العدد 343 - الخميس 14 أغسطس 2003م الموافق 15 جمادى الآخرة 1424هـ

الطوسي يؤسس لعلم الفلك الحديث

المنامة - عبدالأمير الغريفي 

14 أغسطس 2003

نصير الدين الطوسي، اسم شهير في التراث الفلكي والرياضي في الحضارة العربية الإسلامية. قرأنا الكثير عنه وعرفنا عددا من مؤلفاته ورسائله في الفروع المعرفية المختلفة، أو قرأنا بعضها على الأقل، فكثير منها مطبوع ومنشور.

لكن الذي لا نعرفه عن هذا العالم أو لا يعرفه بعضنا هو أهميته العلمية أو قدرته على معالجة الأمور العلمية المعقدة، كالتي تتعلق بالرياضيات وعلم الفلك، فقد عدّه الباحثون أحد كبار الممهدين للنظام الفلكي الحديث، الذي اندلع في القرن السادس عشر الميلادي، بقيادة العالم الفلكي الشهير كوبرنيكوس المتوفى سنة 1543م، الذي أحدث ثورة في تاريخ الفلك وتاريخ العلم عموما، إذ فصل بين عصرين، عصر الفلك القديم وعصر الفلك الحديث.

يُعد محمد بن محمد بن الحسن الملقب بالطوسي أحد الأركان الأساسية في التراث الفلكي والرياضي الإسلامي، ولد سنة 597 هجرية (1182 ميلادية) في مدينة (طوس) التي أخذ لقبه منها، وتوفي في مدينة بغداد. عاصمة العلم، ودفن في مشهد الإمام موسى بن جعفر (ع) في الكاظمية.

ذكره شاكر الكتبي في (فوات الوفيات) بقوله «صاحب العلم الرياضي كان رأسا في علم الأوائل ولا سيّما في الأرصاد والمجسطي فانه فاق الكبار» (فوات ج3 ص246). ووصفه كرا تشكو فسكي بـ «دائرة معارف» إذ استغرقت كتاباته كل أبواب المعرفة الشائعة في عصره، وذكر عبدالأمير الأعسم انه ألف 160 عنوانا، شملت مؤلفاته شتى المعارف، إضافة إلى ذلك عرف بترجمته لعدد من الكتب اليونانية منها: (تحرير المجسطي) لبطليموس، وكتاب (في جرمي النيرين) لاريستارخوس و(ظاهرات الفلك) لاقليدس وغيرها.

والحقيقة ان إمكانات الطوسي وقابليته تتمثل أساسا في الرياضات والفلك، فعلى مستوى الرياضيات لعب كتابه المعروف (بشكل القطاع) دورا مهما في تاريخ الرياضيات، فهو كتاب رياضي بقي مصدرا مهما لعلماء أوروبا يستقون منه معلوماتهم في المثلثات الكروية والمستوية، وقد اعتمد عليه (ريجيومونتانوس) اعتمادا رئيسيا عند تأليفه كتاب (المثلثات)، ويعد الطوسي في كتابه أول من فصل المثلثات عن علم الفلك، وجعل المثلثات علما مستقلا.

وعلى مستوى علم الفلك لعب الفكر الفلكي التجديدي للطوسي دورا أساسيا ومهما في تاريخ علم الفلك كله، فقد أسس هذ العالم مجمعا علميا فلكيا عالميا، مؤلفا من مرصد فلكي كبير هو مرصد مَرَاغه (أشهر مرصد في تاريخ الفلك القديم) وقد ضم مكتبة احتوت على ما يقرب 400 كتاب، وعددا كبيرا من العلماء والفلكيين من بلدان مختلفة، وآلات فلكية إبداعية ابتكرت لأول مرة. والأهم من كل ذلك هو ما أودع النصير من المعلومات الفلكية والأرصاد القيمة في كتابه المهم المعروف باسم: (الزيج الأيلخاني)، فقد ظل هذا الزيج معتمدا إلى عهد قريب في الدراسات الفلكية الأوروبية.

لقد كان الطوسي عالما فلكيا ثائرا، حمل روحا علمية نقدية تجاوزت الأفكار الثورية المحدودة التي ابتدأها العالم ابن الهيثم المتوفى سنة 430 هجرية وعدد من الفلكيين والفلاسفة ضد أفكار بطليموس، لقد تجاوز الطوسي ذلك بادئا بفتح باب عريضة، أدخلت الفلك العربي الإسلامي مدخلا جديدا، فوضعنا أمام فلك عربي إسلامي أصيل، أمام تعديلات قويمة لفلك بطليموس اليوناني، مقترحا هيئة جديدة تخالف هيئة بطليموس، ولم يكن وحده فاتحا هذا الباب ومفجرا للثورة الفلكية، بل كان ضمن مدرسة علمية فلكية ثورية هي (مدرسة مراغه) التي احتضنت مجموعة من كبار علماء الفلك الثوريين في القرن السابع الهجري منهم: العالم السوري مؤيد الدين العُرضي، وقطب الدين الشيرازي ومحيي الدين المغربي. إلا أن النصير الطوسي كان أول من عرف بثورته هذه واقتراحه الجديد، وذلك من خلال مقال مهم نشره المستشرق كارادوفو سنة 1893م عن الهيئة التي أبدعها الطوسي لأفلاك القمر والزهرة والكواكب العلوية الثلاثة والتي وردت في كتاب الطوسي الشهير (التذكرة النصيرية).

من هنا كانت مدرسة مراغه وأفكارها الفلكية الثورية بقيادة النصير الطوسي بحق الانطلاقة الأولى لنظرية مركزية الشمس التي جاء بها الفلكي البولندي كوبرنيكوس في القرن السادس الميلادي، لتلحقها تطورات متلاحقة، أوصلتنا إلى إنجازات فلكية وفضائية فاقت كل الإنجازات التي أنجزها فلك ما قبل العصر الحديث

العدد 343 - الخميس 14 أغسطس 2003م الموافق 15 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً