دعوة وزير شئون مجلس الوزراء إلى وضع ما يسمى بسياسة الصحيفة هي مجرد تحصيل حاصل، أو بالأحرى تأكيد لواقع قائم، فسياسة الصحيفة بالمعنى الذي فهم من تصريحات الوزير موجودة ومعمول بها ليس في الصحافة المكتوبة فحسب وانما في الاذاعة والتلفزيون كذلك.

فقد جاءت هذه السياسة باعتبارها أسلوبا جديدا للرقابة الذاتية على الصحافة وأجهزة الاعلام كافة، ولتحلّ مكان الرقابة المباشرة والمسبقة والتي كانت تمارسها وزارة الاعلام بحضور رقيبها إلى مقر الصحيفة أو المطبعة لقراءة الموضوعات والأخبار والتعليقات قبل طباعتها وحذف كل ما يعتبره نقدا للحكومة أو انه يتعارض مع «المصلحة الوطنية» أو «الوحدة الوطنية» وغيرها من المحظورات التي وردت في قانون المطبوعات للعام 1979 وتعاون مع قانون العقوبات في وضع عقوباتها بالحبس والغرامة والتعطيل.

والرقابة الذاتية تعني أن يتولى رئيس التحرير أو من ينوب عنه القيام بمهمة رقيب الإعلام سابقا، بحيث يقوم بقراءة كل ما يرِدُ اليه من موضوعات ومقالات وأخبار، ومن ثم يتصرف بإجازتها أو بايقافها، أو التشاور مع الجهات المختصة بشأنها، بحسب معايشته للتطورات والعيون الحمراء والرمادية والبيضاء، وما يتقاطع مع علاقاته الشخصية مع المسئولين، ومصالحه الخاصة، ومصلحة الصحيفة الإعلانية.

وهذه المعايير تشكل في مجموعها ما يسمى بسياسة الصحيفة، فالصحيفة لم تكن في يوم من الأيام مفتوحة أمام كل قلم ليكتب أو ينشر فيها ما يشاء، وانما هي محكومة بسياسة محددة ومعروفة وموضوعة من قبل رئيس التحرير، وبناء على معطيات ومعايير تتفاوت في عددها ونوعيتها وميلانها من صحيفة إلى أخرى، ومن رئيس تحرير إلى آخر.

فهناك رئيس التحرير الذي يمارس رقابته الذاتية أو يطبق سياسته المطلوبة من خلال علاقته القريبة جدا بوزارة الاعلام أو أية جهة حكومية أخرى، وهناك رئيس التحرير الذي يحرص على عدم اغضاب أية جهة بما فيها الجهات الحكومية والمعلنة، وهناك رئيس التحرير المستقل في موقفه إلى حد كبير، مع مراعاته في بعض الأحايين للضغوط والمجاملات والتقاليد المرعية.

وفي كل الأحوال فإن ما يراه رئيس التحرير ويريده يجب أن يأخذ به وينسجم معه كل من يعمل ويكتب في الصحيفة، وإذا ما خالفه فإنه يخالف سياسة الصحيفة، التي وضعها رئيس التحرير ولا يعرفها غيره