على نحو محيّر، جدد الرئيس الأميركي جورج بوش تأكيده ان «الجدار الأمني» الذي تبنيه «إسرائيل» في الضفة الغربية يعتبر «مشكلة»، وقال بوش: «اننا نتحدث إلى الإسرائيليين بشأن جميع أوجه السياج. اعتقد اني سبق ان قلت ان السياج يعتبر مشكلة»، وكان بوش يتحدث وإلى جانبه وزير الخارجية كولن باول. أما الحيرة فتكمن في ان الرئيس الأميركي كان اعتبر بناء السياج الأمني الذي وصفه بالجدار «مشكلة» عندما استقبل في البيت الابيض نهاية يوليو/ تموز رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس لكنه لم يكرر الكلمة نفسها عندما استقبل بعد أيام رئيس وزراء «إسرائيل» ارييل شارون. في أية حال، نفت إدارة بوش تكرارا عزمها الإقدام على أي إجراء لحمل «إسرائيل» على التراجع عن بناء الجدار العنصري، الذي أثار ويثير الكثير من الجدل لما قد يشكل من عقبة في مفاوضات الوضع النهائي وخصوصا في موضوع الحدود النهائية للدولتين اللتين خصهما الرئيس الأميركي بـ «رؤيا» يجهد لوضعها حيز التنفيذ لاسيما انها قد تنعكس إيجابا على الوضع الأميركي المعقد في العراق، كما على معركة بوش للانتخابات الرئاسية.
وفي السياق، نقل جيمس بينيت في «نيويورك تايمز»، عن مسئول إسرائيلي رفيع المستوى، انه اعترافا بالمخاوف الأميركية مما قد تتسبب به إقامة أجزاء من السياج الفاصل، الذي تنوي الحكومة الإسرائيلية إقامته، فإن الدولة العبرية وافقت على عدم استئناف بناء هذه الأجزاء إلى أن يتم التوصل إلى تسوية مع إدارة بوش. لكن بينيت، نقل عن مسئولين إسرائيليين ان «إسرائيل» قررت قبل معارضة الأميركيين للسياج، أن تؤخر عملية بناء جزء منه في مستوطنة آرييل. ولاحظ بينيت، انه على رغم ان بوش اعتبر ان السياج الفاصل مشكلة، فإن المسئولين عينهم قالوا ان إدارة بوش لم تعارض قيام السياج من حيث المبدأ وإنما أعربت عن مخاوفها من بعض أجزاء السور، وخصوصا تلك الموجودة في آرييل.
وللكاتب الإسرائيلي آري شافيت في «هآرتس» وجهة نظر في موضوع الجدار العنصري، إذ يقر بأنه فعلا ثمة أمر مريب في السياج الفاصل، فهو يقضم الأراضي ويحاصر شعبا بكامله. وهو يحد من الحريات ويقضي على حق أي فرد في التنقل لشراء حاجاته. ويعتبر شافيت، أيضا ان مبدأ السياج الفاصل، هو مبدأ قائم على التمييز. لكنه يستدرك فيقول ان السياج مهم لكن ليس لضمان أمن «إسرائيل»، كما يقال، ولا لأن ما يدفع إلى إنشائه أسباب سياسية، وإنما لأن هذا السياج يحدد، وللمرة الأولى، مدى السيطرة اليهودية على أرض «إسرائيل». فهذا السياج يحدد السيادة الإسرائيلية. وقال شافيت: ان المسئولين الإسرائيليين يرفضون الاعتراف بأنهم يقيمون السياج لترسيم حدود دولة «إسرائيل»، ويصرون على انه لدوافع أمنية. وقال ان طريق السياج، ليست طريقا للسلام. فإذا كان لابد من الحديث عن سلام، لابد من العودة إلى حدود 1967، ولابد في بادئ الأمر أن يعترف الفلسطينيون فعلا بحق «إسرائيل» في الوجود على انها دولة يهودية، وأن يتخلوا عن حق العودة. وأضاف الكاتب الإسرائيلي، انه لاشك في ان السياج قاس ولكن بعد أن يقام سيكون من الأفضل عدم تدميره لأنه سيكون السبب وراء ظهور هوية خاصة بكل من الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني الموجودين على جانبي السياج الفاصل.
لكن في المقابل، بدا ان هناك وجهة نظر أميركية وضعت معايير لـ «الجدار» المثير للجدل، فهو قد يشكل على المستوى الاستراتيجي «خطرا» على أمن الدولة العبرية وقد يربط مصير «إسرائيل» بما تؤول إليه العلاقات الفلسطينية ـ الأردنية المرهونة بدورها بمدى نجاح أحد الطرفين - الأردني من جهة، والفلسطيني من جهة أخرى - في السيطرة على الآخر! ففي مقال تحت عنوان «جدار شارون»، لفت جورج فريدمان في غلوبل إنتلجنس (مركز الدراسات الاستراتيجية والجيوسياسية) من على موقع المركز على الإنترنت، إلى انه في محاولة منها لدرء خطر ما أسماه الاعتداءات الفلسطينية ضدها، تسعى «إسرائيل»، جاهدة إلى إقامة جدار يفصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لكن فريدمان رأى انه حتى يحقق الجدار الهدف الذي شيِّد من أجله، وهو الحفاظ على أمن الدولة اليهودية، لابد من توافر عناصر كثيرة في هذا الجدار. وقال فريدمان انه، من الناحية التقنية، لا مشكلة أبدا في إقامة الجدار الفاصل، ولكن المشكلات تكمن في الناحيتين: السياسية والعسكرية لهذا الجدار. وأضاف ان مشكلة السياج الفاصل هي انه:
إذا كان لابد من أن يكون فاعلا فيجب أن يكون فاصلا بشكل تام وكامل، أي لا يسمح لأي كان بأن يعبره.
إذا تم عزل الدولة الفلسطينية فهي ستطور علاقاتها مع الأردن، لا بل انها ستعتمد عليها بشكل كبير، ما قد يؤدي إلى الإطاحة بالنظام الهاشمي، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى نشوء تهديد استراتيجي لـ «إسرائيل».
وإذ ذكر فريدمان، ان الهدف الرئيسي الكامن وراء إقامة السياج هو الحفاظ على أمن «إسرائيل»، رأى ان المشكلة هي ان «إسرائيل» قد تتمكن من السيطرة على عملية بناء السياج لكنها لن تتمكن من السيطرة على سير الحوادث وتطورها بعد بناء السياج. وقال فريدمان ان أمن «إسرائيل» قد يصبح متعلقا، إلى حد كبير، بالقرارات التي يتخذها الفلسطينيون. ومن هنا رأى ان مسألة إنشاء السياج تشكل معضلة أساسية استراتيجية لـ «إسرائيل». وختم بالقول ان الحكومة الإسرائيلية تسعى جاهدة كي يكون هذا السياج ضمانة لمستقبل أفضل للإسرائيليين بعيدا عن متناول أيدي الفلسطينيين، لكن الحقيقة هي ان ما يقوم به الفلسطينيون سيبقى ذا تأثير كبير على أمن «إسرائيل»
العدد 338 - السبت 09 أغسطس 2003م الموافق 10 جمادى الآخرة 1424هـ