قام محل لبيع أدوات الدهان على ركام مرقص «لابيل» في برلين الغربية والشيء الوحيد الذي يذكِّر بالحادث الذي وقع في العام 1986م هو صليب في منتصف الشارع يرمز إلى القتلى الثلاثة الذين سقطوا عقب انفجار قنبلة جرح على اثرها نحو مئتي شخص غالبيتهم من الاميركيين فقد كان هذا المرقص يرتاده الجنود الاميركيون لاسيما السود وكانت المانيا تعيش الحرب الباردة إذ اقامت قواعد لها في الشطر الغربي من المدينة المجزأة وفي هذا الوقت كان النزاع على اشده بين الولايات المتحدة الاميركية وليبيا. بعد ساعات على انفجار العبوة الناسفة اتهمت واشنطن ليبيا وقالت انها التقطت مكالمة هاتفية بين سفارة ليبيا في برلين الشرقية وطرابلس يشير مضمونها إلى نبأ سعيد.
بينما يجري الحديث بصورة مكثفة عن احتمال ان تقدم ليبيا تعويضات مالية كبيرة إلى اقارب ضحايا حادثة لوكيربي وتصفية الخلاف القائم مع فرنسا التي اتهمت ليبيا بوضع عبوة ناسفة في طائرة فرنسية في العام 1989، يجري العمل على عجل في برلين لحل مشكلة قديمة تتعلق بتعويضات لضحايا انفجار«لابيل» وفيما يبدو من السهل التجاوب مع مطالب المتضررين الالمان فإن هناك مشكلة كبيرة ستنشأ في إطار قضية «لابيل» ذلك ان المتضررين الاميركيين سبق ان رفعوا دعاوى امام محاكم اميركية يطالبون فيها ليبيا بتقديم تعويضات طائلة تزيد قيمتها كثيرا عن قيمة التعويضات التي تطالب بها المانيا.
لم تكن قضية «لابيل» مطروحة على رغم انها كانت بارزة دائما كلما جرى الحديث عن عودة الانفراج إلى العلاقات بين المانيا وليبيا. وقد غضت المانيا النظر منذ سنوات عن العقوبات المشددة التي تم العمل بها عقب وقوع حادث «لابيل» إذ تم خفض عدد الدبلوماسيين الليبيين وعرقلة سفر المواطنين الليبيين إلى الدول الغربية لكن منذ سنوات تغص مدينة بون بالمرضى الليبيين الذين يقصدون مستشفيات ولاية شمال الراين وستفاليا للعلاج وزاد عدد الطلبة الليبيين المنتدبين إلى الجامعات الالمانية كما زاد عدد الديبلوماسيين الليبيين وعلى رأسهم السفير محمد سعيد عبدالعاطي الذي سبق ان عمل سفيرا لبلاده في فيينا وإلى جانب إلمامه باللغة الالمانية فهو ملم بطبيعة علاقات بلاده مع المانيا والاتحاد الاوروبي وعازم على البدء من الصفر في بناء علاقات وطيدة بين ليبيا والمانيا. وتستورد المانيا كميات كبيرة من النفط الليبي بشكل يزيد عما تستورده من السعودية إذ تبلغ قيمة وارداتها من النفط الليبي سنويا نحو نصف مليار يورو.
واشارت تقارير صحافية إلى انه من المحتمل ان يدفع القذافي مرة اخرى خلال العام الجاري وهذه المرة، تعويضات إلى عائلات الضحايا الالمان. بعد لوكيربي تعتزم ليبيا التخلص من مشكلة «لابيل». ذلك انه بعد سنوات طويلة من المفاوضات التي تمت ابدى الليبيون أخيرا استعدادهم للتوصل إلى حل بهذا الشأن املا في إغلاق ملف القضية. ويقول مراقبون هنا ان المصالح الاقتصادية والسياسية لليبيا تقضي بإنهاء الخلافات العالقة مع الولايات المتحدة وفرنسا والمانيا. منذ وقت قام ود بين ليبيا والمانيا بعد ان قامت ليبيا بدور بارز من اجل الافراج عن رهائن كانوا بقبضة جماعة ابوسياف بجزيرة جولو في الفلبين ومن بين الرهائن ثلاثة افراد من اسرة فاليرت الالمانية. وقامت ليبيا بدفع ملايين الدولارات مقابل تحرير الرهائن. وقد قدم المستشار الالماني غيرهارد شرودر الشكر إلى الزعيم الليبي حين طار نائبه يوشكا فيشر إلى طرابلس لساعات قليلة. كما حصل ابنه سيف الاسلام على فرصة عرض معرض فني في المبنى الذي كان في الماضي مقرا لقيادة نظام برلين الشرقية في عهد هونيكر وكان المعرض تحت عنوان «الصحراء لا تصمت». كذلك زار ابن الزعيم الليبي الثاني المهندس الساعدي القذافي المانيا قبل فترة قصيرة إذ اجتمع مع ممثلين عن اتحاد الكرة الألماني بمدينة فرانكفورت.
وساهمت الجهود التي قام بها اقارب ضحايا حادث «لابيل» في مصادرة معروضات المعرض، بتذكير الجانبين الليبي والالماني بالحادثة المقيتة وانها مازالت موجودة وينبغي التوصل إلى حل بشأنها. قام مقر المستشارية ووزير الخارجية الالماني يوشكا فيشر بالضغط: على الأقل يجب الشعور بالذنب قبل ان يجري التعامل بصورة أفضل مع المسئولين عن الحادث. وكان ممثلو مصالح ضحايا «لابيل» قد اتهموا الحكومة الالمانية بالتقصير في تقديم وسائل كما كانت محكمة برلين قد ادانت المخابرات الليبية وحملتها مسئولية تدبير العملية.
منذ اشهر يجتمع ضحايا «لابيل» إذ يعملون معا في وضع بيانات ومراجعة التقارير الطبية للأشخاص الذين اصيب بعضهم بحروق شديدة. ويقوم السفير الليبي في برلين، وهو موثوق به من قبل القذافي، بدور الوسيط وفي رأيه فإن من يسهم في حل المسألة سيحصل على قلم من ذهب.
الاقتراح الذي قدمه محمد يرمي إلى تقديم تعويضات إلى الضحايا عملا بتعريفة التعويضات التي يقدمها نادي السيارات الألماني ADAC وقد ازيح هذا الاقتراح بسرعة عن الطاولة بعد ان نبه المحامون السفير الليبي إلى ان موكليهم اصيبوا بجروح نتيجة عمل ارهابي وليس بسبب حادث تصادم. واعترضت الحكومة الالمانية على فكرة ترمي إلى أن تقوم مبرة المانية/ ليبية بدفع تعويضات وقالت إنه لا يجب ان تستخدم أموال الضريبة في مثل هذه الحال.
في الغضون يجري التفاوض على ارقام محددة. قبل شهرين قدمت لجنة المحامين الذين يمثلون مصالح ضحايا «لابيل» ورقة مطالب إلى وزارة الخارجية الالمانية. يمثل المحامون مصالح 67 من الضحايا الذين لا يحملون الجنسية الاميركية ومن بينهم اقارب الفتاة التركية البالغة 28 عاما من العمر التي قتلت في الحادث وصاحب المرقص الذي دمر عن آخره. تتضمن المطالب حصول اقارب القتيلة على مليون يورو ومبلغ مماثل لصاحب المرقص ومبلغ نصف مليون يورو إلى كل جريح ولكن بسبب اختلاف درجة الجرح والحروق عند كل ضحية ومنها ما يصل إلى البتر، يجري النظر لاحقا إلى قيمة كل مبلغ يحصل عليه الضحايا وفقا لدرجات الاصابة التي لحقت بكل منهم وان يعهد بدور المؤتمن على توزيع التعويضات للحكومة الالمانية منعا لوقوع مشكلات بشأن التعويضات المالية التي سيحصل عليها كل طرف.
ينبغي على ليبيا دفع 25 إلى 40 مليون يورو من ضمنها نسبة 15 في المئة لاتعاب المحامين وأولئك الضحايا الذين لا ينتمون إلى مجموعة الضحايا الذين يمثلهم فريق المحامين، سيحصلون على فرصة المطالبة بتعويضات وفقا لما تم التوصل اليه من اتفاق. وأعرب المحامي البرلينيني بوركهارد كوتكي عن ثقته بأن يتم التوصل إلى حل بشأن هذه المسألة خلال العام الجاري. كما يسود تفاؤل مماثل بوزارة الخارجية الالمانية.
لن تشكل قيمة التعويضات مشكلة بالنسبة إلى الليبيين وهي بوضوح اقل من قيمة التعويضات التي سيحصل عليها اقارب ضحايا حادث لوكيربي. بالاضافة إلى انه ليس هناك مطالب بأن تعلن ليبيا مسئوليتها عن الحادث.
لكن حجر العثرة الكبير هو الفارق بين تصورات الحل في المانيا والولايات المتحدة؛ فقد رفع متضررون بحادث «لابيل» دعاوى امام محاكم اميركية ضد القذافي شخصيا ويطالبون بمبالغ تزيد كثيرا عن المبالغ التي يطالب بها الالمان إذ تبلغ قيمتها ثلاثة مليارات دولار لاقارب الجنديين الاميركيين و60 من الاميركيين الذين اصيبوا في الحادث. المحامي الذي يمثل مصالح الجرحى الاميركيين اندرياس شولتس، لا يثق بأن الصفقة الالمانية ستبرم وقال: إن ليبيا مهتمة كثيرا بحل القضية وهذا يعتمد على قيمة التعويضات.
إلى جانب ذلك هناك شكوك في ان يجري رفع العقوبات كاملة عن ليبيا. وهددت الحكومة الفرنسية باستخدام الفيتو لدى التصويت على قرار رفع العقوبات في مجالس الأمن الدولي وقالت «إن هناك فاتورة لها علاقة بليبيا تتعلق بقنبلة انفجرت داخل طائرة فرنسية في العام 1989 قتل على اثرها 53 شخصا». وتجد باريس ان قيمة التعويضات التي امر القذافي بصرفها في هذا السياق والبالغة 31 مليون يورو، اقل من التعرفة التي تطلبها
العدد 349 - الأربعاء 20 أغسطس 2003م الموافق 21 جمادى الآخرة 1424هـ