العدد 346 - الأحد 17 أغسطس 2003م الموافق 18 جمادى الآخرة 1424هـ

لوكربي: حل أم صفقة؟

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

هل يكون لاحتفالات الفاتح من سبتمبر/ أيلول في ليبيا وقع خاص هذا العام؟ فهناك احتمال كبير أن يحتفل الليبيون هذا العام وقد ارتاحت بلادهم من العقوبات التي فرضتها عليهم الأمم المتحدة والولايات المتحدة. وعلى رغم أن دبلوماسيين غربيين يستبعدون أن يجري رفع العقوبات في القريب العاجل لكن مسار قضية لوكربي يتجه نحو الحل النهائي. إنها صفقة من دون مثيل. بعد مضي أكثر من 14 عاما على حادث انفجار عبوة ناسفة في طائرة تابعة للخطوط الجوية التي أفلست منذ سنوات (بان آم) في أجواء بلدة لوكربي الاسكتلندية وجعلت الواقعة الحزينة من لوكربي أشهر مكان في اسكتلندا، ومقتل 270 شخصا منهم 259 كانوا على متن الطائرة و11 شخصا قتلهم الركام الساقط من السماء. تقول الصفقة انه اتفق على أن تقوم ليبيا بدفع تعويضات إلى أقارب ضحايا الحادث قيمتها 2,7 مليار دولار يحصل على اثرها أقارب كل ضحية على عشرة ملايين دولار. وغالبية أقارب الضحايا هم من البريطانيين والأميركيين. وهذا أكبر مبلغ يجري تقديمه في صورة تعويضات وكل هذه الأموال مقابل أن يجري إغلاق ملف القضية. والأهم منه أن يجري رفع العقوبات المفروضة من قبل الأمم المتحدة والولايات المتحدة على ليبيا، ويقول أحد المراقبين بصريح العبارة: تريد ليبيا شراء حريتها. هل هناك صفقة؟

لابد من استعراض مسار القضية في المرحلة الحالية فقد عادت قضية لوكربي ربما للمرة الأخيرة لتحتل مكانها إلى جانب القضايا الدولية الملحة. وعلى رغم أنه جرى في السابق الحديث عن حل ثم واجهت المفاوضات التي دارت بين ممثلين عن الحكومات الليبية والبريطانية والأميركية فإن كل ما يدور حول القضية هذه المرة يوحي بقرب التوصل إلى حل نهائي. كل شيء بدأ بصدور تصريحات من قبل الزعيم الليبي معمر القذافي، أبدى فيها استعداد بلاده لتقديم تعويضات إلى أقارب الضحايا إذا كان هذا يسهم في إنهاء القضية. وينتظر الغرب، ولاسيما الولايات المتحدة وبريطانيا ان تعلن ليبيا رسميا مسئوليتهاعن حادث لوكربي قبل اللجوء إلى التفكير برفع العقوبات الأميركية بعد ان جمدت الأمم المتحدة العقوبات التي فرضتها على ليبيا في العام 1992 بعد أن سلمت طرابلس المتهمين الليبيين للمحاكمة في هولندا وأمام محكمة اسكتلندية ووفقا للقانون الاسكتلندي، بعد أن رفضت الولايات المتحدة وبريطانيا هذا ثم تنازلتا ورضيتا بمحاكمة المتهمين وفقا للقانون الاسكتلندي على أرض محايدة، إذ تم تبرئة ساحة أحدهما وأدين الآخر من دون حصول الرأي العام، وخصوصا أقارب الضحايا، على أدلة واضحة تؤكد مسئولية المتهم الليبي، كما كانت صحيفة الاتهام مليئة بالتناقضات والبيانات المغالطة التي جمعتها أجهزة الاستخبارات، والمهم أن هدف المحكمة كان إدانة الطرف الليبي. وهكذا تجاهلت المحكمة الاسكتلندية معلومات أخرى أشارت إلى احتمال أن تكون أطراف أخرى نفذت الاعتداء.

