العدد 346 - الأحد 17 أغسطس 2003م الموافق 18 جمادى الآخرة 1424هـ

هزال التعاون العربي انعكاس لفشل النظام السياسي الإقليمي

سمير صبح comments [at] alwasatnews.com

.

إن اختيار «مؤسسة منتدى أصيلة» موضوعا دقيقا وشائكا لمعالجته «كالتعاون العربي - والمنظمات الاقليمية العربية»، لا يخلو من المسئولية والجرأة في آن معا، وخصوصا في هذا الظرف بالذات إذ يشهد الواقع العربي حالا من التراجع والانكفاء العام على المستويات كافة وفي غالبية المجالات.

فطرح مسألة التعاون في ظل فشل صريح للنظام الاقليمي العربي وانعكاس تداعياته حتما على المنظمات والمؤسسات المنبثقة عنه في طليعتها جامعة الدول العربية وروافدها، المغيبة عمليا على رغم الجهود التي يبذلها أمينها العام عمر موسى تجنبا للأسوأ، يعتبر من التحديات الأساسية المفروضة اليوم على القادة العرب، أصحاب القرار، في الدرجة الأولى، ومن ثم على الآخرين، كل في موقعه.

فالخلل القائم ليس نابعا من ميثاق جامعة الدول العربية أو حتى أدواتها المترهلة، كما أنه ليس وليد عملية تصويت أو لعبة الاجماع والغالبية كما يصور ذلك البعض، انما هو من نتاج أزمة النظام السياسي العربي، الذي هو في نهاية المطاف، مرآة لفشله وعجزه عن مواكبة روح العصر ومستجداته. ما يستدعي ردا وحيدا يتلخص بإعادة ترميم البيت واحياء فكرة التضامن العربي بصدق انطلاقا من ضرورة ارساء قواعد التعاون العربي - العربي بكل اشكاله.

على أية حال يمكن القول إن هذا التعاون كان على مر تاريخ الأمة الحديث، بدءا من مراحل الاستقلال والتحرر الوطني، في الخمسينات والستينات تحديدا، كأسنان المنشار، تارة يبشر بالآمال الكبار من خلال طرح مشروعات كإنشاء السوق العربية المشتركة أو خوض غمار تجارب وحدات سياسية أو فيدرالية. وتارات كان يفضي إلى احباطات نتيجة جنوح البعض إما إلى فرض نفسه قوة اقليمية عظمى، أو قطبا لا يجوز تجاوزه في الصغيرة قبل الكبيرة. ما نجم عن ذلك بروز حساسيات وصلت في بعض الاحيان إلى توترات وحتى مواجهات. والأمثلة على ذلك أكثر من ان تعد وتحصى.

إننا اليوم نتعامل ونتعاطى يوميا مع النتائج وليس مع الاساسيات، كون هذه الأخيرة لم تحسم منذ البداية بين الاطراف العربية المعنية، على قواعد صحيحة، صادقة وبراغماتية، تأخذ في الاعتبار المصالح القطرية، بعيدا عن المجاملات الشكلية والنفاق السياسي والتنازلات الظرفية والتحالفات الآنية. فلو كان تم ذلك فعلا، حتى ولو جزئيا، في مجالات متعددة بدءا بالسياسة، مرورا بالتنمية، وانتهاء بالاقتصاد، اعتقد جازما بأنه لما حصلت نكبة الشعب الفلسطيني العام 1948، ولا حرب يونيو/ حزيران 1967، ولا تجرأ الرئيس المصري أنور السادات على توقيع سلام منفرد مع الدولة العبرية، ولا كانت من نتائجه المباشرة قيام جيش الدفاع الاسرائيلي باجتياح بيروت، أول عاصمة عربية في صيف 1982، ولا كان أيضا احتلال إيران للجزر الاماراتية الثلاث، ولا تجرأ النظام العراقي السابق في أغسطس/آب 1990 على غزو الكويت، ولا كان الاحتلال الاميركي البريطاني للعراق هذه السنة. والمخفي اعظم، كما لم يكن هنالك كذلك وجود لمشروعات دويلات ميكروسكوبية على غرار ما تحاول القوى الكبرى خلقها في منطقة المغرب العربي من خلال المشكلة المفتعلة المسماة بالصحراء الغربية، أو في منطقة الشرق الأوسط، بحيث تبقى النزاعات حولها بمثابة قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت، ناهيك عن حالات النزف المستمر لمنعها.

إن هذه المحطات الرئيسية لا تشكل وحدها أمثلة صارخة على الخلل القائم في التعاون العربي - العربي، على رغم خطورتها وهول نتائجها، ليس على الأنظمة فحسب، بل على المجتمعات العربية. فالذي شاهد منذ أيام على شاشات التلفزيونات، الطريقة المخجلة والمعيبة التي تصرف بها مهاجمو السفارة الأردنية ببغداد - أيا تكن المبررات - فور انفجار السيارة المفخخة، يستدعي من الجميع بجدية وتأمل مراجعة الأسباب التي أعتقد أن من أبرزها فشل هذا التعاون العربي - العربي، سواء لناحية معاناة هذا الشعب طوال فترة الحصار الذي فرض عليه ظلما بجريرة أخطاء نظامه، أم لناحية تردده اليوم في القيام بخطوات ملموسة - عدا التباهي والاعلام في الصحف عن ارسال الصدقات من أغذية وأدوية وبعض الكتب المدرسية - لاسترداد هذا القطر العزيز وشعبه وانتزاعه من براثن الانعزال وربطه مجددا بأمته العربية قبل فوات الأوان.

إن صورة التعاون العربي - العربي ليست مع الأسف مشرقة، ولو بحدودها الدنيا. فما نراه من جهود وتردد وانقسامات حادة داخل النظام الاقليمي العربي «المستقيل» وخروج البعض عن الصف ووحدته، والتملص من الالتزام بالقرارات السياسية والاقتصادية المتخذة على صعيد القمم العربية التي نذرت في السنوات الأخيرة - آخرها قمة بيروت والمبادرة العربية الموحدة للسلام - يدفع بنا مجددا إلى التساؤل عما إذا كان هنالك حقيقة شيء اسمه تعاون عربي - عربي، ففيما عدا «التعاون الأمني» الذي شكل وحده «تجربة رائدة» في «التعاون العربي المشترك»، ليست هنالك ظاهرة مشجعة نسبيا، وعلى ثغراتها، سوى تجربة «مجلس التعاون الخليجي»، التي لاتزال دون طموحات شعوب دوله الست، علما بأن أنظمتها السياسية متشابهة إلى حد كبير، وطبيعة اقتصاداتها الريعية واحدة تقريبا، وموقعها الجغرافي متواصل بغض النظر عن التفاوت في مستويات دخول أفرادها والقوة الشرائية الموجودة.

فتقرير التنمية الاقتصادية الذي أصدرته العام الماضي إحدى الهيئات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، يجب أن يكون بمثابة ناقوس للخطر بالنسبة إلى جميع الدول العربية، وحافزا لقادتها لاعادة النظر في ضعف البيانات التكاملية ومعالجة العجز المخيف. إذ يكفي أن ينظر هؤلاء الى معدلات البطالة الزاحفة بما في ذلك لدى الدول العربية الأغنى، ومعرفة أن مجموع ناتج الدخل القومي لـ 22 دولة عربية فيها نحو من 300 مليون نسمة يبقى أقل من ناتج اسبانيا وحدها التي فيها 40 مليون إنسان ولحقت بركب أوروبا متأخرة. فبدلا من أن يحظى هذا التقرير باهتمام المسئولين، انبرى البعض للتشكيك في صدقية هذا العمل، الى حد اعتباره من المبالغات المتعمدة للاساءة للعالم العربي وانجازاته في مجال التنمية الانسانية. ويشار هنا إلى أنه للمرة الأولى يصدر عن هذه المؤسسة العالمية تقرير من هذا النوع، شارك في إعداده فريق من الباحثين العرب قدموا بدقة وشفافية مطلقة تحليلا شاملا مدعما بالأرقام والأسئلة الميدانية الحية عن هذا الوضع. وذهبوا أبعد من ذلك في مقارباتهم ليظهروا هزال وضعف التجارة البيئية العربية، إحدى قواعد التعاون العربي - العربي، مشيرين، على سبيل المثال لا الحصر، إلى أن الارتفاع التدريجي لنسبة هذه التجارة بين البلدان العربية لا تبلغ إلا 8,5 في المئة من إجمالي التجارة العربية الخارجية، علما بأن الصادرات السلعية تصل إلى 2433 بليون دولار، في حين لا تتعدى الواردات ما مقداره 1525 بليون دولار.

بعيدا عن التفاصيل والجوانب الأخرى للتقرير، لأنه مخيف وتشاؤمي، يُطرح سؤال بسيط: «كيف يمكن لهذا التعاون المنشود أن ينشأ ويستمر ويتطور، إذا كان على المواطن العربي، رأس المال البشري في أي قطر من الاقطار، أن ينتظر شهرا أو أكثر قبل الحصول على تأشيرة سياحية لدخول قطر جار أو حتى بعيد في حين أن الجميع عضو في جامعة الدول العربية، ناهيك عن الاستفسارات المزعجة والعوائق المفروضة والشروط التعجيزية الموضوعة في حال طلب إقامة أو اجازة عمل، علما بأن الدول العربية الغنية بحاجة ماسة ودائمة ليس إلى يد عاملة غير متخصصة، بل إلى كوادر لتسيير مؤسساتها العامة والخاصة، على رغم حملاتها لتوطين عمالة بلدانها. من هنا، يمكن الاستنتاج، أنه لو كانت هنالك قناعة لدى اصحاب الحل والربط بهذا العمل العربي المشترك، لكانت منظمة العمل العربية قد تمكنت من تنفيذ القرارات المتخذة بهذا الشأن والباقية حبرا على ورق كغيرها من القرارات.

مع ذلك، من الموضوعي القول، ان هذا الوضع على مأسويته يجب ألا يسحب نفسه بالمطلق. فتجربة «مجلس التعاون الخليجي» يجب أن تؤخذ في الاعتبار بحسناتها وثغراتها كونها أرست قواعد عامة للتعاون في مختلف المجالات، حتى لو لم تحقق الاهداف المرجوة منها كاملة، وأثبت المجلس في محطات أساسية قدرته على التعاون، ونجحت الآليات وقنوات التشاور وتنسيق السياسات والتحركات اقليميا ودوليا، نسبيا، في تحقيق الأهداف المرسومة، وتنفيذ أجزاء من القرارات المتخذة ولو بشيء من التأخير في استحقاقاتها. ومن ضمن النجاحات التي تحققت، تطبيق بنود الاتفاق الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الذي تم توقيعه خلال انعقاد الدورة الـ 22 للمجلس الأعلى في مسقط في سلطنة عمان. وأرسى هذ الاتفاق قواعد العلاقات الاقتصادية بين الدول الاعضاء، وأنشئت بموجبه منطقة التجارة الحرة لدول المجلس، والشروع ابتداء من العام الجاري في اعتماد التعريفة الجمركية إلى ما هنالك من أشكال التعاون في مجالات التنمية والزراعة والتعليم والصحة والتقنيات والصناعة.

اضافة إلى ذلك ومن النواحي الايجابية التي يجب ان تسجل لحساب مجلس التعاون، إدارته للتفاوض صفا واحدا مع الاتحاد الأوروبي - ما يجب أن تفعله الدولة المغاربية الموقعة اتفاقات شراكة مع هذه المجموعة - دفاعا عن المصالح المشتركة. على رغم ذلك يبقى الخلل واضحا في مجال السياسة الخارجية، حتى ولو جاء ذلك على حساب التعاون داخل مجلس التعاون.

الخلاصة هي أن التعاون العربي - العربي ليس مستحيلا، لكنه غير قابل للتحقيق إذا لم يعاد النظر في النظام الاقليمي العربي الذي فقد منذ فترة مبرر وجوده. فالبداية يمكن أن تكون مع لم الشمل واحياء فكرة التضامن وتناسي الأحقاد والتفكير في مستقبل الأجيال، لأنه مع احتلال العراق لن يكون هنالك نظام بمنأى عن شيء، بدءا بالضغوط والابتزازات وانتهاء ربما بالاستعمار الجديد باسم ما يسمى بنقص الحريات وقلة الديمقراطية في العالم العربي

العدد 346 - الأحد 17 أغسطس 2003م الموافق 18 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً