العدد 338 - السبت 09 أغسطس 2003م الموافق 10 جمادى الآخرة 1424هـ

بوب هوب: الطريق إلى قلب أميركا

رحيل نجم

في أواخر يوليو/ تموز الماضي فقدت الساحة الفنية في هوليوود والعالم بأسره ممثل الكوميديا ومقدم العروض الهزلية في المسرح والإذاعة والتلفزيون والسينما النجم الاسطوري بوب هوب، وذلك بعد أسابيع قليلة فقط من احتفاله بعيد ميلاده المئة. إذ كان بوب يعاني من التهاب رئوي أدى الى وفاته أثناء نومه في منزله في تولكاليك بولاية كاليفورنيا. ويعتبر ممثل الأفلام الكوميدي هذا من أعظم نجوم الولايات المتحدة الأميركية وقد احتفظ بروح دعابته حتى آخر أيامه فعندما سألته زوجته عن المكان الذي يرغب في ان يدفن فيه، رد هوب قائلا: «اريدك ان تفاجئيني».

وعلى رغم احتجاب الممثل عن الظهور منذ عقد كامل فإن أصداء تأثيراته على السينما وعلى الحياة العامة ظلت تتردد باستمرار، ففي عيد ميلاده الأخير في مايو/ أيار الماضي قام الرئيس بوش بإنشاء «جائزة بوب هوب الأميركية الوطنية» للمدنيين الذي يثبتون حبا غير اعتيادي لبلدهم، كما أقيمت الكثير من مراسم الاحتفال بهذه المناسبة منها اطلاق 101 بالون، وتسمية احدى ساحات هوليوود باسمه، وتسمية يوم ميلاده باسمه إذ أصبح يعرف باسم «يوم بوب هوب» في 35 ولاية أميركية.

اختلفت الآراء بشأن بوب هوب بشكل كبير، فمارلون براندو يطلق عليه اسم «مدمن التصفيق والاستحسان» أما وودي الين فيقول عنه إنه يملك إراداة قوية وبهجة حقيقية. وكما برع هوب في اطلاق النكات فإنه ألهم أجيالا من الكوميدين، وامتع ملايين من الناس، ورسم البسمة على شفاههم.

ولد الممثل في منطقة ايلثام بجنوب شرق لندن في العام 1903، ولكنه انتقل الى الولايات المتحدة في سن الرابعة، وهناك تلقى تدريباته على الرقص النقري ليصبح نجما كبيرا في القاعات الموسيقية وأصبح معروفا هناك باسم «ملك البارعين»، بعدها أصبح أحد الممثلين المفضلين لدى المشاهدين في الولايات المتحدة من خلال خمسين فيلما قدمها، كان من أهمها سلسلة أفلام Road to التي قدمها مع بينغ كروسبي بالإضافة الى الكثير من العروض التلفزيونية والاذاعية. قدم حفل جوائز الأسكار أكثر من أي شخص آخر، وبرزت شهرته على المسرح والإذاعة وعلى الشاشة كما أصبح صديقا مقربا لبعض الرؤساء الأميركين مثل كينيدي، نيكسون، فورد، وريغان.

كوّن ثروة ضخمة تقدر بنحو 500 مليون دولار أميركي، وقد ورد اسمه في موسوعة جينيس لحصوله على أكبر عدد من التكريمات يحصل عليها أي ممثل كوميدي في التاريخ إذ حصل على أكثر من 2000 جائزة منها وسام الشرف من الكونغرس الذي قدمه اليه الرئيس كينيدي ووسام الفروسية من ملكة بريطانيا في العام 1998، ولكنه لم يحصل أبدا على الجائزة التي طالما تمنى الحصول عليها وهي جائزة الأوسكار عن أدائه.

وقد تم الاحتفاظ بما يزيد على 89000 صفحة من نكاته التي تم جمعها وكتابتها من قبل فريق يتكون من 100 كاتب، وقد تبرع هوب بالكتاب الى متحف بوب هوب في مكتبة الكونغرس الأميركية.

تميزت كوميديا هوب بأنها تأتي في وقتها دائما وتعكس الحوادث الجارية والأخبار، وكان بوب سيد النكات التي تشكل تعليقات ذكية ولائقة والتي يصعب على الكثير من الممثلين الكوميديين والهزليين تقديمها. وبالنسبة الى الكثير من الأشخاص الذين ولدوا في الخمسين عاما الماضية فإن بوب هوب ليس شخصية مهمة فيما يتعلق بثقافة البوب الشعبية الأميركية بل على العكس من ذلك، فبوب كان معاديا لهذه الثقافة وكان لا يحب أسلوب الفكاهة الذي كان حينها أسلوبا حديثا، فهو يعتمد في فكاهاته على التلميحات بدلا من استخدام كلمات صريحة للإشارة الى موضوعات معينة كما يفعل الكوميديون الشباب في ذلك الوقت، ولكن بوب سبق اهتمام الثقافة الشعبية بآخر المستجدات. كان جمهوره هم جيل الحرب العالمية الثانية الذين لم يتزحزح عنهم أبدا. يقول عنه مات البروفيسور في كلية علوم الاتصالات بجامعة فيرجينيا التكنولوجية في بلاكهيرست ماكاليستر: «لم يكن أبدا يتعمد ان تكون فكاهاته لاذعة، بل كانت من النوع الهادئ الذي يحترم مشاعر الآخرين والتي كان أبناء جيله يتمتعون بها».

يعرف عن بوب قيامه بتسلية الجنود أثناء الحروب التي خاضتها أميركا بدءا من الحرب العالمية الثانية حتى حرب الخليج الأولى في العام 1991 إذ أصبحت زياراته تلك بمثابة طقس ثقافي، وربطت مشاعر الناس تجاه هوب دائما بمشاعرهم تجاه الجيش.

أثناء الحرب العالمية الثانية كان لجميع الأميركان حصة في الحرب فكان لكل عائلة ابن او اخ او والد يحاربون في أي مكان في العالم، وقد أكد هوب للجميع أن كل شيء كان يسير على ما يرام، وهكذا رفع معنويات القوات المقاتلة.

ولكن في فترة حرب فيتنام كانت الحرب بعيدة كل البعد عن مشاعر الناس، ولكن هوب استمر في دعم القوات المقاتلة وهكذا صنع من نفسه عضوا مؤسسا بين المعارضين خلال الستينات.

ومع حلول حرب الخليج كان جميع الجنود متطوعين للقتال، وكان معظم الأميركان لا يرون اية مصلحة خاصة لبلادهم في هذه الحرب التي استمرت لفترة قصيرة، ومع ذلك فقد ساهم بوب في هذه الحرب بتسليته للجنود وبدعم السياسات الأميركية. وعلى رغم كونه انجليزي الولادة، فإن المحاضر في قسم درسات الإعلام بجامعة ولاية بين، كيفن هاغوبيان يقول: «اعتقد انه كان يحب أميركا حقا، ففي بعض الأوقات أثبت فعلا كونه مواطنا صالحا، قد يسخر من بعض الهيئات الحكومية ولكنه لم يقف أبدا موقفا سلبيا من هذه الهيئات».

ولكن اذا بدا هوب اليوم للكثير من الناس أنه كممثل لمدرسة قديمة او ان نكاته لم تعد تضحك الناس، فيجب ان يتذكر هؤلاء انه كان فعلا شخصية تواكب آخر مجريات الحوادث في السينما الأميركية من خلال أفلام Road to.

وعلى رغم ان هذه الأفلام كانت تمتلئ بالألفاظ المبتذلة والتلميحات الجنسية السخيفة، فقد ساعدت في الواقع على ان تخلق انواعا جديدة من الأفلام التي ازدهرت بقوة حتى يومنا هذا وهي أفلام الأصحاب Buddy Movies وأفلام الطريقRoad Movies .

عرض فيلمRoad to Singapore في العام 1940، وهو الفيلم الذي تكرر أسلوبه في ستة أفلام أخرى قدمها بوب بعد هذا الفيلم. فلقد كان هوب وكروسبي يمران بوقت عصيب، لم يحصلا فيه على أي عمل وكانا على استعداد لتقديم أي عمل ما دفعهما الى العمل في أعمال تافهة، تمتلئ بالجنس والأبطال الأشرار، قضت على تألق هذا الثنائي. وقد كان هوب في هذه الأعمال دائما هو المهرج الذي تؤدي مطارداته للنساء المثيرات الى تعريض الاثنين للمخاطر، وفجأة ينقض كروسبي في نهاية الفيلم وينتزع فتاة هوب.

وعلى رغم حقيقة ان اي فريق كوميدي كالثنائي لوريل وهاردي، يظهران معا في جميع الأفلام فإن هوب وكروسبي بدءا منفصلين ثم التقيا في أفلام الطريق هذه، وهي الأفلام التي كانت ذات شعبية كبيرة في ذلك الوقت، الى درجة ان شركة Paramount انتجت سبعة من هذه الأفلام في خلال سبعة أعوام.

وفي الوقت الذي لم يحصل فيه هوب على أي جائزة أوسكار عن أدائه فإنه تسلم الكثير من الجوائز التشريفية. كما انه قدم بعض الأعمال الكوميدية الرائعة التي لم يشاركه كروسبي فيها مثل The Paleface(1948) The Lemon Drop Kid (1951) Son of Paleface (1952) My Favorite Blonde (1942) Princess and the Pirate (1944).

كما حاول هوب أيضا تقديم بعض الأدوار الجادة، ففي العام 1957 قام ببطولة فيلم Beau James الذي يتناول السيرة الذاتية لرئيس بلدية نيويورك المشتهر بفساده في فترة العشرينات جيمي والكر. وعلى رغم انه قدم أدء جيدا في هذا الفيلم فإن الفيلم لم يحقق نجاحا كبيرا، ولذلك عاد هوب مرة أخرى الى الأدوار الكوميدية.

ولو أردنا أن نتعرف على حجم عطاءات هوب في أفلامه يكفي ان نعرف ان أول فيلم سينمائي قام ببطولته وهو فيلم Broadcast of(1938) كان من انتاج W.C.Fields وفي أحد آخر أعماله على الشاشة التي قدمت في العام 1979 ظهر مع الضفدع كيرمت «الشخصية الشهيرة من برنامج شارع السمسم» إذ مثل في فيلمThe Muppet Movie .

ربما يكمن مجد بوب هوب الحقيقي في أقدميته فهو الأب الأكبر لبرامج التسلية، والاسطورة الحقيقية الذي وضع على المسرح شاشات صغيرة وكبيرة، في مهنة استمرت سبعة عقود.

يقول ماكاليستر: «في هذا اليوم، يعتبر بوب هوب نجم كل الفنون فهو نجم الفودافيل، والأفلام، والتلفزيون، والراديو. كم من مقدمي التسلية يستطيع القول إنه أثر في حياة الناس من خلال وسائل الإعلام المختلفة... للأسف لا يوجد سوى واحد فقط هو بوب هوب»

العدد 338 - السبت 09 أغسطس 2003م الموافق 10 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً