التصعيد العسكري على الجبهتين الفلسطينية واللبنانية هل هو سحابة صيف في طقس شديد الحرارة ومرتفع الرطوبة أم هو محاولة اميركية للهروب إلى الامام بالضغط على المنطقة من الجبهة الاسرائيلية؟
سؤال بحاجة إلى تدقيق. فالخسائر الاميركية في العراق لا تشكل حتى الآن نقطة ضغط قوية على الادارة لتعيد قراءة مشروعها الاستراتيجي الهجومي الذي يقوده «اشرار البنتاغون». فالخسائر في المعايير العسكرية ليست كبيرة. ودولة كبرى مثل الولايات المتحدة تستطيع تحملها مادامت لا تتجاوز القتلى الثلاثة يوميا. هذه النسبة تعتبر محمولة أو مقبولة لدولة عندها طموحات لا نهاية لها في منطقة استراتيجية وحيوية جغرافيا واقتصاديا واستثماريا.
لا شك في ان واشنطن تتمنى ألا تقع مقاومة ولا تسقط لها ضحايا، إلا انها وضعت في حساباتها مثل هذا الاحتمال. ومثل هذه الخسائر ليست مكلفة كثيرا حتى الآن في برنامجها للسيطرة على المنطقة. المشكلة في الاستراتيجية الاميركية سياسية وليست عسكرية. عسكريا اميركا هي الاقوى ولكنها سياسيا تعاني من نقطة ضعف بنيوية تشكل «عقب آخيل» في استراتيجيتها الشاملة.
نقطة ضعف اميركا في منطقة «الشرق الاوسط» هي «اسرائيل» على رغم ما يقال عن التحالف والتعاون والتكاتف. وستبقى اميركا هي الاضعف سياسيا - قياسا لحجمها الاقتصادي وقوتها العسكرية - في المنطقة مادام البيت الابيض لا يستطيع تخطي الحاجز الاسرائيلي في سياساته العامة وعلاقاته مع الدول العربية.
فالرئيس الاميركي اقوى رئيس في العالم ولكنه الاضعف حين يلتقي رئيس الحكومة الاسرائيلي ارييل شارون. فهو لا يستطيع مطالبته بالحد الادنى من المسائل التي تمس جوهر السياسة الاميركية في «الشرق الاوسط» خوفا على موقعه في الرئاسة او مهابة احتمال انقلاب الكونغرس عليه.
«اسرائيل» هي نقطة ضعف الاستراتيجية الاميركية في «الشرق الاوسط». وهذا الضعف على عكس ما يراه بعض خبراء السياسة من ان الدولة العبرية نقطة قوة للهجوم الاميركي على المنطقة. وبسبب هذا العامل الاسرائيلي أُحبطت مرارا وتكرارا الاستراتيجية الاميركية وأُضعف هجومها السياسي على رغم زخمه العسكري وارهابه لدول المنطقة وشعوبها. فالقوة لا معنى لها اذا جُردت من الصدقية السياسية والعدالة في رؤية المصالح وتوازنها.
لا مشكلة عسكرية للولايات المتحدة في المنطقة، فهي تستطيع القتال على اكثر من جبهة في وقت واحد. مشكلة اميركا سياسية، ونقطة ضعفها هي «اسرائيل» التي تعطل عليها دائما امكانات استثمار ارباحها الحربية... وهذا ما حصل في فلسطين ويحصل الآن في العراق.
والسؤال: هل يكون الجواب الاميركي على فشل واشنطن السياسي في العراق هو المزيد من «الهروب إلى الامام»؟ وفي حال قرر البيت الابيض اتباع سياسة «الهروب» من الحقائق الموضوعية، فإلى اين سيكون المفر: شرقا إلى ايران أم غربا إلى سورية ولبنان؟
السؤال قد يكون محاولة فهم للتصعيد العسكري على الجبهتين الفلسطينية واللبنانية. صحيح ان تل ابيب تدعي لعب دور الحمل المسكين الذي يتعرض للضرب، واضطر إلى رفع شكوى الى مجلس الأمن... إلا ان الوقائع تؤكد ان «الحمل» هو الذي يعطل مسار «خريطة الطريق» وهو الذي بادر إلى فتح جبهة لبنان بعد عودة شارون مباشرة من زيارته لواشنطن.
التصعيد الاسرائيلي قد لا يكون سحابة صيف بل ربما خطوة لتسخين الاجواء وشد الانظار من العراق إلى مناطق تريد تل ابيب اخضاعها، مستفيدة من الوجود العسكري الاميركي في «الشرق الاوسط»
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 339 - الأحد 10 أغسطس 2003م الموافق 11 جمادى الآخرة 1424هـ