العدد 338 - السبت 09 أغسطس 2003م الموافق 10 جمادى الآخرة 1424هـ

فرقة المعامير الفنية تبدأ عدها التنازلي لبث «المجهول»

اتجاهات الامل والوعي نحو سينما بحرينية

تلفتوا حولهم، وفي جميع الاتجاهات فلم يجدوا سوى آلام وهموم تكاد لا تنتهي، جاءوا بقلوب نابضة مليئة بالحب، وعيون شابة يملؤها الحماس والأمل، وعقول واعية آن لها ان تمزق القيود التي تفرض عليها قسرا من الداخل او الخارج في محاولة لشل حركتها ولمنع عطاءاتها... جاءوا ليثبتوا للجميع انهم على رغم المعوقات التي وُجدت أو أوجدت قادرون على العطاء وبأبسط الإمكانات، وفي ظل أحلك الظروف.

الساحة السينمائية البحرينية شحيحة وفقيرة وتشتكي العوز منذ وقت ليس بقصير، والإنتاج القليل المتفرق لم يرتقِ لينال أي تميز أو شهرة... ولكن المحاولات لم تتوقف، وقلة الدعم الذي يكرره غالبية المشتغلين في هذه الصناعة المحلية المتواضعة لم يكن عائقا، فراح شباب قرية المعامير التابعة لسترة الأم يحاولون ويحاولون حتى انتجوا «المجهول»... لماذا المجهول؟ سؤال منطقي جدا، فقط يكون مصير هذا الانتاج الذي حاز بعض تميز هو المجهول أيضا، لكن التوصل إلى إجابة مقنعة تماما عن السؤال المجهول بقيت مجهولة، بيد أن ذلك لم يمنعنا من المضي للتعرف على ماهية «المجهول».

جعفر أحمد، حسن علي، جاسم مختار، حبيب دسمان الى جانب آخرين لا تسع المساحة لذكر أسمائهم من أعضاء فرقة المعامير الفنية... أسماء لوجوه واعدة ينتظرها مستقبل باهر، سواء اتيحت الفرصة (الرسمية) أم لم تُتح... مواهب ناضجة لم تتعهدها يد بالرعاية، إلا انها نشأت وترعرعت بفضل إصرار أصحابها وعزمهم واحساسهم المرهف بقضايا أمتهم، ورغبتهم الحقيقية في التغيير والمساعدة بكل ما تملكه أيديهم.

جاءوا هذه المرة ليقدموا لنا عملا، يأتي من صميم القرية، الكوادر من أبناء القرية، والمعالجة والنقاش جزء من نبض الحياة. معاناتهم ومعاناة قريتهم دفعتهم الى تجسيد حياة القرية على الشاشة الفضية، وبهدف ايصال رسالة صارخة «بأننا سطر مهمّش في أولويات السلطة». رسالة يختصرها مسئول العلاقات العامة في الفرقة يوسف المعاميري في فيلم «المجهول» الذي ينتظر عرضه في سبتمبر/ أيلول المقبل بعد عامين ونصف العام من العمل المتواصل، وهو العمل الذي يأتي تتويجا لعدة أعمال سابقة هي فيلم «الأعمى» و«عطية والقدر» اللذين لم يحالفهما الحظ في أن يقدما الى الجمهور، واللذين اعتبرهما أعضاء الفرقة الانطلاقة الحقيقية، إلا ان فيلم «المجهول» - بحسب أصحابه - استثنائي في مضمونه، إذ يوغل في عرض تناقضات القرية ومشكلاتها، وهو «استثنائي في أدائه لأنه يتلمس الدقة في تفاصيله سواء في الصورة أو في الأداء، ولاتساع قدر المشاركة فيه من حيث عدد الممثلين».

«الوسط» التقت مخرج الفيلم جميل أحمد ومجموعة من ممثليه لالقاء الضوء على هذا العمل إيمانا منها بأهمية إبراز الجهود الشبابية ودفعها الى الأمام، تحدث جميل عن قصة الفيلم وعما يشير إليه عنوانه، فالمجهول في هذا الفيلم كما يقول جميل يشير الى عدة أمور قد تكون قضايا أو شخوصا، والقضايا التي تتعرض لها القصة هي قضايا صغيرة، ومهمشة يضخمها المجتمع لتتحول الى مشكلات كبيرة يجب حلها.

«كذلك الشخوص التي تنتمي الى المجتمع ذاته الذي تتضرم فيه سلبيات كثيرة كالقيل والقال، والاهتمام بالأمور الهامشية ما يلقي بثقله على الأشخاص الذي يظلمون بعضهم بعضا، وفي النهاية يدرك المجتمع أنه تعدى على أبنائه ولكن حين لا ينفع الأسف».

- المحير هنا هو أن مفردة المجهول تذهب الى معانٍ كثيرة كالغضب والخوف والعتمة، فكيف يمكن تفسير هذه المفردة في النص؟ وهل هناك مقاربة بين ما يحيل إليه معناها وبين الحوادث؟

يرى جميل ان العنوان يختزل جميع المواقف والأفكار التي يجيش بها النص، وهو يتمثل في القضايا المبهمة التي تلح على الشخوص جراء إقصاء المجتمع لهم، وكل ذلك يؤدي بهم الى نهاية غير واضحة المعالم.

- ماذا عن الاشكالية التي يطرحها الفيلم؟ وهل تفضي الى فرضيةٍ ما تخلُص اليها الحوادث في النهاية؟

يجيب جميل قائلا: «إن الفيلم يعالج القرية وتناقضاتها، ولكنه ينسحب على المدينة أيضا. ولذلك فإن الإشكالية فيه هم الناس الذين اصطنعوا المشكلات لأنفسهم، والذين يلقي الفيلم عليهم اللوم مع تتابع الحوادث، وفي الوقت نفسه يضع لهم بعض التبريرات إيمانا منا بأن الظروف قد تجبر الانسان على اختيار الجادة الخاطئة إلا انه سرعان ما يعود».

ويضيف جميل: «الفيلم يجعل من الإرادة والعزيمة الفيصل في صمود انسان وانهيار آخر، فهنالك شخصيات صمدت وقاومت في حين انساقت اخرى الى مستنقع الجريمة».

التوقف عند هذه الفرقة التي لم تلفت أنظار الإعلاميين أوالصحافيين - ولو بشكل عابر - عرفنا أن عدد الممثلين جاء كبيرا ليتناسب مع عدد القضايا التي تطرح وحجمها، وقد جاءت معايير اختيارهم بسيطة ببساطة إمكانات الفرقة، فالمعرفة الشخصية بالممثلين ومدى استعدادهم للعمل والتعاون مع الفرقة، هما فقط معيارا الاختيار، وهكذا جاء غالبية الممثلين من منطقة المعامير ومن فئة الشباب. ولكن جميل يفاجئنا حين يخبرنا بمشاركة الممثلين الشهيرين الفنان الكبير سعد البوعينين ومحمد الحجيري في هذا العمل، فهما لم يترددا في المشاركة إيمانا منهما بالرسالة التي يقدمانها واقتناعا منهما بموهبة المشاركين فيه.

يواصل جميل سرد المفارقات ليخبرنا عن العناصر النسائية التي تشاركه في العمل لتبرز ثلاثة أسماء هي: سميرة عابد وفاطمة البصري وبشاير، في الوقت الذي يظهر فيه جميل امتنانه لمشاركة اثنين من سكان المعامير وممن يعتبرهما أساتذة في التمثيل وهما جاسم العصفور وعبدالنبي المعاميري، هذا الى جانب كثيرين ممن تألقوا في هذا العمل وممن لا يسع المجال لذكرهم، ولا يغفل جميل جهود أبناء القرية الذين ساندوهم معنويا منذ بداية انطلاقتهم والذين ساعدوهم بكل ما أمكنهم في هذا العمل حين جعلوا منازلهم مفتوحة لأعضاء الفرقة ليتمكنوا من اتخاذها مواقع لتصوير بعض المشاهد، في الوقت الذي عجزت فيه الجهات الرسمية حتى عن الاعتذار عن تجاهلها للكم الهائل من رسائل طلب الدعم التي بعث بها أعضاء الفرقة.

وفي استعراض لأشد الصعوبات التي واجهت انتاج الفيلم أبرز جميل المشكلة المادية التي لم تكن لتواجه مثل هؤلاء المبدعين لو كانت هناك خطة رسمية لتنمية هذه القدرات الشبابية بدلا من تجاهل نداءاتها، وهنا يتذكر جميل كيف توقف العمل لفترة طويلة بسبب عدم توافر مبلغ يمكّن الفرقة من شراء «كشاف» للإضاءة في تصوير المشاهد الليلية، هذا الى جانب الصعوبات المرتبطة بعدم وجود الوقت الكافي للتصوير إذ اقتصر على أيام العطل الرسمية، وظروف الطقس التي تعاكسهم كالرياح أو الأمطار أو الحر الشديد، ومن العوائق المهمة أيضا كان صعوبة ايجاد عنصر نسائي يقبل المشاركة في العمل، وقد شكل البحث عن هذه الطاقات مشكلة تطلّب حلها رحلة طويلة حتى وجدت الاستجابة من بعض الاخوات من خارج منطقة المعامير.

ويبرز في هذا العمل عدد من الوجوه من بينها جاسم مختار الذي يؤدي دور «عاشور» وهو أقرب اللصوص الى «نادر» الذي يلعب دور البطل، وبحسب حوادث الفيلم فإن عاشور ونادر هما من أفراد مجموعة تشكلت على اثر تهميش المجتمع لها، فاتخذوا من اطراف القرية ملاذا وبدأوا صنوف الأعمال الإجرامية وأهمها السرقة (...) وليست هذه هي المرة الأولى التي يؤدي فيها جاسم دور مجرم، ولكنه يعتقد انه قدم أداء أفضل وأكثر انسيابية هذه المرة.

وإلى جانب ذلك يتألق حسن علي يعقوب في دور «طاهر» الذي يمثل نموذج الشخصية المثقفة في المجتمع والتي تبحث عن حلول منطقية دائما وهو صديق «نادر» فيحاول ايجاد مخرج له من الورطة التي أوقع نفسه فيها.

يقول حسن متحدثا عن تجربته التي يراها متميزة عن سابقاتها واستطاعت ان تستفز طاقاته: «كنت أمثل أدوارا بسيطة وهامشية، ولكن الأمر اختلف هذه المرة. إذ أصبحت أكثر الممثلين أناقة ومنطقية، لقد عشت هذا الدور عمليا لاسيما وانني كنت مقبلا على فترة خطوبة ما سهل الأمور عليّ إذ انني كنت أحاول ان أكون نموذجيا في تلك الفترة».

وممن تألقوا أيضا حبيب دسمان الذي يؤدي دور «المطراش» الذي ينقل الأخبار من مجلس لآخر ما يعرضه لمشكلات كثيرة، وكغيره من الممثلين يؤكد دسمان ان تجربته هذه المرة مختلفة وفريدة، أما جعفر أحمد يعقوب الذي يؤدي دور «هاني» فقد كان متشائما من أداء هذا الدور، ولكنه بفضل توجيهات المخرج تمكن من التفاعل مع الشخصية، وتقديمها بالشكل الأفضل، ويؤدي جعفر أكثر من مهمة في انتاج الفيلم، فهو ممثل ومصور وفني للصوت والاضاءة حين تتطلب الحاجة، ولكن ذلك لم يشعره بوقوعه تحت اية ضغوط، بل انه ابدى استعداده لتحمل المزيد من المسئوليات إذا لزم الأمر.

فرقة المعامير الفنية، ليست الأولى من بين الفرق الفنية المحلية التي تُوأد أو يُراد لها ذلك، والتي كان منها - على سبيل المثال لا الحصر - فرقة قرية «القرية» الفنية التي قدمت فيلمي «من السبب؟» و«جور الزمن» اللذين حصلا على استحسان كل من حالفه حظ مشاهدتهما على المستويين المحلي او الخليجي، وقد أنتج العملان صيف العام 1994 وانتشرت نسخهما في البحرين ودول الخليج والفضل يعود الى جهود «غير رسمية».

لكن ما يميز فرقة المعامير الفنية انها من بين القليل من الفرق التي قاومت كل محاولات الوأد والتهميش تماما كما فعل بعض أبطال فيلم «المجهول».

بقي ان نقول إن فرقة المعامير تصور آخر مشاهدها على أمل عرض الفيلم في وقت قريب، ويأمل أعضاؤها ان يحصل عملهم على استحسان المشاهدين وقبولهم، وعلى نقدهم وآرائهم البنّاءة.

فرقة المعامير... نموذج من نماذج عطاء أبناء هذا الوطن المتواصل واثبات لطاقات شبابه الخلاقة التي تنتظر من يتعهدها بالرعاية

العدد 338 - السبت 09 أغسطس 2003م الموافق 10 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً