العدد 341 - الثلثاء 12 أغسطس 2003م الموافق 13 جمادى الآخرة 1424هـ

انهيار هدنة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

قبل انتهاء فترة الشهر على الهدنة الفلسطينية - الإسرائيلية التي اتفق على ان تكون لمدة ثلاثة أشهر انهار ما يسمى «وقف إطلاق النار» في الأراضي المحتلة بعد سلسلة تحرشات إسرائيلية وردود فعل الفصائل الفلسطينية عليها. من الناحية المبدئية هناك خطأ جوهري في تسمية الهدنة المؤقتة بوقف إطلاق النار. فالهدنة ليست بين قوتين متوازنتين حتى يكون «وقف النار» مسألة مشتركة بين طرفين. فالمطلوب حتى تكون الهدنة ثابتة ومتوازنة ان يوقف العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية المحتلة. فالمعركة أساسا ليست بين قوتين على أراضٍ لا أصحاب لها. فالأراضي المحتلة ليست أراضي متنازع عليها بل هي تعود في ملكيتها الى الشعب الفلسطيني كما نصت على ذلك القرارات الدولية. وحين يكون النزاع بين صاحب حق (أرض) وقوة محتلة، فالشعار المطلوب هو وقف العدوان وليس وقف إطلاق النار.

وبسبب هذا الخطأ الجوهري في تسمية الهدنة كان من الصعب ان يستمر وقف إطلاق النار في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي. فالموضوع الأساسي هو انسحاب «إسرائيل» من الأراضي المحتلة وتفكيك المستوطنات ووقف توطين «المهجرين اليهود» من بقاع العالم واسكانهم في الأراضي الفلسطينية وعودة الشعب الفلسطيني الى دياره وأخيرا هدم الجدار العنصري الفاصل بين دولتين. فالجدار هو إضافة جديدة على عناوين مختلفة للاحتلال والعدوان، وهو بقدر ما يرسم حدود الدولة الفلسطينية يحدد في النهاية جوهر خطوط الصراع بين دولتين واحدة معتدية والأخرى معتدى عليها. فالجدار أصلا بني ليس لوضع حل للمشكلة بل ليضيف اليها عقدة جديدة تدور حول كيفية هدمه في أراض تمثل ما نسبته 25 في المئة من الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967.

انهيار الهدنة مسألة متوقعة، لأنها أصلا قامت على تشكيلة من المفاهيم التقنية وأهملت السياسة التي هي جوهر الصراع بين الجهتين. والسؤال كيف ستتجه حلقات العدوان الإسرائيلي وما الجديد الذي يمكن ان يقدمه رئيس الحكومة ارييل شارون إضافة الى محاولاته السابقة؟

حتى الآن يبدو شارون هو الشخص المفضل لدى الناخب الاسرائيلي قياسا بغيره من زعماء محتملين في «التجمعين» العمالي والليكودي»، وحتى الآن يبدو ان الشارع الإسرائيلي يؤيد استكمال بناء الجدار الأمني (العنصري) بين الدولتين بعد ان كشفت المعلومات ان فكرة الجدار عمالية وليست ليكودية. وحتى الآن تبدو الحكومة الإسرائيلية متفقة على رفض تفكيك المستوطنات مع ميل نحو توسيعها وزيادتها في حال قضت الضرورة. وحتى الآن يبدو ان هناك شبه اجماع بين مختلف الاطياف السياسية الإسرائيلية على تهويد القدس وتشجيع الاستيطان والهجرة وأخيرا رفض عودة الشعب الفلسطيني الى دياره.

حتى الآن كل هذه الأمور، وهي جوهر الصراع وأساس العقبات في وجه أي حل، تبدو وكأنها سلسلة حلقات مترابطة تجمع كل الألوان السياسية في لون إسرائيلي واحد. و«الآن» تبدو «دائمة» إذ لا تشير الأخبار ولا المعلومات عن وجود توجهات إسرائيلية مغايرة لتلك الثوابت الصهيونية. فـ «إسرائيل» مجمعة على ثوابت لاتزال حتى الآن تشكل جوهر الصراع وتعطل امكانات حل المشكلات الطارئة وعلى رأسها موضوع جدار الفصل العنصري (الأمني). وبسبب ذلك الاجماع كان من الصعب على هدنة مؤقتة ان تصمد أمام الاصرار على عدم تفكيك عناصر الاحتلال باعتباره أساسا لابد منه لتثبيت حل معقول يستند الى قرارات دولية وقعت مرارا وتكرارا من الولايات المتحدة والدول الكبرى ومجموعة الاتحاد الأوروبي.

والسؤال كيف يمكن ان يعالج شارون أو يرد على انهيار هدنة كان تطرفه المدعوم إسرائيليا هو السبب المباشر في عدم استمرارها؟

هناك أكثر من توقع إلا ان الميل الإسرائيلي نحو التصعيد يحتاج هذه المرة، ومثل كل مرة، الى موافقة أميركية تعطي شارون الضوء الأخضر لتنفيذ خطته في استكمال اجتياح الأراضي المحتلة، وطرد عرفات من مقر رئاسته، وتجريد المنظمات الفلسطينية من سلاحها عن طريق القوة، وتثبيت حكم محمود عباس (أبومازن) بمظلة أمنية إسرائيلية.

هذا الميل الإسرائيلي (الشاروني) يحتاج الى موافقة أميركية. فهل الرئيس جورج بوش في وضع يسمح له بالمغامرة العسكرية والسير مجددا في حقل من الألغام السياسية من الفرات الى النيل؟

«كتلة الشر» في البيت الأبيض ليست بعيدة عن هذه الأجواء

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 341 - الثلثاء 12 أغسطس 2003م الموافق 13 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً