كثيرة هي القضايا التي تتسلمها الصحيفة يوميا، البعض منها معقد وحلّه صعب جدا، والبعض الآخر حلّه أسهل من السهل ولكنه سهل ممتنع. فمن القضايا الشائكة والغريبة في الوقت نفسه قضية الحاج عبدالعزيز بن ناصر، إذ إني ما تألمت للقضايا الشائكة والمتراكمة عندي كما تألمت لقضيته، لأنه مكسور الجناح... وإليك عزيزي القارئ قصة الشباك التي وقع في مصيدتها الحاج عبدالعزيز، كما حاولت فهمها منه.
الحاج عبدالعزيز رجل أمِّي يعمل فلاحا ويبلغ من العمر قرابة 70 سنة ويسكن قرية «القرَّية» الواقعة على شارع الجنبية، متزوج من ابنة خال أبيه التي تبلغ الآن من العمر 64 عاما، وبما انه لم يرزق بأولاد فإنه ظل مرتبطا بزوجته منذ أن اقترن بها، لا يُوطئ قدمه الأرض أو يرفعها إلا بمعيتها، وهكذا ظلا متلازمين في جميع أحوالهما وهما سعيدان وراضيان غاية الرضا بما قسم الله لهما. إلا أن سعادة هذين العجوزين صارت تؤرق البعض وأثارت غيرتهم وحسدهم، إلى أن وصلت الغيرة من هذين المسكينين إلى دائرة الهجرة والجوازات حين طلبت من الحاج عبدالعزيز «استبعاد» زوجته من جوازه الذي كانت مرفقة به منذ أول إصدار له وحتى العام 1998.
شخصيا، لا أعلم ما إذا كان الحاج عبدالعزيز لم يتكيّف مع القانون الذي يقضي بأن يكون لكل فرد جواز خاص به، أم ان القانون لم يتكيّف مع الحاج عبدالعزيز، إذ إنه لما عزم على السفر ـ كعادته سنويا ـ ذهب لتجديد جوازه بعد أن اشترى تذاكر السفر، ورجع إلى مزرعته فرحا بما أنجز في صباح يوم واحد من شراء تذاكر واستخراج الجواز والرجوع مبكرا إلى البيت من دون تعطيل في الشارع لأنه يفضل ركوب سيارة الأجرة على الوقوف طويلا دونما فائدة، ولو كان ذلك مكلفا بالنسبة إليه.
وفي الحقيقة، كان الجواز الذي تسلمه الحاج عبدالعزيز يبعث على السخرية، فقد حصل على جواز يؤكد انتماءه إلى وطنه باعتباره «بحرينيا»، وفي الوقت نفسه يلغي انتماء زوجته (ابنة خال أبيه) باعتبارها «بدون»! هذا ما عرفه الحاج عبدالعزيز من بعض الجالسين معه في مزرعته، فكرَّ مسرعا إلى دائرة الجوازات يستفسر عن الأمر، فأخبروه بأن الموضوع ليس فيه جديد، فقد كانت امرأته «بدون» في الجواز السابق والسبب في ذلك أنه لم يستخرج لها جوازا بمفردها. فخرج الحاج عبدالعزيز وكلّه أمل في أن يثبت لهم العكس بأن أحضر جواز عمه الذي هو أبو زوجته وجوازات إخوتها وجميعهم بحرينيون، ولكن كل ذلك لم يشفع له. إذ طُلب منه الذهاب إلى المحكمة لإثبات جنسية زوجته، وبناء على رغبة المحكمة أحضر شاهدين ليشهدا بأن زوجته بحرينية «أبا عن جد»، وخرج من المحكمة وفي يده حكم بعدم الممانعة من إعطاء زوجته الجواز البحريني.
عفوية الحاج عبدالعزيز لم تكن في صالحه، فقد خرج من المحكمة وتوجّه رأسا إلى دائرة الجوازات، وتحديدا إلى الموظف الذي كان يرجعه في كل مرة، وأعطاه ورقة الحكم الأصلية من دون أن يخطر بباله أن الطريق مازال طويلا، فقد وعده الموظف خيرا بشرط أن يأتي بعد 5 أيام ليتسلّم الجواز، فخرج متوجها إلى مكتب السفريات لتجديد تذكرتي السفر ودفع ضريبة تأجيل الموعد، وعلى رغم ذلك كان مسرورا لأنه ـ في اعتقاده ـ حصل على نتيجة، وبعد مضي المدة المذكورة ذهب فأخبره الموظف نفسه بأن عليه الحضور صباح اليوم التالي تلافيا للانتظار الطويل، فشكره الحاج عبدالعزيز على نصيحته. وحينما أصبح صباح اليوم التالي كان أول من دخل من المراجعين هو الحاج عبدالعزيز، وجاء جميع موظفي القسم ماعدا الموظف الذي ينتظره ابن السبعين عاما وقوفا على رجليه، فسأله أحد الموظفين عن سبب انتظاره فأخبره بلهفة أنه ينتظر تسلّم جواز زوجته من الموظف، الذي اتضح أنه في المطار مع عائلته يقضي إجازة خاصة ابتداء من ذلك اليوم، وجميع الأوراق الثبوتية الخاصة بالحاج عبدالعزيز بما فيها حكم المحكمة في درج ذلك الموظف.
والغريب أن هذا الشيخ المسكين يمتلك أمل الشباب، إذ إنه لم ييأس قط واستنجد بـ «الوسط» التي نشرت له موضوعا كاملا بتاريخ 26 يوليو/ تموز الماضي ولم يجد آذانا صاغية، وظل الحاج عبدالعزيز يتصل بصورة شبه يومية حتى قمت بالاتصال بمكتب العلاقات العامة في الإدارة المذكورة وأخبرتهم بالموضوع فطلبوا حضوره شخصيا، وأخبرته بذلك إذ كان الأمل يراوده بأن يحظى بتسهيل إجراءاته ليتمكن من السفر مع زوجته التي لا تعلم عن الموضوع شيئا سوى أن السفر تأخر هذه السنة على غير العادة. واصطحب الحاج عبدالعزيز صورا من جوازات أهل زوجته ونسخة من الشكوى التي نشرت في «الوسط»، وبعد يومين اتصل مجددا يسألني: هل من أمل في الحصول على جواز لزوجتي؟ في إشارة إلى أنه لم يستفد من الزيارة الأخيرة لمكتب العلاقات العامة.
في الواقع، اعتقدت أن قسم العلاقات العامة بالجوازات سيتوصل إلى حل مرضٍ مع هذا المسن، الذي يوصي ديننا الحنيف بمراعاة أمثاله وخصوصا أنه وحيد ومساعدته مطلب إنساني فضلا عن الأجر والثواب الإلهي، ولما أخبرني بعدم التوصل إلى حل قلت له: لك الله يا حاج عبدالعزيز، فقال بنبرة حزينة: هل ان غيري أولى بالجواز البحريني من زوجتي؟!
ومع أنني فقدت الأمل نهائيا حتى في الحصول على رد رسمي، فإن الحاج عبدالعزيز مستعد للسفر فور حصول زوجته على حقها «الطبيعي» وهو الجواز البحريني، ولم يفقد الأمل
العدد 345 - السبت 16 أغسطس 2003م الموافق 17 جمادى الآخرة 1424هـ