البحرين أصبحت في عهد الحرية والشفافية في أعقاب إنهاء هيمنة أمن الدولة بلد الموضات مع كل حقدنا على ذلك القانون الظالم إلا أن ما يجري في عهد الحرية والشفافية صار أمرا مقلقا للكثيرين.
صحيح ان الشعب البحريني ناضل وبشراسة سواء من خلال المعارضة في الخارج أو من خلال التضحيات التي قدمها في الداخل، هذه التضحيات التي بلغت درجة استشهاد أكثر من 40 شخصا واعتقال المئات حتى مشايخ الدين بضآلة أجسامهم وكبر سنهم فدخلوا السجون والمعتقلات وتحملوا شتى أشكال التعذيب النفسي وحتى الجسدي دفاعا عن قضايا هذا الشعب الذي عاش عقودا من البؤس والفقر.
ويجب أن نعترف بالمحاسن مهما حاولنا أن نغمض أعيننا ونتنكر لجوانب كثيرة ما فعله الملك لهذا الشعب ولا أود أن أكرر التغيرات التي حدثت منذ توليه الحكم وأعلن مشروعه الإصلاحي بحيث بلغ حدا أن صار سجين أمس وخصم النظام - بحسب تقييم قانون أمن الدولة - إلى إنسان له مكانته في قائد المسيرة نفسها الإصلاحية جلالة الملك الذي لا يساورني أدنى شك بأنه سيحل كل هذه القضايا المعلقة التي تظهر في بلادنا على شكل ملفات، وكأن هناك من يريد لهذا البلد ألا يستقر ومن مصلحته أن تكون النار مشتعلة بشكل مستمر، فكلنا يذكر كيف عوملوا أولئك المشايخ قبل المرحلة الإصلاحية وكان أحدهم الشيخ عبدالأمير الجمري.
ألا يعتبر تغييرا جذريا في سياسة هذه المملكة وبأمر جلالته أن يتحول خصم أمس الذي لم يتوان عن مواصلة معارضته لأخطاء النظام حتى بعد خروجه من سجنه أو معتقله ليأمر جلالته وهو في زيارة له بالمستشفى الإسراع بإرساله إلى أرقى المستشفيات الموجودة في ألمانيا شفاه الله.
ألا يعتبر تغييرا جذريا لدى القيادة الجديدة برئاسة جلالة الملك أن يكون دائم السؤال عن صحته وزيارة من كانوا منبوذين في السابق؟
لا أذكر ذلك إلا لأذكّر شعبنا الطيب أن هناك سياسة مغايرة حقيقية حدثت في هذا البلد ولا يجب فقط التركيز على السلبيات التي يعترف جلالته في معظم تصريحاته أن المسارات الإصلاحية ستتواصل فنحن في بداية الطريق.
صحيح أن كل هذه حقوق مشروعة للشعب وتأخرت القيادة البحرينية في تنفيذها ولا منة منها علينا ولا جميل أن يحصل المواطن على حقوقه المشروعة، غير أن هذه الحقوق الشرعية كانت مشروعة منذ أكثر من ثلاثة عقود فلماذا لم نحصل عليها إلا في زمنه هو؟
إننا لو تنكرنا لكل شيء لكن هل يمكن أن نتنكر أن الشعب البحريني أصبح آمنا على نفسه وبلغ من الحرية درجة نكاد نحسد عليها حتى تلك التي تدعي أنها تحترم الدستور بأن تستطيع الأحزاب الوطنية أو الجمعيات السياسية أن تنتقد الدولة والمسئولين من دون محاسبة.
أعتقد أنه يجب الاعتراف بأن الحرية التي بلغناها والشفافية التي نعيشها بحيث صرنا نتناول كل شيء وكل قيادي من دون أي خوف نعمة كبرى وتطور نوعي ومرحلة تاريخية جديدة فعلا نمر بها، ما سيساعدنا على تحقيق المزيد من المطالب المشروعة.
يجب الاعتراف بأن الفرق شاسع بين أمس الإنسان البحريني ويومه، بين أن يكون معارضا قضى أعواما من عمره خارج الوطن ولا يسمح له بعودته وبين المعارض نفسه أن يصبح رئيسا لتحرير صحيفة يومية، على المواطن أن يتذكر الإيجابيات والمكاسب التي حصل عليها حتى ولو كانت ضمن حقوقه ولا يتنكر الإنسان لها وإلا أصيب بالعمى، لكن الذي يحدث اليوم هو استغلال هذه الحرية والشفافية بشكل غير عقلاني ومن دون نضج ووعي وإدراك.
لقد كاد الإنسان يتساءل هل ما يجري بحيث نجد في كل يوم احتجاجا أو اعتصاما أو إضرابا يصب لصالح المكاسب الوطنية؟
وأحدث هذه الموضات أو الملفات هذه الضجة التي لا يجب أن تثار والتي كما ذكرت أصبحت موضة إذ يتم البحث كل يوم عن موضة جديدة لمشاغبة النظام وإقلاقه وتحريك هذه الموضة وتسويقها وكل من بيده حجر ليلقيه على الجهات المسئولة حتى لو كان ذلك خارجا على القانون وتجاوزا لا يخدم المصلحة الوطنية.
