نُصوص الدبلوماسية القطرية لا تحتاج إلى تناص لكي تُرى على أنها ملمح رئيس في تحوّلات الميزان العربي. دبلوماسية تستحوذ على جزء مهم من ملفات الخليج. وزحزحة لدور مصر في المنطقة العربية. وفورة إعلامية خَبَريّة غير مسبوقة تقتل التنافس لدى الغير.
قطر يصلها بتل أبيب وصلٌ متين، لكنها أمتن وصلا مع حزب الله. هي حليف قوي لواشنطن، لكنها تشترك مع أعدائها في سياسة واقتصاد المنطقة، تُدير معهم وبهم إدارة أطراف الصراع وجمعها ولجمها والتوفيق بينها. إنها سياسة من نوع خاص وخاص جدا.
في الحالة القطرية مُفاضلة يجب أن تُميّز. فقطر لديها علاقة مع الكيان الصهيوني ومصر لديها علاقة أيضا. وقطر لديها علاقة مع الولايات المتحدة ومصر لديها علاقة أيضا بل وتتلقّى مساعدات سنوية يُقرّها الكونغرس.
لكن الأكيد ضمن تلك المفاضلة أن الدبلوماسية القطرية أليق من الدبلوماسية المصرية، على الأقل في الأزمة الأخيرة في قطاع غزّة. فقطر لم تتحوّل يوما إلى خصم بل إلى وسيط بين الأطراف. لكن مصر تحوّلت إلى خصم في لبنان الموالاة ضد المعارضة، وفي فلسطين مع فتح ضد حركة حماس.
بل إن دبلوماسيتها (أي مصر) امتدّت إلى محاور الصراع في المنطقة، بين خط الاعتدال العربي، وخط الممانعة للمشروع الصهيوني الأميركي. وكأنها بذلك تُحيي من جديد حلف الهوامش الذي كان موجّها ضد الحركة القومية واليسارية في الشرق الأوسط بعد حرب السويس.
وبالسّير في المفاضلة فإنني أقدّر الموقف القطري في إعماره لأربع مدن لبنانية بعد حرب تموز، ولا أقدّر الموقف المصري حين دعا جماعات من بعض قوى الرابع عشر من آذار لحضور مراكز تدريب داخل الأراضي المصرية للعمل ضد حزب الله!.
وأقدّر الموقف القطري في وصف حكومة رئيس الوزراء إسماعيل هنيّة بـ»الشرعية»، ولا أقدّر الموقف المصري حين وصف حكومة حركة حماس في قطاع غزّة بأنها إمارة إسلامية إيرانية إخوانية تُشكّل خطرا على أمنه القومي.
وأقدّر الموقف القطري في تجسير العلاقة مع دمشق والتنسيق معها لإقامة حيّزات أمنية وتسويات سياسية هادئة في المنطقة، ولا أقدّر الموقف المصري في رفع أسهم العداء للسوريين لدواعٍ لا تخدم الأمن العربي ولا مصالح دوله، وإنما تتماهى مع رغبات دولية فاضحة لقوى عظمى تسعى لمعاقبة سورية أمميا.
وأقدّر الموقف القطري في اعتبار إيران قوة رئيسية في المنطقة يجب إشراكها في حلحلة الملفات العالقة وتهشيم التخيّلات الصّنميّة بشأن استعدائها، ولا أقدّر الموقف المصري الذي تجلّى على لسان وزير الخارجية أحمد أبوالغيط الذي قال بأن مصر في حالة حرب مع إيران.
وأقدّر للموقف القطري نظرته السياسية لمأساة غزّة بتسمية ما تُعمِلُه آلة الحرب الصهيونية بـ»العدوان على غزّة»، ولا أقدّر لمصر موقفها من ذلك حين تدعو في مبادرتها إلى وقف «العمليات العسكرية» في القطاع.
اليوم يحفظ الموقف القطري لوجه الصراع العربي الصهيوني الرافعة الأقل ضررا من غيرها. هي بالتأكيد دون الطموح، لكنها أيضا أفضل الخيارات. بل إنها أسلمها وأصوبها وأقربها إلى العقل والمنطق. إنها قِيَم سياسية جديدة.
في أزمة غزّة الأخيرة أظهرت الأحداث أن هامشا من الإرادة يُمكن تفعيله ضمن إطار الدولة العربية ضد الخصوم. وأي دولة؟ في دولة خليجية كانت وإلى فترة غير بعيدة تعيش كغيرها من الدول العربية الصامتة.
الغريب بأن البعض العربي المعتدل لا يملك غير تعيير دولة قطر بحجمها الجغرافي والديمغرافي، متناسيا أن الدول ليست بالأحجام، فهي مقاسات لا تصلح في السياسة بقدر ما تصلح للقفاطين
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2330 - الأربعاء 21 يناير 2009م الموافق 24 محرم 1430هـ