العدد 345 - السبت 16 أغسطس 2003م الموافق 17 جمادى الآخرة 1424هـ

الانتفاضات العراقية الثلاث

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في أسبوع واحد حصل ما يشبه الانتفاضات المدنية في ثلاث مدن عراقية: الأولى في البصرة (الجنوب)، والثانية في الموصل (الشمال)، والثالثة في مدينة الصدر (صدام سابقا) في الوسط (بغداد). الانتفاضات الثلاث حصلت لأسباب مختلفة إلا أنها في مجموعها العام تؤشر إلى وجود نوع من «الوحدة العراقية» ضد الاحتلال الأميركي. فالمدن الثلاث تعتبر الرمز التاريخي - السياسي لوحدة دولة العراق وهي تقع جغرافيا على خطٍّ نهري واحد (نهر دجلة) الأمر الذي يؤكد مجددا استحالة تفكيك العراق إلى دويلات (مناطق) تفصل ما بين الجنوب والشمال والوسط. فالعراق جغرافيا يعني وحدة الموصل وبغداد والبصرة. والعراق سياسيا يعني أن دولته لا تستقيم وتنهض من دون المدن الثلاث... وأية محاولة لخلع مدينة من الثلاث تعني ألا عودة لدولة واحدة موحدة لأن من شروط الوحدة السياسية ضمانة النسيج الاجتماعي - الحضاري لدولة تاريخية لعبت أدوارا متعددة في صنع الكثير مما نعرفه من حياتنا الإنسانية والمعاصرة.

الانتفاضات الثلاث التي حدثت الأسبوع الماضي أعادت تأكيد وحدة المشاعر وكذلك الإحساس المشترك بوحدة المصير والأهداف. والانتفاضات الثلاث أسقطت الكلام الذي حاول سابقا تأطير المواجهات المدنية والعسكرية ضد الاحتلال ووضعها في «شرانق» طائفية ومذهبية. فالكلام الحاقد والكريه أخذ الآن يجف أمام سيل العمليات ضد القوات الأميركية وغيرها من أدوات الاحتلال.

حتى الكلام الأميركي عن فلول نظام صدام وشبكة القاعدة لم يعد له مكان أمام اتساع مساحة المقاومة وتعدد أشكالها وتنوع وسائلها من عسكرية إلى مدنية وأخيرا اندلاع مواجهات شعبية. فالكلام عن «صدامية» المقاومة و«طائفيتها» سربته جهات أميركية لتخويف الشعب العراقي بقصد إرباك المقاومة ومنع الناس من التضامن معها خوفا من عودة فزاعة النظام الاستبدادي السابق. فالكلام كان المقصود به إضعاف المقاومة باللعب على الذاكرة الأهلية وجعل قطاعات واسعة من الشعب تميل نحو الانتظار أو التردد الأمر الذي يعطي فرصة لقوات الاحتلال في عزل المقاومة في جيوب يسهل عليها تطويقها والقضاء عليها من دون خسائر تذكر.

فالهدف من ترداد الأجهزة الأميركية جملة من الأقاويل منها: «إن مقاومة الاحتلال تعني عودة صدام إلى السلطة» قُصد منها تعطيل إمكانات نمو المقاومة وتواصلها وامتدادها إلى الأحياء الشعبية في مختلف المدن والقرى والمناطق على تعددها وأنواعها.

الكلام الأميركي في البداية أعطى مفعوله ونجح فعلا في إرباك المقاومة وقطع عليها طريق الصعود السريع في العمليات العسكرية، كذلك أدى الكلام إلى إحداث نوع من الخلل وجعل بعض القطاعات الشعبية المتضررة من الاحتلال يحجم عن دخول المواجهات أو تقديم الدعم الميداني و(المعنوي) إلى المجموعات التي تنفذ عمليات.

الآن وبعد مرور أكثر من مئة يوم على الاحتلال وانكشاف الأهداف الحقيقية للحرب على العراق مضافا إليها انعدام الأمن (سرقات ونهب وحرق) وانعدام الرقابة الصحية (أدوية فاسدة) وانعدام الرقابة على التجارة (استيراد مواد غذائية فاسدة) والتلاعب ببرامج التربية والتعليم، والتدخل في الشئون الخاصة للحوزات والمراجع الدينية... بدأت المقاومة تأخذ سلسلة من الأشكال المدنية للمواجهة.

إلا أن المواجهات المدنية التي تقع في الأحياء الشعبية في المدن الرئيسية لاتزال حتى الآن عفوية وتحصل في غالبية الأحيان لأسباب خدمية أو تجاوزات مباشرة (انتهاكات وإهانات) وليست لعوامل لها صلة بالمبدأ العام وهو المقاومة من أجل الاستقلال بعد أن نال العراق حريته بسقوط نظامه المستبد.

وهذا الأمر كما يبدو يتطلب المزيد من الوقت حتى تتصل السياسة بالخدمات والحرية بالمصالح والاستقلال بوحدة المصير والأهداف... إلا أن عامل الوقت بحاجة إلى قوة تغذيه وتعطيه الزخم اليومي وهذا يتم من خلال ثبات المقاومة وتواصلها وانتشارها. وبقدر ما تصمد بقدر ما تتجه القطاعات الشعبية إلى الالتفاف حولها ومدّها بالعون والحماية. هذا ما حصل في فيتنام مثلا إذ أخذت المقاومة مجالها الحيوي بعد صمود امتد عشر سنوات انتهى إلى إخراج القوات الأميركية من سايغون هاربة خائفة.

والانتفاضات الثلاث في المدن الثلاث كشفت عن وجوده قوة عراقية مستقلة لا صلة لها بكل ما أشاعته الأجهزة الأميركية من كلام القصد منه التفرقة الطائفية تمهيدا لتمزيق البلاد إلى دويلات صغيرة ومنعزلة. هذا لم يحصل في لبنان مثلا ولن يحصل في العراق أيضا

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 345 - السبت 16 أغسطس 2003م الموافق 17 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً