جدّدت جمعيتا المنبر التقدمي و «وعد» دعوة الحكومة إلى الجلوس على الطاولة مع القوى السياسية المعارضة لحل ملف ضحايا التعذيب، وذلك في ندوة عقدت مساء أمس الأول (الأربعاء) في مقر جمعية «وعد» في منطقة أم الحصم، بمناسبة حفل إحياء ذكرى الشهيدين محمد غلوم وسعيد العويناتي.
وبدأ حفل التأبين بوقفة حداد لمدة دقيقة واحدة على روح الشهيدين.
وفي بداية الحفل، تقدم الأمين العام لجمعية المنبر التقدمي حسن مدن بإلقاء كلمة، جدّد فيها المطالبة بإغلاق ملف ضحايا التعذيب، داعيا «التنظيمات السياسية والشخصيات الوطنية إلى تحديد يوم موحد للاحتفاء وإحياء ذكرى كل شهداء الوطن منذ الخمسينيات من القرن الماضي مرورا بالستينيات والسبعينيات والثمانينيات وانتهاء بالتسعينيات، بحيث يعتبر هذا اليوم يوما وطنيا نؤكد فيه على أن ما وصلنا إليه من مكتسبات سياسية وديمقراطية وانفراج هو ثمرة التضحيات الجسيمة».
وقال في شأن ملف إنصاف ضحايا التعذيب: «تنفيذاَ لمبادئ العدالة الانتقالية وإنصافا للضحايا، فإن على الدولة إصدار قانون بتشكيل صندوق ضحايا وشهداء الوطن يتم من خلاله تعويض المعذبين والمعتقلين والمنفيين ماديا وتوفير دعم دائم لأبناء وأسر الشهداء كحق أصيل، أسوة بجميع الدول والمجتمعات التي حققت استقلالها وأنجزت برامجها الوطنية والديمقراطية عبر نضال وتضحيات ودماء الشهداء».
كما دعا حسن الحكومة إلى «إلغاء مرسوم بقانون رقم (56) الذي يحمي الجلادين من محاكمة عادلة ومصارحة، واعتذار وتعويض لضحايا التعذيب وجبر للضرر، لتعارضه مع الدستور والميثاق ومع كافة مواثيق حقوق الإنسان ومعاهداتها».
واقترح «تخليد أسماء الشهداء عبر تسمية الأماكن العامة والشوارع والمدارس والمدن بأسمائهم، وتشييد نصب تذكاري للشهداء وتدريس سيرهم للأجيال الصاعدة عبر مادة التربية الوطنية وحقوق الإنسان في مناهج التعليم».
وبمناسبة صدور المرسوم الملكي بإنشاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان ونظامها الأساسي الذي اشتمل على بعض المواد الخاصة بملف ضحايا التعذيب من الشهداء والمعتقلين والمنفيين والمتضررين من سياسات أمن الدولة، أكد حسن على «أهمية تطبيق معايير اتفاقية باريس في رئاسة هذه المؤسسة واختيار أعضائها بحيادية تامة ومن شخصيات حقوقية نزيهة، بل ومن مناضلين ذاقوا عذابات السجون والمنافي، وأن تكون أولى خطوات هذه المؤسسة - إذا ما كان يراد لها تعزيز مصداقيتها أمام المجتمع بقواه السياسية والحقوقية وأمام العالم - هي تشكيل هيئة الحقيقة والعدالة والإنصاف».
بعدها تحدث رئيس جمعية الشفافية البحرينية عبد النبي العكري، مستهلا حديثه بما تستلهمه القوى السياسية من أرواح الشهداء، قائلاَ في هذا الجانب: «إن الرسالة التي نستلهمها من نضال الشهيدين هي وحدة المناضلين ووحدة التيار الوطني».
وتحدث العكري عن العدالة الانتقالية أو ما يعرف بملف الإنصاف والمصالحة، موضحا أن المعارضة في البحرين كانت تطالب بحل هذا الملف قبل الانفراج السياسي.
وأوضح «كنا نتمنى طي صفحة الماضي بإنصاف الضحايا الذين نذروا أنفسهم من أجل ما أوصلنا إليه اليوم، خصوصا من بعد التصويت على ميثاق العمل الوطني من قِبل القوى المعارضة».
وأشار العكري إلى أن «السنوات الماضية غير كافية للقطيعة مع الماضي ولو على مستوى الإنصاف والمصالحة، موضحا بأن المغرب لم يحتج إلى كل هذا الزمن من أجل حل هذا الملف، على الرغم من أن المغرب شهد حربا ومحاولات انقلاب، إلا أنه تم إنصاف الضحايا، بل أطلقت تسميات لمعارضين على ساحات وشوارع تخليدا لذكراهم».
مؤكدا بأن البحرين مطلعة على تجربة المغرب، معبرا عن أسفه لصدور المرسوم بقانون رقم (56) الذي ألغى بعض إيجابيات مرسوم العفو الشامل.
وأشار في حديثه عن مرسوم العفو الشامل الذي اعتبر الضحايا مجرمين تورطوا في جرائم ضد الدولة، في حين أنه كان المطلوب من الدولة الالتفات إلى تضحياتهم، متساءلا: وإلا ما الذي أدى إلى هذا التحول الديمقراطي من دون هذه التضحيات؟
وقال: «إذا ما أتينا لتفنيد رأي الدولة التي اعتبرت هؤلاء الضحايا مجرمين، فإننا نشير إلى دستور مملكة البحرين الذي يجرم التعذيب وينص على معاقبة من يتورطون في ذلك، وهذه أكثر الجرائم التي حدثت في الفترة السابقة، والدستور يحرِّم النفي، في حين أن النفي مورس بحق المئات من العائلات؛ وعليه فإذا انطلقنا من الدستور فإن السياسات المتبعة هي ضد الدستور».
ومن ثم تطرق إلى «الالتزامات والاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها البحرين، ومنها اتفاقية مناهضة التعذيب التي تجرم بشكلٍ قاطع التعذيب، وتلزم الدولة بالاستماع للشكاوى وتعويض وإنصاف الضحايا، بل التحقيق في قضايا الإساءة أو المعاملة السيئة وغير الإنسانية».
وتابع: «هناك قضايا حملها المحامي عبدالله الشملاوي لضحايا التعذيب إلى القضاء إلا أنه تم رفض تسجيلها، وهو الأمر الذي يخالف ما تنص عليه تلك الإتفاقيات الدولية».
ولفت العكري إلى «العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي يجرم التعذيب وينص على المحاكمات العادلة التي لم تتوفر في محكمة أمن الدولة، مشيرا إلى أن البحرين ملزمة باتفاقية عربية لحقوق الإنسان، وقد دخلت حيز التنفيذ في العام 2007».
وفي جانب آخر أوضح أن «الخطاب السامي ينص على أن المواطنين متساوون، كما و يؤكد على الكرامة والحقوق والواجبات.
ونوّه العكري إلى أن قضايا إنصاف الضحايا هي من مسئولية الدولة، وأن المماطلة في ذلك لن ينسي القوى السياسية والأهالي لهذا الملف المهم.
كما لم يغفل الإشارة إلى مسئولية القوى السياسية والشعب بالنسبة لهذا الملف، معتقدا بأن الدولة لن تقوم بالاعتراف بهذا الملف، والشروع في إنصاف من تضرروا، إلا إذا ما واجهت ضغطا شعبيا وسياسيا شديدا».
ويرى المحامي حسن إسماعيل، في كلمته التي ألقاها بأنه «لتعزيز التحول الديمقراطي ولإنجاح التجربة الديمقراطية في البلد، فإنه لابد من معالجة ملف ضحايا التعذيب على أسس عادلة ومنصفة، وقد عقدت لهذا الغرض العديد من الفعاليات، كما تم نقل هذا الملف إلى المحافل الدولية الخاصة بحقوق الإنسان».
واعتبر إسماعيل «مرسوم العفو الشامل من أهم الأدوات التي صدرت لتدشين المشروع الإصلاحي، موضحا أن الهدف من المرسوم تحقيق الأمن والوئام الاجتماعي، إلا أن إصدار مرسوم رقم (56) الخاص بالعفو عمن مارسوا التعذيب والتنكيل بحق عامة المواطنين، شكّل صدمة كبيرة لكل المواطنين الذين ينشدون حل هذا الملف».
وقال: «إن عدم حل هذا الملف نال من الاستقرار الاجتماعي، مشيرا إلى أن جمعية المنبر تقدمت بالطعن على دستورية هذا المرسوم.
واستعرض إسماعيل عدد من المواد والاتفاقيات الدولية التي تتعارض والمرسوم، إذ أفاد: «يكفينا أن نقرأ ما جاء في اتفاقية مناهضة التعذيب في المادة (13) والتي تنص على أن الدولة تضمن لكل فرد يدعي بأنه تعرض إلى التعذيب بأن يرفع دعوى للسلطات، والمرسوم المشار إليه لا يضمن هذا الحق بل يعتدي عليه، كما أن المادة (14) من الاتفاقية تنص على إنصاف من يتعرض لأي ضرر، والمرسوم يتجاهل مثل هذا الحق، في حين أن هذه الاتفاقية بمثابة قانون ملزم للسلطات في البحرين».
واستطرد: «الغريب أنه في الوقت الذي تسعى فيه القوى السياسية لمعالجة هذا الملف، تستمر الاعتقالات ويستمر التعذيب، وتتمادى الدولة في إنكار ذلك، بل وتتباهى في المحافل الدولية في هذا الشأن، إلا أن حكم المحكمة الكبرى الجنائية الصادر في قضية قتل الشرطي ماجد أصغر، والذي أقر بوجود التعذيب يعتبر صفعة لمثل تلك الادعاءات ويكشف للجميع عن الحقيقة».
وبشأن الحلول المقترحة لمعالجة هذا الملف، قال: «إن معالجة جميع الملفات العالقة لن تتأتى من دون قوى مجتمعية ضاغطة ورأي عام شعبي ضاغط، ولن تكون هذه القوى الفاعلة مؤثرة من دون اتفاق بين القوى السياسية».
مستدركا «ولعل التحالف الذي يضم 11 مؤسسة أهلية للإنصاف والمصالحة قد يكون بداية، على أن لا يكون العمل موسمي».
وفي شأن الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان عقّب المحامي حسن إسماعيل: «نتطلع إلى أن يكون في الهيئة أعضاء لهم سمعتهم الطيبة والنزيهة حتى ينعكس ذلك على أداء ومصداقية الهيئة».
العدد 2653 - الخميس 10 ديسمبر 2009م الموافق 23 ذي الحجة 1430هـ