تمرد سجناء جو وإضرابهم عن الطعام يعتبر آخر موضة من هذه التقليعة الجديدة. لا أنكر أن كلنا كنا ضحايا مرحلة رديئة طويلة مر بها الشعب البحريني ومن حقه ألا يتناسى آلامه، لكن أن يحاول الانتقام وبشتى الأشكال ومن دون دراسة ومن دون وجه حق هذا ما يجعل الإنسان العاقل يصل إلى درجة الخوف ويطرح سؤالا منطقيا هل هذه عملية انتقام من الحكومة وما فعلتها وبأثر رجعي؟
- هل يصب ذلك في المصلحة الوطنية؟
- أليس من حق القيادة الجديدة عدم محاسبتها على أخطاء الماضي وإفساح المجال أمامها لتصحيح المسارات التي تخلفت عن تصحيحها من دون خوف أو قلق؟
- هل يمكن لهذه الضغوط ومن خلال هذه الموضات التي تظهر مع كل موسم إن لم اقل مع كل يوم أن تشجع النظام أو ترعبه ليسارع في تحقيق ما تخلفت عنه؟ أو أنه قد يدفعه للندم حتى على الإصلاحات التي قام بها في عهد القيادة الجديدة؟
المشكلة أن الكاتب أو الصحافي صار يخاف من أن يقول الحق خوفا لأن يتألب عليه الشارع الذي تعود على طريقة الإدارة الأميركية إما أن تكون معنا أو أنت ضدنا وهذه مصيبة كبرى.
صرنا نخاف أن نقول كلمة الحق حتى لا يثور علينا الشارع الذي عودته الجمعيات السياسية أن يتصرف كما يشاء كان حقا أو باطلا وذلك ليعطيه هذا الشارع شرعيته حتى بلغنا درجة صارت فيها تجاوزات الشارع تخيف القيادة الإصلاحية الجديدة بحيث تفرض عليها إعادة حساباتها، وبلغنا نحن الكتاب من خوف قول الحق حتى لا نتهم بالعمالة.
إن دعم ما يجري في سجن جو والتعاطف مع إضرابهم مع كل ما فيه من تجاوزات غير شرعية صار أمرا يلفت نظر عقلاء القوم، ويبدو أنه صار الشغل الشاغل لفئات من الناس بما فيها الجمعيات السياسية أو الحقوقيين أو جمعيات حقوق الإنسان أن تقف مع كل دندنة فقط مادام الطرف الآخر هو الحكومة. فماذا يريد هؤلاء السجناء؟
هناك حقوق مشروعة من حقهم على جمعيات حقوق الإنسان أو جمعية الحريات العامة أن تقف إلى جانبهم في حدود المعقول كأن يكون الطعام غير صحي أو أن يكون السجن لا يحتمل العدد الذي فيه أو يكون هناك تطاول أو تعذيب غير قانوني من قبل السجانين، هذه كلها حقوق مشروعة ويجب متابعتها، إما لأن كل من هب ودب ومن دون أسباب واضحة وغير قانونية كما يفعل سجناء (جوّ) يريد أن يضرب أو يعتصم ليزعج النظام ويؤلب الناس عليه بحق أو باطل فنقف معه وكأن البلاد صارت فوضى.
سجناء (جوّ) الذي يبلغ عددهم قرابة الثلاثمئة من حقهم أن يطالبوا بمكتبة واستعارة الكتب وإفساح المجال أمامهم لاستكمال دراستهم، هذا أيضا حق من حقوقهم لكن أن يضربوا ويطالبوا بما هو غير مشروع وندافع عنهم فهذا هو الخطأ. إنهم يطالبون بإعادة محاكمتهم بعد أن مرت قضاياهم على كل أشكال الحكم، من حكم أولي ثم حكم محكمة الاستئناف وتم الانتهاء من ملفاتهم فهل يجوز لهؤلاء أن يطالبوا بإعادة محاكمتهم والطعن في القضاء؟ ولو كانوا سياسيين لقلت ربما كان للداخلية وأجهزة الأمن يد في تشديد الحكم عليهم ومن حقهم المطالبة بإعادة محاكمتهم.
أما وأنهم جناة فإن هذا الحكم عادل ولا يمكن الطعن فيه بمجرد الإضراب عن الطعام وإلا أصبحت (الديرة) فوضى.
هذه أمور لم نسمعها حتى في سجون أكثر بلدان العالم ديمقراطية، صحيح اننا سمعنا أن السجناء السياسيين يعطون هذا الحق في أوروبا أما السجين الجنائي فلا.
أعتقد أن هناك حقوقا مشروعة لهم يجب دعمها، هذا صحيح لكن أن نقوم بدعم ما هو غير مشروع ونتعاطف مع عناصر خارجة على القانون فهذا غير مقبول وغير ممكن، ويجب التوقف عن كل ما هو خطأ بل ردعه على أن يتم تركيز الجهود وبشكل منطقي ومن خلال الجمعيات السياسية ومراكز حقوق الإنسان لتوجيه الدولة ولمساعدتها في البحث عن حلول المشكلات المزمنة كالبطالة وإقامة التنمية المستدامة وتحسين أوضاع المواطن فهذا هو الأمر المشروع الذي يجب توجيه كل طاقات الشعب إليه.
ترى هل سمع أحد في العالم أن يحمل السجين حتى في «بلاد الواق واق» تلفونا نقالا ليتصل بالصحافة والفضائيات إلا في بلادنا وهناك من يصفق لهم ويساندهم... عجبي!
لماذا لا نطالب بإلغاء المحاكم والسجون مرة واحدة ونترك الناس على هواهم ونرى ماذا سيحدث بعد ذلك؟
العدد 346 - الأحد 17 أغسطس 2003م الموافق 18 جمادى الآخرة 1424هـ