دعيت في مطلع أغسطس/ آب إلى المشاركة في ورشة عمل نظمت في القاهرة عن «قضايا الديمقراطية والانتخابات في العالم العربي»، بمبادرة من «الشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية للتنمية» وجامعة القاهرة و«المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات» ( IDEA ). وهي مؤسسة أنشئت العام 1995، وتسعى - حسب قانونها الأساسي - إلى «تعزيز الديمقراطية في العالم سواء في المجال الانتخابي أو الأحزاب السياسية والمساواة بين الجنسين»، وعضويتها مفتوحة للحكومات والمنظمات ذات الصلة بالدول. وهي تضم حاليا 22 دولة أغلبها أوروبية ومن أمريكا اللاتينية، ولا توجد من بينها دولة عربية أو إسلامية. كما أنها تنشط بعيدا عن دوائر الإدارة الأميركية وتوجهاتها الأخيرة. وتندرج الورشة ضمن برنامج سيشمل ست دول عربية من بينها الأردن مصر واليمن والمغرب والبحرين.
جدول أعمال محوره الانتخابات
كان المطلوب مني الحديث عن «الإسلاميين والانتخابات»، وذلك بسبب ازدياد رغبة هؤلاء في المشاركة السياسية وما قد يحمله ذلك من تهديد لموازين القوى، وبحكم تعدد محاولات الأنظمة لاستيعابهم بعد أن فشلت مخططات استئصالهم أو إقصائهم. هذا الموضوع جزء من جدول أعمال تناول مسألة الانتخابات من جوانب متعددة، مثل دور النقابات في مصر، ودور المجتمع المدني في مراقبة الانتخابات (تجربة المغرب)، ودور المال والإعلام في العملية الانتخابية، وكذلك مسألة الأقليات (مثال الأقباط). كما كان يفترض أن يشارك في أشغال الورشة السياسي البحريني عبدالرحمن النعيمي بورقة عن «المصالحة الوطنية والانتخابات في البحرين»، لكنه منع من دخول مصر. وهي ورقة تناول فيها التطور السياسي المهم الذي عاشته البحرين خلال السنوات الأخيرة، مستعرضا الخطوات التي أقدم عليها الملك «لتحقيق المصالحة بين الأسرة الحاكمة والشعب عموما والمصالحة مع الطائفة الشيعية التي يشعر غالبية أفرادها بالتمييز والغبن». وانتهى النعيمي إلى القول إن هناك تجاذبا سيستمر، ولكنه يعتقد بأن الموقف الرسمي لا يستطيع التراجع «طالما أن المعارضة تؤكد على استمرار تمسكها بالنهج السلمي ورفضها العنف». وكشفت كل الأوراق عن الأسباب الحقيقية التي جعلت الانتخابات في العالم العربي تكاد تدور في حلقة مفرغة، وتتحول إلى آلية من آليات الأنظمة القائمة التي تساعدها على إعادة إنتاج الأوضاع وموازين القوى نفسها.
دور الخارج في تغيير الأوضاع الداخلية
كان من الطبيعي أن تكون العلاقة بين العاملين الخارجي والداخلي حاضرة بقوة في نقاش يتناول إحدى موضوعات التحول الديمقراطي في المنطقة العربية. فالورشة تندرج ضمن سلسلة من المبادرات والندوات التي توالت منذ التسعينات، وتكثفت خلال السنتين الأخيرتين ضمن سياق تعميق الاهتمام بالمسألة الديمقراطية في هذه المنطقة التي تعتبر من أكثر مناطق العالم فقرا في مجال الحريات واحترام حقوق الإنسان، حسبما ورد في تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة. وحتى لا تثار أية شبهة حول طبيعة اللقاء، أشار أحد المنظمين (زياد عبد الصمد) منذ البداية إلى أن «الورشة تنعقد بعد الزلزال المتمثل في احتلال العراق، وفي ظل ظروف تتكاثر فيها الدعوات لقيام أنظمة ديمقراطية في المنطقة»، لكنه ذكر بأن الشبكة العربية التي يتولى تنسيق نشاطاتها «تعمل وفق قناعة بأن الديمقراطية الحقيقية يجب أن تبقى ضمن سياق تطور طبيعي وذاتي». ولاحظ أسامة الغزالي حرب (عضو مجلس الشورى المصري ورئيس تحرير مجلة السياسة الدولية) في تعقيبه أنه عندما نتحدث عن الديمقراطية في العالم العربي الآن، فهذا له مغزى سياسي استثنائي. وإذ أشار إلى التاريخ الطويل للنضال الديمقراطي في مصر «وذلك قبل أن يطالبنا بها الآخرون» لاحظ بأن أميركا كانت تعطي الأولوية في الستينات للتحديث والتنمية ودور الجيوش في البناء الوطني، وكانت تقف إلى جانب الأنظمة المعادية للديمقراطية. غير أن أحد المشاركين (عضو المكتب السياسي في حزب التجمع) عاد إلى ما كتبه المرحوم كمال حمدان الذي كان يعتقد بأن التغيير في مصر كان يحصل دائما نتيجة تدخل خارجي، وذلك منذ الحملة الفرنسية. هناك من اعتبر أن التأثيرات الأجنبية يتفاوت حجمها بتفاوت حجم الدولة وضعفها أو قوتها.
