العدد 344 - الجمعة 15 أغسطس 2003م الموافق 16 جمادى الآخرة 1424هـ

حذار من الفتن الأهلية

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

ثمة رئيس دولة عربية افريقية سمعناه يهاجم مذهب دولة عربية آسيوية، وثمة فئة من اتباع مذهب معين سمعنا التقارير عنها بأنها تهاجم أو - كما تقول التقارير - «تجتاح» مساجد تابعة أو تحت رعاية اتباع مذهب آخر، هذا في الوقت الذي تشدد فيه بعض دوائر القرار «الدولي» كما تضيق الخناق على الكثير من دول المنطقة لاسيما تلك الموضوعة في دائرة «الشبهة الاميركية» مطالبة اياها ليس فقط بإعادة النظر في موضوعات «الدروس الدينية» التي تقدم مادة مدرسية اساسية، بل واعادة النظر في مجمل «القراءة الفكرية والاجتهادية» للدين والشريعة في بلداننا.

من جانب آخر نشرت صحيفة عربية مهجرية تقارير لها مرسلة من عاصمة عربية اساسية تفيد بأن جهات اميركية نافذة تستعد لإطلاق مشروعات اعلامية متعددة ناطقة بالعربية سيكون من بين اهدافها الرئيسية «تجميل وجه اميركا» واظهار دورها الصديق في التعامل مع قضايا العرب، في اطار من الحيادية والصدقية المهنية! والقائمة طويلة فيما نراه بصدق انه يمكن ان يحمل بوادر «فتنة» أو حتى «فتن» متنقلة يمكن ان تكون عنوانا للمرحلة المقبلة في ظل انحسار الدور العسكري المباشر أو عجزه عن تحقيق الاهداف والمخططات الموجهة ضد عالمنا العربي والاسلامي الذي يراد له ان يصبح إما «حقل رماية» أو «مسرح عمليات» لصراع الدول الكبرى على النفوذ.

لسنا ولن نكون يوما من دعاة حرمان أحد من حقه في ان يفكر او حتى ان يروج لرؤيته أو تصوره الفكري أو السياسي أو الديني مادام يلتزم قواعد ادب الاختلاف والاجتهاد، لكننا ليس فقط نقف موقف الضد، بل سنقاوم بحزم كل من يريد اشاعة مدرسة التسقيط أو التكفير أو الاستئصال في التعامل مع الآخر، ذلك لأن اشاعة مثل هذه المدرسة تعني اسقاط الجميع وتسليم البلاد والعباد لقمة سائغة بيد الاجنبي، كما ندعو الجميع حكاما ونخبا وجماهير في بلداننا وأقطارنا الموزعة على امتداد الهلال الاسلامي من طنجة إلى جاكارتا إلى الحذر واليقظة من مثل هذه الفتن التي اذا ما استشرت وشرع لها أو تم تقنينها فإنها لن تبقي ولن تذر فئة ولا مذهبا ولا حتى دينا سالما من رياحها السامة.

بالامس القريب دأبت فضائية مهجرية تزعم لنفسها بأنها «مستقلة» على «نشر غسيل» المذهبين الرئيسيين في الدين الاسلامي الحنيف بحجة النقد الذاتي والحر، بينما الحصيلة الوحيدة التي خرجت بها بعد شهر أو يزيد انها «سفّهت» - والعياذ بالله - المذهبين الرئيسيين في الامة اضافة إلى ما ساهمت به باتجاه مزيد من الوهن والضعف وتفرقة الصفوف على امتداد اوطاننا واقطارنا الاسلامية!

ليس عيبا ان يكون لنا موقف ناقد لبعض علماء ديننا، بل وحتى جلهم، وحتى الاجلاء منهم، وليس عيبا ان يكون لنا موقف ناقد لبعض ممارسات حكامنا وأن نشير عليهم علنا بضرورة تغيير مواقفهم ورؤاهم وخصوصا فيما لا يفقهونه من شئون الادارة أو ما بات يعرف بمستجدات العصر والزمان. لكن العيب كل العيب ان يتحول مثل هذا الحوار الهادئ والعقلاني داخل البيت وداخل افراد العائلة الواحدة، كما يفترض ان نكون، إلى جدل عقيم ومقيت وشرير يطيح بالبناء كله أو يحرق الاخضر واليابس كما يقال. لذلك نقول، بل ونطالب ونلح بملء الفم، بضرورة الحذر واليقظة لما يعد من مخططات ومشروعات مشبوهة لمنطقتنا وبلداننا، بلدا بلدا كلا على شاكلته وعلى مقاسه، وبعد دراسة متعمقة لخصوصياته حتى تظهر الفتنة أو الفتن بالمظهر «اللائق» و«العقلاني» واحيانا «الجذاب»! ولا بأس ان تكون مترافقة مع مقولة «الاصلاح والتغيير»!

نعم الاصلاح والتغيير ضرورة وحاجة ماسة لكل مجتمع ودولة بل ولكل ظاهرة، لا بل انها جزء لا يتجزأ من مقولة السنن الكونية الثابتة التي لا تقبل الشك والتردد أو الانكار. لكن وكما كان يردد أحد العارفين الكبار من الائمة والاولياء: «الزارع في غير اوانه كقاطف الثمرة قبل نضوجها». وهذا الزمن والظروف المحيطة به لا يمكن لأحد ان يحدد اوانه إلا صاحب الشأن نفسه وصاحب العلاقة المعني بالاصلاح والتغيير، اللهم إلا ان يقرر الانقلاب على اصله، ومن ينقلب على اصله يفقد مشروعية الاصلاح والتغيير وسرعان ما تتم الاطاحة به ويتم بيعه بثمن بخس لأنه يكون قد اصبح بلا جذور ولا ثمرة ترتجى منه في المستقبل. يقول احد رواد النهضة في اميركا اللاتينية خوسيه مارتي جني في نصيحة له لشعبه «مجرم من يخوض حربا يمكن تفاديها لكنه مجرم ايضا من لا يخوض حربا لا يمكن تفاديها».

ونحن هنا نقول: اذا كنا فعلا ضد كل اشكال الحروب الاهلية والفتن الطائفية والاقتتال بين اطراف العائلة الواحدة فإننا مطالبون وبإلحاح بضرورة اعلان الحرب الشاملة على مثل هذه الافكار الشريرة التي تريد الاطاحة بالاصول، وتريد تمزيق بيوتنا وتقطيع اوصالها حتى تتسنى لها السيطرة علينا بأقل الخسائر وأبخس الاثمان. بل انها تطالبنا بالاستسلام حتى من دون خوض اية معركة. ولا اظن ان احدا من بين اهلنا وشعبنا وأمتنا الكبيرة يستطيع ان يتحمل وزر مثل هذا القرار الشائن، اي تسليم البلاد والعباد إلى إرادة الغير من خارج سياق ونسيج هذه الأمة العريقة، أو ان يسمح بتحويلها إلى قبائل متفرقة أشبه بقبائل الهنود الحمر لا سمح الله

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 344 - الجمعة 15 أغسطس 2003م الموافق 16 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً