اعترافات مثيرة صدرت في وقت واحد عن مؤسستين إعلاميتين كبيرتين في ألمانيا. فقد ذكرت مجلة «شتيرن» ومحطة التلفزة الرسمية الأولى ARD في وقت واحد أن الاستخبارات الأميركية حصلت قبل عامين ونصف العام على وقوع هجوم 11 من سبتمبر/ أيلول العام 2001 على معلومات عن الطيارين الثلاثة ولكنها لم تتخذ أية تدابير لاعتراضهم ومنعهم من تنفيذ الهجوم. وقالت مجلة «شتيرن» ومحطة التلفزة الأولى إنهما على بينة أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (السي آي إيه) كانت على علم مسبق بالهجوم على أساس المعلومات المفصلة عن الطيارين الثلاثة التي قدمها لهم مكتب حماية الدستور الألماني «البوليس السري» وعلاقة الطيارين الثلاثة بمنظمة «القاعدة». وامتنعت متحدثة باسم مكتب حماية الدستور في مدينة كولون التعليق على المعلومات التي سربتها الصحافة الألمانية وأحدثت ضجة كبيرة. وعرضت محطة التلفزة الألمانية شريطا وثائقيا عن خلفيات هجوم 11 سبتمبر مدته 45 دقيقة تحت عنوان «الخطأ القاتل» يوضح كيف تجاهلت الاستخبارات - ربما عمدا - قطع الطريق على منفذي العملية. وقام فريق الإنتاج بزيارة ثلاث قارات بحثا عن معلومات للفيلم الوثائقي، في ماليزيا والفلبين والولايات المتحدة واستمرت البحوث عاما كاملا كما استغرقت مدة عمل الشريط نصف عام حتى اكتمل الشريط الذي يكشف فشل الاستخبارات في منع وقوع الهجوم الذي أسفر عن مقتل 3066 شخصا وتسبب في حرب أفغانستان والعراق. وأشارت المعلومات إلى أنه كان بوسع الاستخبارات الألمانية أيضا منع وقوع الهجوم حين حصلت أجهزة الاستخبارات في ألمانيا والولايات المتحدة على تفاصيل عن الهجوم المحتمل لكنها لم تسع إلى منع وقوع الهجوم. وللمرة الأولى عرض الطيارون الثلاثة في الشريط خلال مشاركتهم في حفل زواج أحد أصدقائهم يرددون شعارات تدعو إلى حرب الجهاد، كما يتهم مسئول سياسي كبير في الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه الرئيس جورج بوش، مدير السي آي إيه جورج تينيت بالفشل في منع وقوع الهجوم، كما يوجه عضو سابق في مجلس الأمن القومي بواشنطن تهمة التقصير إلى أجهزة الاستخبارات الألمانية.
وسألت مجلة «شتيرن» قبل حلول الذكرى الثانية لهجوم سبتمبر عن سبب فشل الاستخبارات الأميركية وجهاز السي آي إيه خصوصا في منع وقوع الكارثة. وقام فريق الصحافيين بمراجعة 40 ألف صفحة تتعلق بخلفيات الهجوم وجزء كبير منها توصف بأنها وثائق سرية للغاية كما قام الفريق باستجواب مقربين من الذين نفذوا الهجوم ومجموعة كبيرة من الموظفين الحاليين والسابقين في أجهزة الاستخبارات في كثير من الدول، ولاسيما في الولايات المتحدة وألمانيا واطلعوا على نتائج التحقيقات التي أجرتها دوائر الشرطة في كثير من الدول، وكذلك التقرير الذي صدر في واشنطن عن مجلس الشيوخ الأميركي قبل فترة وجيزة عرض فشل الاستخبارات ودوائر الأمن في منع وقوع الهجوم وأوحى أنه كان بالوسع منع حدوثه. وزاد الكشف عن تقرير مجلس الشيوخ الذي يقع في 800 صفحة من مشكلات الرئيس الأميركي وتسبب في هبوط ملحوظ في شعبيته وظهور أسئلة تحتاج إلى إجابات.
ويلوم التقرير التلفزيوني وتقرير مجلة «شتيرن» أجهزة الاستخبارات الألمانية لأنها لم تأخذ على محمل الجد المعلومات التي قامت بجمعها عن الأصوليين الذين راقبتهم فترة من الوقت. وقالت مجلة «شتيرن»: يبدو أن الحكومة الألمانية لم تأخذ الأصوليين وأهدافهم على محمل الجد ولم تر أنه بوسعهم القيام بعمل إرهابي كبير. لكن هذه نصف الحقيقة. فالحقيقة كما تظهر من خلال معلومات محطة ARD و«شتيرن» تكشف أن البوليس السري الألماني كان على علم بصورة مفصلة عن نشاطات خلية هامبورغ التي كان يتزعمها محمد عطا الذي يقول الأميركيون إنه قاد الطائرة الأولى التي ضربت مركز التجارة العالمي. وأكد التقرير أن البوليس السري الألماني قدم المعلومات والاستنتاجات التي جمعها عن خلية هامبورغ إلى السي آي إيه.
وجاء في التقرير أن مكتب حماية الدستور الألماني قام بمراقبة مروان الشيحي الذي يعتقد أنه قاد الطائرة الثانية التي ضربت مركز التجارة العالمي وهو من دولة الإمارات العربية المتحدة. وقال موظف تابع للجهاز الألماني إنه تم إخطار السي آي إيه بتفاصيل عن الشيحي بدءا باسمه وجنسيته ورقم الهاتف الخليوي الخاص به وأنه درس في ألمانيا وأقام صلات وثيقة مع محمد الزمار وهو سوري يحمل الجنسية الألمانية وكانت دوائر الأمن الألمانية على علم بدوره في تشجيع الشبان العرب على السفر إلى أفغانستان والتدرب في قواعد تابعة لمنظمة «القاعدة». وأكد هذا المصدر الأمني الألماني أن الاستخبارات الأميركية كانت على علم بنشاطات محمد الزمار المعتقل حاليا في سورية وذلك منذ العام 1993 وتعرف بما لا يدعو إلى الشك أن الزمار أحد أهم رموز«القاعدة» في ألمانيا. غير أن «السي آي إيه» لم ترسل المعلومات التي حصلت عليها من ألمانيا إلى الشرطة الفيدرالية الأميركية (FBI) وهو الخطأ الذي ساعد مروان الشيحي على السفر بسهولة إلى فلوريدا للتدرب على قيادة الطائرات والحصول على شهادة طيار.
وكان مكتب حماية الدستور الألماني حصل على معلومات وافية عن محمد الزمار من خلال مراقبة هاتفه وتتبع تحركاته وقام عملاء الجهاز الألماني بالتعرف على مروان الشيحي حين حصل أول اتصال هاتفي بينه وبين الزمار في يناير/ كانون الثاني العام 1999. وبعد شهرين بعث مكتب حماية الدستور تقريرا عن الشيحي إلى السي آي إيه. وأكد موظف في مكتب حماية الدستور أن السي آي إيه لم ترد على المعلومات التي وصلت إليها من ألمانيا ولم تطلب معلومات جديدة ولا استفسارات. هل عملاء السي آي إيه كانوا متقاعسين كليا عن فك الرموز وربط خيوط المعلومات التي بعثت بها دوائر الأمن الألمانية أم أن القضية أكبر من ذلك بكثير... أي مؤامرة من تدبير الولايات المتحدة كما يعتقد كل خامس مواطن في ألمانيا وفقا لعملية استطلاع للرأي أو أن إدارة الرئيس بوش أرادت الانتفاع منها ربما لهدف غزو أفغانستان ثم العراق؟
العدد 345 - السبت 16 أغسطس 2003م الموافق 17 جمادى الآخرة 1424هـ