في المشهد الفلسطيني، تتأكّد يوما بعد يوم خطّة العدوّ الاستراتيجية، والتي تقضي بفرض أمر واقع، أن لا مكان لفلسطين في الجغرافيا والسياسة، بل «إسرائيل» كدولة يهوديّة على كامل الأرض الفلسطينيّة المغتَصَبة، وخصوصا بعد قرار حكومة العدوّ القاضي بعدم إرجاع أيّ أرضٍ للعرب إلا بالاستفتاء، في تعقيد مسبق لنتائج أيّ مسار تفاوضيّ قد يفرضه المستقبل.
ويتأكّد ـ مع الأسف ـ أنّ العالم العربي والإسلامي غير معنيّ إلا بإعطاء العدوّ الغطاء الواقعي للاستمرار في مخطّطاته العدوانيّة على الفلسطينيّين والأمّة كلّها، في ظلّ انعدام الوزن الأخلاقي للعالم الذي يعتبر نفسه حضاريّا، ففي الوقت الذي يحاول فيه منع أيّ إدانة للإسرائيليّين بجرائم حربٍ مستمرّة، يُشرك ـ عبر الحلف الأطلسي ـ كيان العدوّ في دوريّاته البحريّة في المتوسّط، ويعمل على تذكية نار الفتن في أكثر من بلدٍ عربيّ، بهدف تأمين المناخ الملائم لتنفيذ العدوّ لخططه وتعزيز قوّته، كما أمّن ذلك سابقا لتثبيت وجود الكيان قبل العام 48 وبعده.
ولذلك، فلم يعد أمام الفلسطينيّين إلا العمل على وحدتهم الوطنيّة، وإطلاق المقاومة مجددا كبديل عن سياسة الانسحاق أمام العدوّ والاستسلام لمشيئته ومشيئة أميركا.
ومن خلال ذلك، فإنّنا نستطيع أن نفهم ما نشاهده في العالم العربي والإسلامي، من إذكاء لنيران الفتن والحروب، وتغذية الانقسامات الداخليّة، بدءا من اليمن الذي لا نرى تدخّلا عربيا وإسلاميا فاعلا لإطفاء النيران فيه، وخصوصا من الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، بل نلحظ مزيدا من صبّ الزيت على النار، في تعقيدات جديدة تُبقي الملف مفتوحا على الحرب والفتنة...
مرورا بالسودان الذي يعمل الاستكبار العالمي على ضرب وحدته واستقراره بهدف تحقيق أكثر من مكسب استراتيجي ضدّ العالم العربي والإسلامي مضافا إلى نهب ثرواته، وإدخاله في ملف التجزئة والتفتيت من الأبواب الواسعة، ليتكرّر المشهد الصومالي في بعض أجزاء السودان بطريقة وأخرى.
وصولا إلى العراق، الذي دخل في الأيّام الماضية في أوضاع خطيرة، من خلال قوى التكفير والجريمة التي لا تخدم سوى الاحتلال، وذلك في التفجيرات الوحشيّة التي حصدت مئات القتلى والجرحى في خمس تفجيرات في يومٍ واحد..
أما في لبنان، فإننا نعتقد أن الدور الأساس للمرجعيات الدينية والسياسية ينطلق من الحرص على حماية البلد، من خلال السعي لحماية وحدته السياسية والشعبية في الداخل، وتوظيف هذه الوحدة لمواجهة أخطار العدو القادمة من الخارج، والساعية لتقويض السلم الأهلي عبر جيش العملاء والمخابرات العامل لحسابه، والمتواجد على مساحة الوطن كله، وعلى مستوى الطوائف كلها.
إن المطلوب أن تنطلق وقفة وحدوية ثابتة وراسخة في الداخل، في مواجهة العدوّ الذي يلوّح بخيار الحرب عندما يتحدث عن انهيار القرار 1701، ولن يوقَفَ هذا الخيار الحملات السياسية الموجَّهة والمرسومة ضد المقاومة وسلاحها، بل توجيه الرسائل الحاسمة التي تؤكد له بأن البلد سينطلق كوحدة متماسكة على مستوى الحكومة والشعب لمواجهة أية حماقة قد يُقدم عليها العدوّ للهروب إلى الامام، أو لإعادة عقارب الساعة السياسية في لبنان إلى الوراء.
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 2654 - الجمعة 11 ديسمبر 2009م الموافق 24 ذي الحجة 1430هـ
تقى البتول
الله يخليك ياسيدنا الغالي فانت الذخر وانت السند