هذه أفكار وسوانح اجتاحت صفو عيشي فكانت هذه الكلمات معبرا ومنفذا أغزل من بعض حروف ملامح وطن يختزل الكرة الأرضية، شعب أنجب رحمه أعلاما في الفكر وفي الفلسفة الإسلامية وفي الفقه والآداب وكل المجالات، كالشيخ ميثم البحراني، وإبراهيم العريض، وعبدالله الزائد، وقاسم المهزع، ومبارك الخاطر، وغيرهم الكثير الكثير الذين تنار بهم سماء البحرين. هؤلاء هم أعلام فكرنا وهويتنا الثقافية، أناروا دربنا، فكانوا كمن يذوي شمعة تنير السبل الداكنة، صنعوا من بصيرتهم وفكرهم حضارة الإنسان على وجه هذه الأرض هؤلاء هم علماؤنا، مفكرونا، مثقفونا، وأدباؤنا، هم القادة لمسيرة المجتمع، وعلى هدى ما رسموه من نهج وقيم ومبادئ تكون نجاتنا عن مطبات الجهل والتخلف، ولكن هل نحن فعلا على هداهم؟
هل سألنا عقلنا يوما أننا أخذنا الدروس النافعة منهم ومن تجاربهم؟ أم أننا غفلنا عن هذه الجنبة وأخذنا بتقديسهم كأبطال وقدمنا بين أيديهم القرابين والنذور؟ هل واجهنا الذات بأسئلة شجاعة عن المغزى العقلائي في إغفالنا عن النتاج العلمي والثقافي والأدبي وغيره لدى عظمائنا واتجاهنا بجانب يسير يكاد لا يكون ذا قيمة تذكر؟ هلا أوقدنا شعلة الوعي وأمعانا النظر قليلا لنلاحظ اننا أمام جبال من الفكر والثقافة والعلم والبحث والمثابرة؟ ألم يحن الوقت بعد لكي نقرأ ونستلهم فكرهم، وطاقتهم، ونتاجهم، لكي نخرج جيلا مبدعا غير مقلد.
عندما نقرأ ببصيرة ووعي ثقافة أية أمة يتبادر إلى ذهننا للوهلة الأولى الرواد لتلك الأمة من علماء، مفكرين، مثقفين، وساسة، إلى واجهة تفكيرنا واهتمامنا لأنهم الصناع الحقيقيون لمجد تلك الأمة، هم البناة للحضارة والتاريخ، ولا ينطبق هذا المشهد على أمة بشرية على حد متساو، فمما لا شك فيه أن هناك تفاوتا بين أمة وأمة، وبين شعب وشعب، ليس استنقاصا أو محاباة لثقافة على حساب أخرى، بل بالنظر إلى عراقة تلك الثقافة وامتدادها الحضاري ومجمل الحيثيات الأخرى من قبيل البعد التأريخي والثقافي والفكري ومدى النماء والنضوج عبر مسيرته التأريخية وأسبقيته لحمل لواء العلم والمعرفة للعالم، شعب البحرين كان رائدا متميزا في حمله للواء الحضارة والعلم وسط أمم كثيرة لا يستهان برصيدها الثقافي ولا بإرثها الحضاري، فكانت من السباقين إلى ضخ الفكر والثقافة إلى البلدان المتاخمة لها وإلى العالم أجمع تلكم البقعة في قلب الخليج، كانت هذه الأرض ذات عطاءات كبيرة واستحقاقات عظيمة على الأصعدة كافة، رحمها كان غضا يضخ الحياة والعنفوان في جسد الأمة عبر كل الأطوار التاريخية التي مرت بها، فكان النتاج عظيما عظم التجارب، وكان المولود الجديد قديرا على مستوى كبير من المسئولية والوعي، (هل أن التراث الأصيل النابع من الشعب الأصيل يتقادم مع السنين)؟!.
من قرأ بتدبر عن تأريخنا ورجالاته؟ من أوقف نفسه للبحث والاستقراء الموضوعي للحوادث التاريخية التي جرت على هذه الأرض حفاظا عليها من أن تندثر وتصبح طي النسيان؟ ألا ينفعنا التاريخ وكل الذي جرى فيه من حوادث في حاضرنا ومستقبلنا؟
أليس الماضي هو تكرار للحاضر؟! هل ننتظر أن يغزونا مستشرقون جدد ويشوهوا تراثنا ويحللوه وفق رؤاهم وأهدافهم؟ المفارقة الكبيرة ها هنا ان نقرأ الفكر الوارد بكل جزئياته وتفصيلاته ونذهل ساهين كنا أم قاصدين عن الإرث الإسلامي العظيم متذرعين بأعذار واهية ليست ذات صدقية. أنا أخاطب شريحة الشباب بشكل خاص أناشد فيهم العقل والروح والقلب، يا أبناء العلم والعلماء يا أبناء الأدب والفن وأعمدة الحضارة، ألا تنظرون إلى فضاءالوطن وما يحمله من نجوم ودرر؟ ألا تنظرون هذا الإنسان البسيط في عيشه.
كيف أنه الصلب في إيمانه، كيف يناطح عظماء البشرية في إمكاناته وعلمه، ألا تحدقون النظر قليلا في مكامن القدرة والقوة لدى هذه الأمة العظيمة وحقا لها أن تفخر، الشعوب كل الشعوب تفخر بعظمائها وتقدس مبادئهم، وما رسموه من طريق ليمضوا حذو ذلك الطريق من دون أي تردد ونحن وبمفارقة كبيرة غير مهتمين لا بالتراث العلمي والثقافي لدى عظمائنا ولا بأي أمر يلامس هذا الهاجس سوى أننا ننذر ونذبح القرابين على أعتابهم ونحسب أننا على خطهم وما أرادوه لنا من سبيل، والأمر خلاف ذلك تماما ولا أخال عاقلا يقول خلاف ذلك.
هذا الوطن صغير بحجمه ومساحته كبير بعطائه ورجالاته فليعي جيل الشباب ذلك بوعي ودراية ولينصتوا لنداء فكرهم وضميرهم إذا ما أرادوا أن يبتوا العزم في طريق الحفاظ على الهواية وتخريج ما هو مخفي ومستور تحت الأرض، ليتعرفوا عن كثب على دور أعلامنا من مفكرين وعلماء وكتاب، في صنع ملامح هذا الوطن بكل ما يحمله هذا الوطن من مخزون حضاري عظيم، نحن في منعطف تأريخي خطير يجدر بنا فيه إعادة الذاكرة المنسية إلى الأذهان، معنى أصالة هذا الإنسان البحريني وارتباطه الكبير بكل حبة تراب تعيش في رحاب هذا الوطن واستحالة التفريط بأي إنجاز ومكتسب حضاري نقشت حروفه على جبين هذا الوطن
العدد 350 - الخميس 21 أغسطس 2003م الموافق 22 جمادى الآخرة 1424هـ