمع الاسلامي في حين تقاسمت شعوب الدول الاخرى خيرات بلدانها فعم الفضل وانتشر العدل والود بينهم.
تخلى المسلمون عن المساواة في إقامة حد العقاب على السارق والمسيئ للحق العام فكان اذا سرق الضعيف عاقبوه واذا أخطأ الغني سامحوه.
هكذا تخلى المسلمون عن كثير من المراكز الفاضلة التي أدت في نهاية المطاف الى وهن شخصيتهم ومن ثم ازدرائهم من قبل المجتمعات الاخرى التي عملت على إثارة الفتنة بينهم وإشعال نار الاقتتال وتركتنا نهدم بأيدينا وأموالنا ما شيده المسلمون الاوائل.
فويل لنا مما هو آت فأتعس الايام لم نعشها بعد
إقرأ أيضا لـ "علي محمد جبر المسلم"العدد 351 - الجمعة 22 أغسطس 2003م الموافق 23 جمادى الآخرة 1424هـ