تاريخ البحرين تاريخ مكتنز بالنضال ويمتاز بالعافية السياسية كما قال المفكر الأديب أمين الريحاني وهو يصف مرحلة نضال هذا الشعب ضد الاستعمار البريطاني بأن في «البحرين... نهضة سياسية». وكل من زار هذا البلد اقتنع بوعي جمهوره ومدى ثقافة نخبه. كان من هؤلاء الشيخ محمد جواد مغنية الذي كتب في كتابه «علماء النجف» عن البحرين. وكان يوما جميلا ذلك اليوم الذي وطئت فيه قدما السيد المغيّب موسى الصدر هذه الأرض فراح يلقي كلماته معجبا بهذا الشعب الذي لم يكل يوما عن نصرة الفقير والمطالبة بالحقوق.
وهكذا هو البحريني متمسك بدينه، بعروبته، بأرضه، كان سباقا للتعلم، فالتاريخ ينقل إلينا أن في الفترة الزمنية ما بين 1940 و 1959 بلغ عدد مدارس البنين 34 مدرسة تضم 12364 طالبا ومدارس البنات بلغت 16 مدرسة ضمت 5467 طالبة. المرجع: «دراسات حول الحركات والجماعات السياسية في البحرين»، فلاح المديرس.
ليس غريبا إذن عندما يقول عبدالله النفيسي: «إن شعب البحرين أعرق شعوب منطقة الخليج»، كما جاء في كتابه القيّم «الكويت... الرأي الآخر».
إن لنا تاريخا له جذوره ومازال يضفي على البحرين وهج الأصالة والانتماء والتشبث بالأرض، لذلك كله مازال البحريني يعتز بهذه الأرض وبهويتها. وكل معالم البحرين تدل على أصالة هذه الأرض، فمن مسجد الخميس وبلاد القديم إذ تجمع الفقهاء إلى النادي الأدبي الذي كان من مؤسسيه عبدالله الزايد إلى صحيفة «صوت البحرين» التي كان سكرتير تحريرها عبدالرحمن الباكر إلى مجلة «المواقف» التي تربّع على عرشها وهو يترافع عن المحرومين الشهيد عبدالله المدني.
في يوم الاستقلال 14 أغسطس/آب 1971م تعود ذكريات جميلة إلى أيام عطرة من النضال وليالٍ سوداء لحقب ملأ منها المستعمر البريطاني هذه الأرض الطيبة صورا من الرعب وتفرقة المواطنين على القاعدة البريطانية «فرّق تسد» بين سني وشيعي. ولكن على رغم ذلك بقيت هناك إضاءات لقاء لأي منصف يبوح بالحقيقة في سبيل لقاء بعيد عن التزييف.
في العام 1954 أعلن سائقو سيارات الأجرة إضرابا شاملا مطالبين بتعديلات في نظام التأمين على السيارات منتقدين شركة تأمين بريطانية وطالبوا بإنشاء نقابة لسائقي الأجرة.
لسنا نستولوجيين، ونحن نحنُّ إلى الماضي ولكن الماضي هو الماضي ولابد للإنسان أن يشتاق إلى تراثه ويرتبط به كما قال الفيلسوف المصري حسن حنفي في كتابه «من العقيدة إلى الثورة» لأن أمة بلا تاريخ أمة لا مستقبل لها. تشدك إلى الماضي أمجاد البحرين العتيدة حيث أجدادنا الغواصون في انتفاضة الغواصين وهم يطالبون بحقوقهم، وحركة العمال في 5 مارس/ آذار، وفي التجمع الوطني وهو يحارب كل نزعة طائفية أو انتمائية أو شوفينية، وبين كل ذلك الوقفة الشعبية المضيئة ضد النزعات الإيرانية الشاهنشاهية من ضم البحرين، وما بين كل ذلك ينبعث صوت «أبوخالد» من إذاعة «صوت العرب» يدعو إلى محاربة الاستعمار والدعوة إلى دعم فلسطين إلى أن رحل، ونزار قباني ينشد قصيدته «قتلناك يا آخر الأنبياء». كانت ذكريات جميلة وملاحم وطنية لشعب طرد الاستعمار داعيا إلى تحقيق ديمقراطية المساءلة وديمقراطية العدالة الاجتماعية بلا رتوش أو مكياج أو مزايدات.
لقد رحل بلغريف من على هذه الأرض تاركا وراءه مذكرات إدانة لتاريخه وتاريخ المستعمر البريطاني العجوز، وبقيت البحرين جميلة بطيبة أهلها، مسالمة، صافية كصفاء اللجين، ذهبية ظفيرتها كخطوط الشمس لا يمكن أن يؤمن بها إلا من تذوّق مرارة النضال في سبيل أصالة الأرض
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 348 - الثلثاء 19 أغسطس 2003م الموافق 20 جمادى الآخرة 1424هـ