الإعلام وما يمثله من دور كبير في صوغ قناعات الفرد وتصوراته، لابد له من تأملات في كل ما يحمله من مضامين يبثـها، وحينـما يبث لنا تلفزيون البحرين بين الفينة والأخرى «أغاني» تخص ذوي الاحتياجات الخاصة، فإن هذا العمل الـفني له لغة تحمل معانيها، فلها ما لها وعليها ما عليها، لذلك، لابد من تسجيل شيء من التحليل على هكذا ممارسة ليتسنى لمن يقوم به ويقتنع به ويرضى به أن يراجعه قليلا (أي ذلك العمل)... وقبل كل شيء، علينا أن نسجل كل الاحتمالات التي تهدف من ورائها أغنية هنا أو هناك تخص الفئة الخاصة:
1- إما أن تكون تلك الأغاني ترمي إلى هدف إنساني عبر إيصال صورة ذوي الاحتياجات الخاصة وإنجازاتهم من خلال فيديو كليب مؤثر وكلمات رنانة.
2- وإما أنها تريد أن تلفت نظر المجـتمع إلى هذه الفئة وترسخ معنى ما من قبيل:
أ. الفئة الخاصة لها إرادة وتستطيع أن تعتمد على نفسها.
ب. على المجتمع أن يعي المعنى الحقيقي لـشعار «معا على الطريق»، الذي لا يعني البتة «عونا» في الطريق.
3- وقد يكون من وراء ذلك العمل الفني معنى آخر - كما يذهب البعض - وهو إعطاء مساحة إعلامية ومن ضمـنها الأغاني.
4- وهناك رأي رابع، قد يكون قاسيا بعض الشيء، وهو أن بعض المغنين يرمون إلى التجديد والتحديث ويريدون أن يظهروا «حداثيين» بين «تقليديين» من المغنيين الذين لا ينفكون عن تناول الرومانسية الصاخبة.
وفي كل الأحوال والاحتمالات مما ورد، فإن الموضوع يحمل سلبيات أكثر من إيجابيات.
فأما الرأي الأول، وهو أن تكون تلك الأغاني ترمي إلى هدف إنساني عبر إيصال صورة ذوي الاحتياجات الخاصة وإنجازاتهم، فإن الملاحظ اللادقيق يلاحظ بوضوح أن الأغاني تلك لا تجعل الدمعة تقف في مآقي مشاهديها للمخزون الكبير الذي تحمله من استعطاف واستدرار للتحنن، فأي إنجاز ذلك الذي سيصل وأية صورة كريمة سترسخ؟
الرأي الثاني القائل إن ذلك العمل الفني يريد أن يلفت نظر المجـتمع إلى هذه الفئة ويرسخ معنى من المعاني البيضاء من مثل: الفئة الخاصة لها إرادة وتستطيع أن تعتمد على نفسها أو أنه ينبغي على المجتمع وعي المعنى الحقيقي لـشعار «معا على الطريق»، الذي لا يعني البتة «عونا» في الطريق، هذا الرأي يعطي لتلك الأعمال سندا قويا ومبررا لاستمراريتها. ورجوعا إلى ما سبق من أن تلك الأغاني مثيرة للشفقة بدرجة أولى، فإنه ينفي هذا المعنى ويرسخ معنى واحدا وهو «معا نحو الشفقة».
الرأي الثالث لا يحتاج إلى كثير تفصيل أو تعقيب، فأي مساحة لتظهير فئة أو إنجازاتها تتمثل في بعض السلبيات؟ فثمة أدوات وآليات كثيرة تحل محل هكذا أعمال وبشكل أكثر فائدة وأنصع صورة.
أما الرأي الرابع الذي وصفناه بـ «القاسي» فإنه تعميم قد يسيء إلى بعض الفنانين ويضرب نواياهم التي قد تكون بيضاء، إلا أنه لا خطأ في نسبته الكلية.
وختاما أذكر عبارة لأحد الكتاب، كتبها في الموضوع نفسه ناصحا بها الإعلام، أنه ينبغي لنا أن (نرفد حســن القــصد بحســــن الاجتـهاد) دائـما
العدد 347 - الإثنين 18 أغسطس 2003م الموافق 19 جمادى الآخرة 1424هـ