لقد تطور مجتمعنا كغيره من المجتمعات العربية منها والغربية، وبالتالي فإن علينا ان نتطور وننطلق بسرعة هائلة إلى الامام من دون محاولة النظر إلى الخلف، وعلينا ان نهجر القديم - كل ما هو قديم - وإلا فنحن مازلنا نعيش عهود التخلف الحضاري والاجتماعي. ولكنني اتساءل كما يتساءل الكثيرون غيري، بعد ان هجرنا العادات والتقاليد وتمردنا عليها وتجاسرنا على المثل والقيم وتنكرنا لها ونبذناها بعد أن كان بعضنا - وإلى عهد قريب - يتمسك بها، ولكن للأسف الشديد هذه الاخلاق طالتها يد التقدم والحضارة وعلينا استبدالها بقلة الادب والاحترام وسؤالي هو: إلى اين سنصل؟
معذرة لتحاملي الشديد، ولكن هذا ما نراه ونسمعه في كل مكان، فالكتابات الاجتماعية واللباقة واحترام الآخر باتت عادات مستهجنة مهجورة مثل تقاليدنا الجميلة التي استبدلناها باخرى. لا احد ينكر ان هناك بعض الاسر مازالت تتمسك اكثر من غيرها بما تبقى من سلوك خيّر ومازال هناك بين الناس من هو مهذب ومؤدب ووقور، ولكنه سيئ الخلق هو من يسود ويصول ويجول...
وبودي الاشارة الى نقاط مغيظة ومزعجة في المجتمع. فقلة الادب مشهد يتكرر في كل مكان. فالاولاد يسبقون الآباء عند دخولهم وخروجهم، وزميلك قد يسحب الصحيفة من يدك بطريقة همجية من دون كلمة «من فضلك» بل وحتى السلام هناك من يتجاهل سماعه فلا يرده، تصرفات بعض الناس في المطاعم والاماكن العامة من الحديث بصوت مرتفع وتبادل النكات غير اللائقة من دون احترام للآخر. والشباب الذي يعتبر غير مشاكس واكثر استعدادا لتشرب قواعد السلوك لا نسمع منه عبارة «هل تسمح»، «ارجوك»، «معذرة»، «من فضلك»... الخ أو ان يتوقف ليعطي غيره فرصة العبور. حتى السيارات باتت تتبادل قلة الادب حين تتجاوز كل منها الأخرى من دون التفكير فيما سببته من ارباك للسير أو أدت إليه من حادث مروع. كل هذا ويزعم البعض انه تطور اجتماعي، باختصار ان اللياقات الاجتماعية قد انعدمت وتحكّمت الانانية في الفرد والمجتمع، وباتت الآن هي السمة الغالبة في التعامل مع الآخرين، فلا أحد يفكر في «هم - انت - هو»، ولا ندري على من نلقي باللوم هل تتحمله المرأة بخروجها للعمل واهمالها تربية الابناء وتركهم على الخادمة، أم لانشغال الآباء عن التوجيه التربوي، والمدرسة عن دورها في بناء صرح الاخلاق والتسامي بالقيم والمثل الاجتماعية؟ من المسئول عن تدني الاخلاق في كل مكان؟
فالاحترام بات صفة لا وجود لها في قاموس السلوك العام، وعلي وعليك ايتها الأم احياؤها في نفوس اولادك. عوديهم كيف يحترم كل منهم نفسه، وبالتالي يحترم الآخر. اغرسي في نفوسهم هذا الاحساس بالتقدير، وانت قادرة على ذلك اذا لم تكتفي بالتمني فقط بل افرضي عليهم التزام هذا المبدأ، عوديهم الانصاف كمبدأ للتعامل مع البشر في مرحلة باكرة من طفولتهم، عوديهم مشاركة اقرانهم في السراء والضراء حتى اذا ما اصبحوا كبارا رغبتها عقولهم الفتية فأثارت حواسهم وغيرتهم، ولا تنسي الفضائل كالشجاعة والوفاء والنبل وحب الوطن، فاغرسي هذه القيم النبيلة وكوني قدوتهم... فطفل نشأ على هذه الفضائل لاشك انه سيترجمها في سلوكه العام، فاذا ما تعود على احترام الذات قاده ذلك إلى التفكير العميق وبايمان راسخ يملأ قلبه كانسان بأن هناك قيما جديرة بالتقدير، ويجب ان تحفظ وتراعى، وان هذا لن يكون إلا باحترام الآخر والتعامل معه بخلق رفيع ينم عن الاصالة والتربية الرفيعة
العدد 339 - الأحد 10 أغسطس 2003م الموافق 11 جمادى الآخرة 1424هـ