الخوف من خلط الأوراق
بقطع النظر عن مختلف الآراء التي يمكن استعراضها حول هذه المسألة الخطيرة المتعلقة بمنهج التغيير، فإن التحول الذي طرأ على السياسة الخارجية الأميركية ورصدها لميزانية خاصة مهما كانت هزيلة لنشر الديمقراطية في العالم العربي، أحدث لخبطة وارتباكا واسعا في صفوف المثقفين والسياسيين العرب. لذا كلما تداعوا هذه الأيام لحضور لقاء أو المشاركة في ندوة، وتناولوا قضايا الإصلاح السياسي، إلا ويجدون أنفسهم مدعويين إلى تبرئة الذمة ومحاولة إقناع أنفسهم وبعضهم البعض بأن إيمانهم بالديمقراطية لا علاقة له بالضغوط الأميركية الحالية. وحدثني كريم مروة (الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني) عن مشاركته في ندوة الثقافة العربية التي عقدت في القاهرة قبل حوالي شهرين وأثارت عاصفة إعلامية وسياسية. وعلى إثر تعقيب له اعتبر فيه أن الوضع العربي لن يتحسن إلا بعد انتهاج الديمقراطية، فإذا به يفاجأ بمثقف قيل بأن له توجهات قومية، يأخذ الكلمة ليعلن بأنه يشم رائحة كريهة، ويعتبر أن الحديث عن الديمقراطية في هذه المرحلة بعد الذي حدث في العراق لا يخلو من شبهة تمرير سياسات العدو أو تبريرها؟. إن ما يخشى حقا هو أن يتحول التدخل الأميركي في شئون المنطقة إلى عائق جديد يزيد من تأجيل الإصلاحات الجوهرية التي تعتبر ضرورية لخروج العرب من النفق الذي دخلوه منذ أن فصلوا بين التنمية والديمقراطية. وقد سبق في المرحلة «الثورية» التي قادها العسكريون أن رفع شعار كان له أسوأ الأثر وهو «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة». ويبدو أن هناك من يريد - بحسن نية - إعادة هذا المشجب الذي سيؤدي حتما إلى تعطيل ديناميكية يفترض أن تواصل طريقها نحو كسر الجمود السياسي وإطلاق الحريات، ودفع أوسع شرائح المجتمع نحو المشاركة في تحسين الأوضاع ورسم سياسات المستقبل. لا شك في أن قوى التغيير والإصلاح مطالبة بحماية استقلاليتها وسيادة قرارها، وأن تكون واعية بأبعاد المخططات الدولية الهادفة إلى إعادة هيكلة المنطقة، لكن مصلحة الشعوب والأوطان تفرض أيضا أن تستغل هذه القوى اتجاه الرياح القائمة لصالح أهدافها الوطنية، ولا ترتبك أو تتوقف عن الحركة لمجرد حصول تقاطع ظاهري ومؤقت بين مطالبها وأولوياتها وبين الأهداف الأميركية المعلنة والمزعومة
العدد 351 - الجمعة 22 أغسطس 2003م الموافق 23 جمادى الآخرة 1424هـ