تناولت الصحف العبرية، التطورات المتلاحقة على جبهة الحدود مع لبنان، لا سيما بعدما أغارت «إسرائيل» على قرى جنوبية في القطاع الغربي، بعد ساعات من مقتل مستوطن في بلدة شلومي القريبة من لبنان، إثر إصابته بشظايا مضادات «حزب الله» التي أطلقت باتجاه طائرات إسرائيلية خرقت الأجواء اللبنانية. ومع ان الحزب والمصادر الرسمية اللبنانية أكدت ان «حزب الله» استخدم المضادات الأرضية، زعمت «إسرائيل» ان «حزب الله» استخدم قذائف مدفعية من عيار 57 ملليمترا، وهذا ما حاولت إشاعته الصحف الإسرائيلية من ان الحزب تقصد قصف المدنيين. وزعم عاموس هاريل في هآرتس، ان قصف حزب الله لقرية شلومي، لم يكن ردا على الطائرات الإسرائيلية التي تخرق الأجواء اللبنانية، كما يقال، فالحقيقة بحسب زعمه هي ان هذه الطائرات لم تكن دخلت هذه الأجواء عندما وقع هذا الحادث.
لكن الجديد هو موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون الذي على ما يبدو تخلى عن الرد المباشر على مقتل المستوطن مكتفيا بالتلويح بسلسلة ردود إذا وقعت هجمات جديدة. فقد ذكر مصدر أمني إسرائيلي بعد اجتماع شارون مع مسئولين عسكريين ان البحث تناول مجموعة من الردود الإسرائيلية المحتملة على هجمات «حزب الله» وحضر الاجتماع رئيس الأركان موشيه يعالون ومسئولون عسكريون آخرون. وأشار إلى ان العسكريين عرضوا على شارون «سلسلة ردود ممكنة في حال حصول هجمات جديدة» شبيهة بالتي وقعت في بلدة شلومي. وقال المصدر انه تقرر خلال الاجتماع السماح لسلاح الجو بالرد. وهكذا حلق فجر الاثنين الطيران الإسرائيلي في الأجواء اللبنانية وخرق جدار الصوت فوق بيروت وضواحيها ما أحدث دويا هائلا وأثار مخاوف في الأوساط اللبنانية من شن غارات على أهداف محددة... لكن من الواضح ان شيئا آخر، غير عدم رغبة الدولة العبرية بفتح جبهة عسكرية جديدة، وعدم رغبتها في التورط في الحلبة الدولية... فهناك سبب لا يدور الحديث عنه، لكنه يتقدم، على كل الأسباب الأخرى، يقول (معلق سياسي إسرائيلي) في يديعوت «أحرونوت» شمعون شيفر، انه بعد ثلاث سنوات من انسحاب «إسرائيل» من جنوب لبنان تمكن «حزب الله» من خلق ميزان رعب في مواجهة «إسرائيل».
لكن التصعيد السياسي الإسرائيلي، اتخذ شكلا آخر أيضا، فقد وصل حد البحث في طلب عقد جلسة خاصة لمجلس الأمن الدولي لبحث الموقف، قابله كلام عممته الصحف العبرية، عن ضرورة عدم التورط في مواجهة شاملة. و«لا نريد فتح جبهة جديدة» بحسب تصريح نائب وزير الدفاع الإسرائيلي زيف بويم. فيما أبلغ المتحدث باسم شارون رعنان غيسين شبكة «سي.ان.ان» أنه «ليس لدينا نية بالتصعيد، كان ردا محددا باتجاه الهدف وهو المدفع الذي أطلق القذائف باتجاه المستوطنة». لكن سياق التهديدات الإسرائيلية، لم يخرج عن المألوف في الصحف العبرية، التي أبرزت مطالبة وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم سورية ولبنان بـ «كبح جماح حزب الله»، وقال «وإلاّ لن يكون لنا خيار إلاّ الدفاع عن أنفسنا». وأضاف «من الأفضل لسورية ولبنان ألاّ يضطراننا إلى ذلك»، مشددا على ان «حزب الله لا يستطيع التحرك من دون موافقتهما وبالتالي فإن هذين البلدين مسئولان عن التصعيد». وبعدما ذكرته القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي عن «أهداف سورية» يجب التعامل معها، متحدثة عن «مصانع الاسمنت والباطون في لبنان نفسه التي تعتبر معدة للاقتصاد السوري وحاجاته»... ذكر مصدران واحد إسرائيلي والآخر يهودي في صحيفة أميركية فالأول أي هآرتس، أشارت إلى التحذير الإسرائيلي لدمشق، عبر الولايات المتحدة والأمم المتحدة، من انه في حال لم تتوقف أعمال «حزب الله» ضد الأجزاء الشمالية الإسرائيلية، فإن «إسرائيل» ستضرب أهدافا سورية في لبنان. والثاني وهو جيمس بينيت في نيويورك تايمز، الذي تجاهل القول ان رد «حزب الله» جاء على الخرق الجوي الإسرائيلي، لفت إلى ان «إسرائيل» ستزيد من حدة ردودها فتضرب مواقع سورية في لبنان، في حال لم يستجب كل من لبنان وسورية، للضغوط الدبلوماسية التي تدعو إلى وقف «حزب الله» أعماله الموجهة ضد الإسرائيليين عبر الحدود الشمالية. لكن «هآرتس»، نقلت في خبر افتتاحي عن مصادر إسرائيلية رفيعة المستوى، ان «إسرائيل»، ما زالت تنتظر لترى كيف ستتصرف سورية في ظل الضغوط الأميركية المتزايدة عليها التي تحثها على لجم «حزب الله». موضحة ان «إسرائيل»، حذرت سورية، من انه في حال فشل الضغط الدبلوماسي على الحزب فلابد من توقع المزيد من العنف على الحدود الشمالية. وكتبت هآرتس، في افتتاحيتها، انه منذ انسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان اختلطت الآمال بالمخاوف الإسرائيلية. موضحة ان من يعارضون الانسحاب رددوا ان الاقتتال على الحدود الشمالية لن يتوقف وإنما سيتخذ أشكالا مختلفة. في حين ان من أيدوا الانسحاب آمنوا بأن «حزب الله» سيفقد أي محفز لشن هجماته ضد الإسرائيليين. لكن الصحيفة الإسرائيلية قالت انه اتضح الآن ان كلا الطرفين كان في الحقيقة مخطئا. فقالت ان التوقعات السيئة لم تتحقق كلها، ولكن من كانوا مؤمنين بتحسن الأوضاع خابت آمالهم بشكل كبير جدا. لكن «هآرتس»، لاحظت ان الخسائر كافة التي تسبب بها «حزب الله» حتى البارحة كانت من القوات الإسرائيلية وكان هذا الأمر دليلا على ان الحزب يريد أن يبقى النزاع محدودا. ولاحظت أيضا ان «حزب الله» كان يتفادى وقوع نزاع شامل قد يتسبب بدفع الجيش الإسرائيلي إلى ضرب الجناح العسكري لـ «حزب الله» بشكل قاس، الأمر الذي يستدعي من الحكومة اللبنانية أن تفرض سيطرتها على الجنوب اللبناني. وأوضحت انه بعد مقتل الفتى الإسرائيلي، قد تتغير المعادلة فتعمد «إسرائيل»، إلى استعمال القوة مع «حزب الله». وختمت بالقول انه حتى الآن فإن ردود «إسرائيل» على ما يقوم به الحزب ما زالت دبلوماسية في معظمها ذلك انها تلجأ إلى واشنطن وإلى الأمم المتحدة. معتبرة ان هذا أمر جيد لأنه لابد للعناصر الدولية أن تتحرك لتضغط على «حزب الله» قبل أن يغوص لبنان في الحروب من جديد.
ولاحظ ألوف بن في «هآرتس»، ان تفجر أعمال العنف على الحدود الشمالية لـ «إسرائيل» قد فاجأ القيادة السياسية الإسرائيلية، وخصوصا أنه قبل ساعات قليلة على «قصف» قرية شلومي، ذهب وزيرا الدفاع والخارجية في عطلة خارج «إسرائيل». وتابع بن، ان رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون، ترك وحيدا في القدس وقد قرر ألاّ يتخذ أي قرار بشأن المستجدات إلى أن تتضح الأمور جيدا. ورأى الكاتب الإسرائيلي، ان في امتناع شارون، عن دعوة المجلس السياسي الأمني إلى الاجتماع دليلا واضحا على انه لا ينوي أبدا تسخين الأجواء في الشمال، ولذلك فقد قرر الوزراء الإسرائيليون أن يكونوا حذرين وألا يطلقوا تصريحات علنية عما يجري على الحدود الشمالية. وإذ لفت إلى اجتماع شارون، بالسفير الأميركي دان كيرتسر، والمبعوث الأميركي جون وولف، قال بن، ان الأميركيين يتفهمون ان «إسرائيل»، قد تضطر إلى الرد على ما أسماها الاعتداءات التي يوجهها «حزب الله» ضد مواطنيها، لكن الجانب الأميركي يطالب الطرف الإسرائيلي بأن يكون معتدلا في رده وألاّ يستعمل القوة المفرطة.
وزعم عاموس هاريل في «هآرتس»، ان قصف «حزب الله» لقرية شلومي، لم يكن ردا على الطائرات الإسرائيلية التي تخرق الأجواء اللبنانية، كما يقال، فالحقيقة بحسب زعمه، هي ان هذه الطائرات لم تكن دخلت هذه الأجواء عندما وقع هذا الحادث. واعتبر ان مقتل الفتى الإسرائيلي، دليل واضح على ان «حزب الله»، لم يتغير وهو يريد ضرب «إسرائيل»، سواء دخلت الطائرات الإسرائيلية الأجواء اللبنانية أم لم تدخلها. ورأى ان فشل الحزب الشيعي في أن تكون أسماء سجناء لبنانيين في السجون الإسرائيلية، مدرجة على لائحة الأسرى الذين قررت «إسرائيل» إطلاقهم، دفعه إلى السعي جاهدا كي يحرز بعض النجاح الشعبي. وبرأي هاريل، ان الحزب حاول أولا أن يرسل مجموعات فلسطينية «إرهابية» لتنفذ ضرباتها على الأجزاء الشرقية والغربية للحدود الشمالية وعندما فشل في ذلك كان منه أن عاد ليطلق قذائفه ضد القرى «الإسرائيلية». لكن هاريل، لاحظ انه على رغم تجدد القتال على الحدود الشمالية، فانه لم يتضح بعد ما إذا كان «حزب الله» يريد فعلا أن يعود إلى مرحلة التصعيد أم لا! واعتبر انه في الوقت الذي يزدهر فيه موسم السياحة في لبنان، فإن «حزب الله» ـ كما يرى هاريل ـ يسيء بتحركاته للمصالح اللبنانية. مضيفا ان أعمال الحزب قد تولد ردود فعل أميركية عنيفة. لذلك رأى هاريل، انه لابد للحزب أن يبتعد عن العنف قبل أن يفقد السيطرة على الأوضاع. وقال شمعون شيفر (معلق سياسي إسرائيلي) في يديعوت أحرونوت، ان هناك عشرة أسباب تدعو إلى الاعتقاد ان «إسرائيل» ستواصل انتهاج سياسة الرد المكبوح على استفزازات «حزب الله» في شمالي البلاد. لافتا إلى ان من هذه الأسباب: عدم رغبتها بفتح جبهة عسكرية جديدة، وعدم رغبتها في التورط في الحلبة الدولية، وغير ذلك. لكنه اعتبر ان هناك سببا لا يدور الحديث عنه، لكنه يتقدم، على كل الأسباب الأخرى. موضحا انه بعد ثلاث سنوات من انسحاب «إسرائيل» من جنوب لبنان، تمكن «حزب الله» من خلق ميزان رعب في مواجهة «إسرائيل». وعندما يطلب إلى القيادة السياسية الإسرائيلية اتخاذ قرار بشأن الرد العسكري على نيران «حزب الله» يكون السؤال الوحيد الذي يطرح وبإلحاح هو: هل هذا هو الوقت المناسب لتعريض مواطني «إسرائيل» إلى مخاطر جمة، أو الكيل بالمكيال نفسه، من خلال توجيه أصابع الاتهام إلى دمشق؟ ولاحظ الكاتب العبري، ان لا شك لدى «إسرائيل» بأن الرئيس السوري بشار الأسد، يقف وراء «حزب الله» وهو من يضغط على الزناد. لكنه لاحظ ان المحاولات التي قام بها الأسد، لبث رسائل إلى «إسرائيل» عن استعداده للعودة إلى طاولة المفاوضات، جوبهت ببرود من قبل شارون. فتساءل شيفر، ما الذي فعله الأسد؟ وختم بالقول انه لا يتوقع، حاليا، حدوث تغيير في طابع الرد العسكري الإسرائيلي وسيتم الرجوع مرة أخرى، إلى التزاوج المعروف شارون ولبنان في إيحاء من الكاتب إلى تجربة شارون الفاشلة في لبنان. مؤكدا ان رئيس الحكومة الإسرائيلية، سيتصرف بحذر كبير في اختيار الأهداف التي سيهاجمها سلاح الجو الإسرائيلي
العدد 343 - الخميس 14 أغسطس 2003م الموافق 15 جمادى الآخرة 1424هـ