على سبيل المثال، في العام الماضي وبعد وفاة «أبونضال» في العراق، أعلن اثنان من المسئولين في منظمته أن «أبونضال» اعترف بأن منظمته هي التي نفذت الاعتداء على طائرة (بان آم). وتتفق هذه الاعترافات مع التقارير التي قالت إن السفارة الأميركية في العاصمة الفنلندية، هلسينكي، تلقت تحذيرا قبل أسبوعين من انفجار الطائرة، بأن جماعة «أبونضال» تخطط للقيام باعتداء على طائرة تابعة لخطوط (بان آم) الأميركية. اثر الكشف عن هذه المعلومات المهمة والمثيرة طالب أعضاء في مجلس العموم البريطاني وممثلون عن أقارب الضحايا فتح ملف التحقيق مجددا. غير أن هذه المطالب لم تحصل على آذان صاغية، وقالت الحكومتان الأميركية والبريطانية إنه تمت المحاكمة وأدين عضو في المخابرات الليبية ما كشف عدم وجود استعداد عند الحكومتين الأميركية والبريطانية لفتح ملف القضية من جديد. إن إدانة أحد مواطني ليبيا لا يعني أن ليبيا هي التي قامت بالاعتداء، فقد كان قرار الحكم الذي صدر عن المحكمة الاسكتلندية مثارا للجدل، لأن الحكم صدر من دون أن تقدم المحكمة أدلة ثابتة ضد المتهم، كما كانت صحيفة الاتهام ضعيفة يغلب عليها تناقض البيانات التي جمعتها أجهزة الاستخبارات الأميركية والبريطانية والإسرائيلية.

التحول في قضية لوكربي لم يكن ممكنا لولا الحوادث التي عصفت بالعالم في العامين الماضيين. هناك تصميم لدى القيادة الليبية منذ سنوات على ضرورة إخراج ليبيا من العزلة التي فرضها عليها الغرب وخصوصا الولايات المتحدة. وعلى الطرف الآخر، أي في الولايات المتحدة، يجري العمل منذ وقت في اتجاه مماثل. الأسباب وراء ذلك اقتصادية وسياسية. من العام 1992 بدأت أوضاع الليبيين تسوء بسبب العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة وعلى رغم الثراء الذي تتمتع به ليبيا بوصفها دولة منتجة لواحد من أفضل أنواع النفط في العالم، فإن العقوبات جعلت من ليبيا دولة بائسة.

وزاد الأمور سوءا، هجوم سبتمبر/ أيلول 2001، وقيام الولايات المتحدة بإعلان ما تسميه «الحرب المناهضة للإرهاب» واتخاذها قرار محاربة من تصفهم بالإرهابيين والدول التي تدعمهم. ليس غريبا أن الولايات المتحدة تتهم ليبيا منذ سنوات طويلة بدعم منظمات تصفها بأنها إرهابية. في هذا الوقت اختار الزعيم الليبي القرار السياسي المناسب: أدان هجوم سبتمبر ولم يعط لواشنطن فرصة كي تلوح له بعصابها، واستمر القذافي يعمل بسياسة حذرة. وأكدت الحرب على العراق والخطر الذي نشأ بعد توقف عملياتها العسكرية من أن تغزو الولايات المتحدة سورية، أن القذافي اتخذ القرار المناسب بقطعه الطريق على أية مواجهة مع واشنطن التي أصبحت سياستها الخارجية تعتمد على العصا وليس على الدبلوماسية.

وكان سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي، أوضح موقف ليبيا من الصفقة حين قال لوسائل إعلام فرنسية ان صفقة لوكربي ليست عادلة وتقوم على أساس الاعتراف مقابل الحصول على السلام المنشود مع الولايات المتحدة. وأضاف سيف الإسلام القذافي: سندفع على رغم أننا أبرياء. في نهاية المطاف فالخلاف قائم مع قوة عظمى وليس مع مالطا أو قبرص. على أية حال فإن حل القضية مسألة ملحة بالنسبة إلى ليبيا التي عانت كثيرا من سوء الصيت الذي ألصق بها ظلما وبهتانا وسيكون رفع العقوبات الأميركية خطوة مهمة أيضا وفرصة للشركات الأميركية التي تعرضت بدورها لخسائر كبيرة بسبب سياسة واشنطن تجاه ليبيا

العدد 346 - الأحد 17 أغسطس 2003م الموافق 18 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً