العدد 2656 - الأحد 13 ديسمبر 2009م الموافق 26 ذي الحجة 1430هـ

هاشمي رفسنجاني والقرار الصعب... هل يَخْتَار أم يُخيَّر؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أن تَخسَر إيران مير حسين موسوي فلا تَبَّ في ذلك أو أَسَف. ولكن حين تخسَر شخصا كـ «هاشمي رفسنجاني» فإن ذلك يعني أنها فعلا خَسَرَت؛ والسبب أنه جزء من هويتها وتاريخها، وأحد أهم قوائمها، وأيضا جزء من اعتدالها وتشدّدها وتسوياتها وأزماتها.

قبل يومين تحدثت عن الوضع السياسي لهاشمي رفسنجاني الآن. سَرَدت ما أعْمَلَه بحقّه المتطرفون من الإصلاحيين طيلة ثمانية أعوام بعد مجيئهم للسلطة (1997 - 2005). واليوم أتحدّث عما يفعله بحقّه فصيل من المحافظين. وفي كِلا الأمرين تظهر النتيجة والضّحية ذاتها.

ولكي أصِلَ إلى ربط رأس الموضوع السابق باللاحق، يتوجّب القول بأن جزءا من الطبقة السياسية «الحزبية» الإيرانية من الذين كانوا يُشهرون به، نراهم اليوم يُدافعون عنه، وأغلبهم من تكتّل «روحانيون مبارز» وهم أنصار خاتمي وموسوي وكرّوبي، وذلك بهدف الاستناد عليه في معركتهم الحالية مع المحافظين المتشدّدين.

أما الآخرون في جبهة المشاركة فإنهم لايزالون يقفون على مسافة «تشوبها الرِيبة». ولكلّ ملاحظ ومراقب لتجمّعات الإصلاحيين العامة والخاصة سليحظ أنه لم تُرفَع صورة واحدة خلالها لرفسنجاني، أو يُهتَف باسمه، كما يجري لموسوي أو كرّوبي، ذلك أن إفساد العقول والقلوب ضدّه قد اكتمل.

لكن الأهم من كلّ ذلك أن التركيبة السياسية المتعاطية مع هاشمي رفسنجاني اليوم في إيران أصبحت كالتالي: جزء من المحافظين معه (مركزيّة روحانيت مبارز) والجزء الآخر ضدّه وبشدّة (جماعة التعميريين النجاديين).

وكذلك الحال بالنسبة لأجزاء الإصلاحيين. فروحانيون تؤّيده «تكتيكيا» لاستفادتها من مواقفه تجاه أحمدي نجاد. وجبهة المشاركة ومجاهدي الثورة الإسلامية يتعاطون معه على أنه إرث النظام الذي يجب أن لا يُركَن إليه إلاّ في الاستثناءات القصوى.

وأمام هذا الانقسام تجاه الرفسنجانية وحولها وبشأنها، يبدو أن الجميع صار يستهلكها للضرورة فقط، دون أن يُدركوا بأن هذا الاستهلاك قد وصل إلى حدّه الآن. خصوصا وأن الرجل وهو في هذا السّن (75 عاما) وبعد صراع مع قوى ثورية شابّة أكثر تمنّعا لم يعُد يمتلك أكثر مما أُخِذَ منه.

يعتقد هاشمي رفسنجاني (ومعه كثيرون) بأنه وَضَعَ لَبِنَات الإعمار الاقتصادي لإيران ما بعد الحرب. لكن وعندما جاء خاتمي في منتصف العام 1997 اعتنى بالتنمية السياسية وأهمل التنمية الاقتصادية التي كانت في أقصى درجاتها.

وعندما جاء أحمدي نجاد إلى الحكم في العام 2005 قَلَبَ كلّ شيء في إيران فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية. زاد من التأميم، ووسّع التأمين، ورَفَعَ منسوب الرواتب الشهرية والتقاعديّة، ووزّع الأراضي الزراعية، والأراضي السكنية (75 في المئة من الأسَر الإيرانية تسكن بيوتا تملكها، و25 في المئة منها في بيوت مستأجرة).

كان ذلك المنهج الاقتصادي النّجادي (وقبله الخاتمي) قد أعطى الانطباع بأن ما أقامه رفسنجاني لم يكُن سوى حقبة لم يُبنَ عليها. بل الأكثر بأن كلا التطرف في الجانبَين لم يكن يُحِط إخفاقاته إلاّ بتداعيات الحقبة الرفسنجانية.

اليوم تكمُن المشكلة في إيران بالنسبة لهاشمي رفسنجاني في التالي: إن أعداءه الإصلاحيين في السابق كانوا في نفس الوقت أعداء للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله خامنئي. أما اليوم فخصومه من المحافظين النجاديين قريبون من المرشد.

الأعداء الأوَل خلال حقبة التسعينيات كانوا مهيمنين على البرلمان السادس وأجزاء من السلطة التنفيذية. أما الخصوم الحاليون فهم مُسيطرون على البرلمان الثامن وكلّ السلطة التنفيذية.

الأوَل كانوا أعداء للحرس الثوري والباسيج. أما الحاليون فهم حلفاء وجزء أصيل من الحرس، بل إن أغلب أعضاء حكومة أحمدي نجاد هم منتسبون كبار سابقون في الحرس. الأوَل كانوا أندادا للمؤسسات الرقابيّة (مجلسا الخبراء والصيانة). أما الحاليون فليست لديهم مشكلة معها.

الأوَلون كانوا في صِدام مع المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية غير المرئيّة في إيران، كمؤسسة الإمام الخميني للإمداد (تبلغ موازنتها 7 مليارات دولار)، ومؤسسة الشهيد (تبلغ موازنتها 12 مليار دولار)، والمستضعفين، وجهاد البناء. أما أعداؤه الحاليون فهم حلفاء لها.

الأوَل كانوا في صراع دائم مع الحوزة العلمية (المحافظة) في مدينتي قم ومشهد بسبب تساهلهم (أي الإصلاحيين) في البرامج الثقافية وعدم ضبط الالتزام الشخصي في الطُرُقات، أما الحاليون فهم على علاقة وطيدة بها، حتى ولو دخلوا معها في خلاف بشأن السّماح للإيرانيات بحضور الملاعب الرياضية المفتوحة، أو توزير ثلاث نساء.

هذا التركيب المُعقّد في الخصوم جعل مهمّته (أي رفسنجاني) أصعب. في المعركة الأولى كان الإصلاحيون مكشوفين، ومُرْفوع عنهم الغِطاء السياسي. وكانوا في مواجهة مفتوحة مع النظام ومؤسساته والحوزة العلمية والمراجع الدينيين الكبار، فكانت معاداتهم (أو إنهاؤهم) سهلة، ولا تحتاج إلى أدوات متعددة، أو حتى تحالفات.

أما في المعركة الحالية فإن المحافظين التعميريين النجاديين محميّون تحت ظلّ النظام الذي لا يطمح أكثر من عدم رفع الرّاية ضدّه. فضلا عن كونهم حلفاء له وليسوا في معركة معه، بل مع مكوّنات أخرى من النظام السياسي على شكل شخوص وليس مؤسسات ومن ضمنهم رفسنجاني، وبالتالي يصعب مواجهتهم فضلا عن تركيعهم.

هنا أصبحت القضيّة مُعقّدة أكثر. وذات توازنات حسّاسة ودقيقة. فالقوى التقليدية من التيار المحافظ داخل روحانيت مبارز والمؤتلفة الإسلامية والتي تحمي وتدعم تاريخيا هاشمي رفسنجاني أصبحت في موقف صعب وحائر أمام ما يجري.

فهي تعتقد بأن رفسنجاني جزء من مُكوّنها ومن الثورة، لكنها لا تستطيع إلاّ أن تنحاز إلى النظام وبقوّة أمام عَبَث الإصلاحيين بالأمن القومي، أو استخدامهم للشارع. وهو ما عقّد الأمور أكثر بالنسبة لرفسنجاني في خصومته مع أحمدي نجاد.

لذا، فإن الرجل حاول أن يضبط أمرَه كما السابق (الإمساك بالعصا من الوسط). وهو أن لا يضرب أعداء نجاد من الإصلاحيين أو يكشفهم؛ لأنهم حلفاء لعدو واحد، وفي نفس الوقت، يدعوهم إلى احترام الدستور والمؤسسات والنظام السياسي القائم وزاويته الدينية (ولاية الفقيه).

كما أقام لنفسه خطّا مُحدّدا في التعاطي مع أحمدي نجاد وحكومته، عبر التعامل معه في حدود ما يُوجبه الدستور. فلم يحضر تنصيبه الرسمي على اعتبار أن القانون لا يُوجب حضور رئيس مجمع التشخيص الذي يرأسه.

كما لم يُبرِق له ببرقيّة تهنئة شخصية، لكنه بعثها عبر البيان الختامي لمجلس خبراء القيادة السادس الذي عُقِدَ في 22 سبتمبر/ أيلول المنصرف عندما تمنّى «له التوفيق في تنفيذ توجيهات المرشد، وبذل الجهد في العمل بنصائح المراجع العظام والاستفادة من آراء النخبة المخلصة التي يستفيد النظام من دورها الواعي، والاهتمام بأجيال الشباب، والسعي لإيجاد نهضة عليمة».

في الجانب الآخر، فقد سَعَى رفسنجاني لأن لا يخلِط بين خلافه مع نجاد وتياره وبين النظام وهويته. وقد ظَهَرَ ذلك جليا في ذات البيان الأخير لمجلس الخبراء الذي يرأسه رفسنجاني عندما دَعم نظام ولاية الفقيه، واعتبرها «ركنا لاشكّ فيه».

كما انصاع للمرشد الأعلى آية الله خامنئي عندما ذكَرَ في البيان «يُعلِن مجلس الخبراء تجديد بيعته لآية الله خامنئي كزعيم للثورة الإسلامية، ودعمه الحاسم له من أجل استمرار المسيرة التي بدأها الإمام الخميني، واعتباره الخيار الوحيد لتولّي الزعامة، ولاشكّ أن تدابيره الحكيمة لإخماد نار الفتنة وأحداث ما بعد انتخابات رئاسة الجمهورية ومقاومته للتشكيك في صحة هذه الانتخابات تستحقّ الثناء».

في المحصلة، فإن المرحلة ليست مُعبّدة أمام الرفسنجانية. وهي تختلف عن كافة خلافاتها السابقة، سواء مع التيار الديني الراديكالي أو الذي ظَهَرَ على يساره قبل العام 2000. لكن مسارها المستقبلي بدأ فعلا، انحياز للنظام وتعايش حَذِر مع النجادية.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2656 - الأحد 13 ديسمبر 2009م الموافق 26 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 12:22 م

      خالد الشامخ: تحذير

      أنا أقول أحسن لكم لا تنتقدون النظام في أيران ، بكره تروحون زياره و يقطونكم في الحبس .

    • زائر 12 | 9:20 ص

      إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا

      المداخلات رقم 1 و2 و6 و8 و9 متشابهة في الالفاظ والاوصاف والنتيجة يعني المتداخل واحد

    • زائر 11 | 8:31 ص

      لا جديد .. فقط بروباجندة كالعادة

      الكاتب فقط يضيع القارئ في تفاصيل و technicalities و لعب و تطويع الألفاظ و التشبيهات. يعني لو السفارة الإيرانية في البحرين حبت تعين لها ناطق رسمي لن يجدوا أفضل من هذا الكاتب المحترم. كله تمام يا فندم! و الجبهة الداخلية متماسكة .. و لا تصدقوا اشاعات الأعداء و ما أدري ازدياد مستخدمي الانترنت بـ 900% و الأرياف صوتت لنجاد و الأغنياء لموسوي. بروباجندة مشين.

    • زائر 10 | 5:02 ص

      ردا على زائر 7

      و كيف عرفت ذلك؟ لأن ابوك و أمك و الشيخ اللي في المسجد علمك هالشيء؟ أنا اقول ان الإنسان لا يستطيع إلا أن يكون نتاج للبيئة التي هو فيها.. فلو تخرجت من الحوزة الأموية يمكن كان لك رأي مختلف و لو كنت على المذهب الأباضي أيضا راح يكون لك رأي مختلف. اذهب الى الهند و سترى بعينيك من يدرس تركيب الذرة و في نفس الوقت يعبد البقرة.. في النهاية هذا العالم لا يستطيع الخروج على قوانين بيئته بالكامل حتى و لو حاول تفسيرها و تطويعها حسب هواه.

    • زائر 9 | 3:21 ص

      رد على الزائر 2

      الصراع على السلطة ممكن؟! ولكن عن اي صراع على السلطة تتحدث بين علي ومعاوية وبين الحسين ويزيد؟؟؟!!! الصراع بين علي عليه السلام ومعاوية و الحسين الشهيد ويزيد .. ليس صراع سلطة بل صراع وحود وبعث للدين من جديد ، كما اخبر بذلك الحبيب المصطفى حتنما قال للامام علي عليه السلام لتقاتل على تاويل الوحى كما قاتلت على تنزيله.. صدق محمد الرسول الكريم ( ص)

    • زائر 8 | 3:11 ص

      ردي الذي لم تنشره الوسط مرة ثانية بعد التعديل

      الكاتب المحترم لا يهمه لا نجاد و لا موسوي و لا رفسنجاني. فالرئاسة في ايران محدودية الصلاحية و الحكم الفعلي هو للولي الفقيه و المؤسسات التابعة له مثل الحرس الثوري و الاستخبارات و القضاء الخ. هذا الكاتب اليوم متردد بين التماس الأعذار لرفسنجاني و بين تخوينه. موقفه سيتحدد عندما يحدد الولي الفقيه في ايران موقفه من رفسنجاني، ساعتها عندما تنتهي الحاجة لوجود شخص مثل رفسنجاني سترونه يخون و يسقطه كما يفعل اليوم لأبناء الثورة مثل موسوي و كروبي. و سلم لي على ديمقراطية ايران.

    • زائر 7 | 3:05 ص

      IRAN

      To read all the conditions of Europe after the French Revolution in order to be able to discover that the Iranian revolution better

    • زائر 6 | 2:35 ص

      الموقف الاخير

      على رفسنجاني ان يحدد موقفه مما يجري بكل وضوح ولا يترك الباب امام التأويلات فإما مع النظام الاسلامي والقائد او لا . ويريح ويرتاح

    • زائر 4 | 2:13 ص

      أفضل تحليل

      من افضل التحليلات التي قراتها عن موقف رفسنجاني منذ الانتخابات والى الآن
      شكرا للكاتب

    • زائر 2 | 1:10 ص

      يضحكني هالكاتب و مصطلحاته العجيبة الغريبة

      المتطرفين من الاصلاحيين! sounds like oxymoron
      اصحى يا حجي لا ثورة و لا بطيخ ... الموضوع موضوع صراع على السلطة و النفوذ ... كما هو حال بني البشر على مر العصور من هابيل و قابيل الى معاوية و علي و الزبير و الحسين و يزيد الخ الخ.

    • زائر 1 | 1:07 ص

      ايييه الثورة بدأت تأكل أولادها ... انشروا عاد!

      الحمد لله على جزيل نعمائه. من هالحال و أردى يا إيران. نهاية كل متغطرس مغرور الى مزبلة التاريخ و انشروا مو بس على حبيبتكم ايران ما ترضون

اقرأ ايضاً