نراهم كل يوم، نراهم في الصباح وفي المساء، نراهم في البيت وفي المدرسة، نراهم ولا نحرك ساكنا، نراهم ونتجاهلهم ولا نأبه بهم، نراهم ولا نراهم، أطفال ليسوا بالأطفال، أطفال بعمر الورد ولكن ليس للورد أية صلة بهم، فالورد جميل يشدّ الانتباه ولكن هؤلاء الأطفال لا ينتبه إليهم أحد.
أطفال بلا أمل، أطفال نعرف أن مشكلاتهم كثيرة وكبيرة. نتجنبهم ولا يتجنبوننا نريد الابتعاد عنهم وهم لا يريدون، لا نريدهم أن يخالطونا أو يخالطوا أطفالنا وهم يريدون.
تراهم في الصف بأجسادهم لا بعقولهم يحلّون الواجبات ببطء وينسخون بكثير من الأخطاء. تراهم يتململون في المقعد إن جلسوا عليه، ويصدرون إزعاجات وأصوات تارة وتارة يخلقون المشكلات مع أقرانهم. قراءتهم ضعيفة، استيعابهم متدنٍ، تركيزهم ضعيف، تقديرهم لذواتهم منخفض، لديهم الكثير من السلوكيات الخاطئة، أُسرهم في وادٍ و هم في وادٍ آخر.
ولكن هل منا من فكر قليلا في هؤلاء الأطفال؟ هل منا من درس حياة هؤلاء الأطفال وتعرف عليهم وعلى مشكلاتهم؟ هل منا من بحث عن المسئول عن هذه المشكلة؟ أو كيف وجدت هذه المشكلة أصلا؟ أسئلة كثيرة يعرف إجاباتها القليلون منا.
لقد عملنا مع هؤلاء الأطفال، فعرفناهم وعرفونا، وعرفنا كيف يتحوّل هذا الضعف الأكاديمي أو هذا الإهمال الواضح من الأسرة أحيانا ومن المدرسة أحيانا أخرى إلى تصرفات وأفعال سلوكية خاطئة، تمهد الطريق لنمو بيئة خصبة لحدوث الانحراف والضياع لذلك الطفل أو الطالب.
ونحن ما زلنا نغني بدور المدرسة الأساسي في حياة الطفل وكيف أن المدرسة تهذب الطفل وتعلمه الحياة، ولكن هل فكرنا في دور المدرسة في حياة هؤلاء الأطفال ؟ نستطيع القول إن دور المدرسة في حياة هؤلاء الأطفال أصبح تدريجيا دورا ثانويا أو أقل من ذلك. و في بعض الأحيان تفضل المدرسة غيابهم وذلك لتقليل الضغط عنها وعن المعلم، لأن هؤلاء الأطفال عادة ما يكونون كسولين، ومحتاجين إلى جهد كبير لتعليمهم وكما يقول المثل الدارج: «تنفخ في قربة مقطوعة».
ويسأل البعض: ما دور الأم والأب في حياة ابنهم في المدرسة؟ منهم من يتناسى مشكلة ابنه ويدعها للأيام. ومنهم من يواجه المشكلة ويبحث - إن عجز هو- عمن يساعد ابنه على تخطي عقبات الدراسة وما يتبعها من مشكلات كثيرة، وفي الغالب فإن الآباء والأمهات يختارون الخيار الأول ولديهم المبررات الاقتصادية والاجتماعية لذلك.
ونأمل من خلال العمل مع هؤلاء الأطفال أن نغير من توجهات وأدوار الأطفال بحيث تلقى هذه الأدوار التقدير والاحترام من البيئة الاجتماعية المحيطة بالطفل. وجوهر العمل يكمن في كيفية التعامل معهم، سؤال موجه إلى كل أب وأم ومعلم واختصاصي نفسي واجتماعي : ماذا يمكننا أن نفعل؟؟؟
اختصاصي تربية خاصة
العدد 347 - الإثنين 18 أغسطس 2003م الموافق 19 جمادى الآخرة 1424هـ