العدد 344 - الجمعة 15 أغسطس 2003م الموافق 16 جمادى الآخرة 1424هـ

خشية أوروبية من انسحاب أميركي من العراق

عصام فاهم العامري comments [at] alwasatnews.com

.

بعد سقوط نظام صدام حسين بتلك الطريقة السريعة والمفاجئة، بادر الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى الطلب من نظيريه المستشار الالماني والرئيس الروسي في الاجتماع الذي عقد في سان بطرسبرغ في منتصف ابريل/نيسان البدء في تفكيك جبهة التشنج التي سادت العلاقات الأوروبية الأميركية، وخصوصا بين الدول الثلاث وأميركا على خلفية الحرب على العراق التي لم تحظ بتأييد وموافقة الأمم المتحدة بسبب الدور المناهض لهذه الحرب من الدول الثلاث.

وكان الرئيس شيراك قد بادر في يوم 15 ابريل إلى الاتصال بالرئيس بوش هاتفيا وللمرة الأولى منذ شهرين. ووصف الأميركيون المكالمة بانها ايجابية. بل ان وفدا دبلوماسيا فرنسيا هبط بطائرة خاصة في طهران، وعقد اجتماعا مع رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق محمدباقر الحكيم، وكان الأخير قاطع مؤتمرا للمعارضة العراقية السابقة عقد في الناصرية تحت اشراف القوات الأميركية، وطلب الوفد الفرنسي من الحكيم ان يوعز إلى انصاره في بغداد والنجف وكربلاء والبصرة بأن يمارسوا نوعا من المهادنة المعتدلة للأميركيين.

هذا الفصل الأول - بحسب دبلوماسيين غربيين في بغداد تحدثت إليهم «الوسط» - استُكمل بدور مضاد من قبل الدول الثلاث فرنسا وروسيا وألمانيا لاية مشاركة بقوات عسكرية في العراق إلا من خلال عودة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة واعطائها مساحة اوسع في المرحلة الانتقالية التي يمر بها العراق. كما لعبت مساعي هذه الدول الدبلوماسية دورا في اقناع الكثير من الدول الأخرى بعدم الوقوع تحت ضغوط الولايات المتحدة وإرسال قوات إلى العراق لأنه يصبح كدور الخادمة التي تزيل قاذورات سيدها. وبعد أن وجد الأميركيون انفسهم في مستنقع العراق لوحدهم نتيجة المقاومة المسلحة، وتصاعدت ردود فعل الرأي العام الأميركي بما أدى إلى حال هبوط شعبية بشكل حاد مع تزايد اعداد القتلى للجنود الأميركيين، وعدم بروز مؤشرات نجاح أميركي على النحو الذي كانت تعد به الوعود الأميركية السابقة، وعدم العثور على أسلحة الدمار العراقية المزعومة وتداعياتها على صدقية الحكومة البريطانية والإدارة الأميركية على حد سواء، وجدت واشنطن نفسها مضطرة إلى تقديم تنازلات بقبول صدور قرار جديد عن مجلس الأمن يحدد بوضوح الدور الأميركي ودور الأمم المتحدة في العراق خلال المرحلة المقبلة.

وكشفت مصادر دبلوماسية وغير دبلوماسية في بغداد ان واشنطن أبدت استعدادا لتقاسم الاعباء والمسئوليات العسكرية والامنية في العراق مع دول أخرى بما فيها تلك التي عارضت الحرب، ولكنها في المقابل ترفض صدور أي قرار جديد يضع العراق تحت وصاية الأمم المتحدة أو يؤدي إلى تقليص دور الولايات المتحدة ونفوذها وسلطاتها في العراق، ويعطي المنظمة الدولية الدور الرئيسي في الاشراف على الأوضاع وإدارة شئون هذا البلد. ولكنها في الوقت ذاته تؤيد صدور قرار جديد عن مجلس الأمن يجدد اعطاء شرعية دولية للسلطة المحتلة الأميركية البريطانية، ويمنح قوات هذه السلطة تفويضا دوليا لمتابعة عملياتها العسكرية والأمنية في العراق، ويعطي في الوقت نفسه دورا أكبر للأمم المتحدة في إدارة شئون هذا البلد ضمن إطار التنسيق والتعاون بين الحاكم الأميركي ومبعوث المنظمة الدولية. على ان يتضمن قرار مجلس الأمن الجديد، على هذا الاساس دعوة رسمية إلى دول العالم للمساهمة في تشكيل قوة حفظ سلام دولية تعمل في العراق إلى جانب القوة الأميركية البريطانية، بشرط ان تعمل قوة حفظ السلام الدولية تحت قيادة الحلف الاطلسي (الناتو) وبالتالي تحت قيادة الولايات المتحدة وبريطانيا، بتفويض من مجلس الأمن.

المصادر الدبلوماسية الأوروبية قالت إن روسيا وفرنسا وألمانيا التي تجري مشاورات مع الجانب الأميركي تريد تحويل المسئولية الكاملة عن العراق إلى مجلس الأمن مع دور خاص للولايات المتحدة يتفق عليه، وفي هذه الحال تصبح القوات الاجنبية في العراق قوات دولية مقيدة بتفويض محدد من حيث المضمون والتوقيت. وعلى ان يتم ذلك في سياق اتفاق على مبادئ عامة يتفق أعضاء مجلس الأمن والدول التي تشارك بقوات عليها. وهذه المبادئ هي: ضمان وحدة اراضي العراق، ومشاركة القوى المحلية العراقية في كل خطة تتخذ خلال الفترة الانتقالية، واقامة نظام فيدرالي في العراق، واتخاذ كل الضمانات لكي يكون النظام السياسي الجديد ممثلا لجميع التيارات والقوى ولا يستبعد احدا (البعثيين مثلا)، وان يكون خاضعا لمبدأ المسئولية السياسية، وأخيرا نزع سلاح العراق على الطريقة اليابانية ومحاكمة مجرمي الحرب من النظام السابق ومن يستجد من مجرمي ما بعد الغزو.

وبالمقابل يقوم أعضاء مجلس الأمن بتأييد الحكومة الانتقالية والعراق ومساعدتها على الاندماج في الأسرة الدولية كما تتولى الدول الأوروبية نقل خبرتها في اقامة المؤسسات السياسية وتشغيلها، والمساهمة في إصلاح النظام القضائي والبوليسي في العراق، وتدريب الكوادر من محامين وقضاة وضباط شرطة وجيش، ثم توفير العون المالي والفني والمساندة السياسية للمنظمات غير الحكومية العراقية، وتوفير قنوات لدمج المجتمع العراقي - وليس الحكومة وحدها - في الأسرة الدولية عن طريق برامج لتدريب الطلاب والمدرسين والصحافيين والضباط والمهنيين سواء داخل العراق أو خارجه مع توسيع نطاق تعليم اللغة الانجليزية لتشجيع العراقيين العاديين على الاتصال مع العالم الخارجي بعد عقود طويلة من العزلة. ويكون كل ذلك مرتبطا بإعادة جدولة ديون العراق أو الغائها ومساعدة الحكومة العراقية في مكافحة الإرهاب وتجارة المخدرات والنزوح الجماعي داخليا وخارجيا وتشجيع تدفق الاستثمارات الاجنبية ثم وضع آلية دولية بالتعاون مع منظمة أوبك والولايات المتحدة لضمان عدم انخفاض أسعار النفط بصورة تؤدي إلى تدمير فرص إعادة اعمار العراق.

وتعلق المصادر الدبلوماسية الأوروبية بأن المرونة التي تبديها الدول الثلاث في إطار هذا التوجه تنبع من مضار انسحاب أميركي متسرع من العراق كما تطالب بعض القوى السياسية العراقية الذي لا يخدم العراقيين، وتاليا لا يخدم العرب ليس فقط بسبب الفوضى التي ستنجم في العراق وربما في دول أخرى في الشرق الأوسط، ولكن أيضا بسبب موجة التطرف التي ستنتشر في العالم الإسلامي والعربي اذا هزم الأميركيون سياسيا في الجبهة العراقية

العدد 344 - الجمعة 15 أغسطس 2003م الموافق 16 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً