لا أعتقد أني الصحافي العربي الوحيد «المضطر» إلى تسلم بريد إلكتروني من «المشروع الإسرائيلي»، وهو مشروع يدّعي أنه «عبارة عن منظمة دولية لا تهدف للربح، وتسعى إلى تلقين الصحافة والرأي العام عن إسرائيل من خلال الترويج للأمن، الحرية والسلام»، ويضيف أنه «يزود الصحافيين، القادة وصنّاع الرأي العام بمعلومات دقيقة حول إسرائيل». ويؤكد بأن المشروع «غير متعلق بأي حكومة أو وكالة حكومية».
إن استخدامي لكلمة «مضطر» للتأكيد على عدم اشتراكي في مراسلة هذا المشروع، ولا أعرف كيف استدل على بريدي الالكتروني ليرسل باستمرار وجهة نظر «إسرائيل» في القضايا الفلسطينية والعربية والإقليمية، لكن في ظل الشبكة الإلكترونية تبقى مسألة التحكم بالاشتراك من عدمه قضية نسبية في ظل الكم الهائل من المرسلين والمتلقين.
لا نريد هنا التشكيك بما يعلنه المشروع - الذي يصدر نشراته بثلاث لغات إنجليزية وعربية وفرنسية - عن حياديته وعدم ارتباطه بأية جهة رسمية، برغم أن نشراته تنقل بشكل فاعل وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية في القضايا الدولية والمتعلقة بشئون غير اليهود في «إسرائيل»، بل نريد أن نبحث مسألة عدم وجود جهد عربي أو إسلامي يوازي هذا الفعل الإسرائيلي الإعلامي لإقناع المثقفين وقادة وصنّاع الرأي العام في العالم.
يحاول المشروع الإسرائيلي في كل رسائله الالكترونية التي تتضاعف مع كل تهديد سياسي أو إعلامي تتعرض إليه «إسرائيل» إلى إقناع أكبر عدد ممكن بوجهة النظر الحكومية، فخلال الحرب الإسرائيلية على غزة كان المشروع يصدر نشرات شبه يومية لتبرير الحرب، وكان يحصي عدد ما يسميهم المشروع بـ «المصابين بالهلع» من الصواريخ الفلسطينية، ولا يتحدث عن مئات الأطفال والنساء الذين كانوا يقتلون في تلك الحرب. كما كان للمشروع دور واضح في الدفاع عن وجهة النظر الإسرائيلية بشأن «تقرير غولدستون» الذي أكد قيام «إسرائيل» بارتكاب جرائم إنسانية ضد الشعب الفلسطيني في غزة.
عندما نتحدث عن الجهد الذي يبذله المشروع الإسرائيلي في الدفاع عن وجهة نظر الحكومة والجيش في «إسرائيل» لا يقابله أي جهد شعبي أو فردي عربي لتوضيح ما تقوم به «إسرائيل» من انتهاكات واضحة، ولا نجد أية محاولة جادة للتأثير على الرأي العام الإسرائيلي والغربي بشأن ما يجري من حصار مستمر على غزة أو استمرار الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس أو هضبة الجولان السورية أو مزارع شبعا اللبنانية.
قد يكون المشروع ناجحا عند الرأي العام الغربي، لكننا لا ندعي أنه ناجح عندنا بالمستوى نفسه في إقناع الرأي العام بوجهة النظر الإسرائيلية، وخصوصا أنه مازال يتحاشى الآراء المعارضة في «إسرائيل».
إن هذا الفعل الإعلامي الممنهج يستحق الانتباه على مستوى المنظمات الإعلامية في العالمين العربي والإسلامي؛ لأنه يعكس مدى سعي «إسرائيل» لاستغلال كل وسيلة للوصول إلى أوسع نطاق إعلامي.
«المشروع الإسرائيلي» حلقة في سلسلة طويلة من مشاريع أخرى بدأت منذ السعي لتأسيس دولة إسرائيلية في فلسطين، لكن بالمقابل لا يوجد أي مشروع عربي أو إسلامي يثير الانتباه حتى وإن كان بالاسم فقط.
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 2656 - الأحد 13 ديسمبر 2009م الموافق 26 ذي الحجة 1430هـ