تناولت وسائل الإعلام بشكل واسع أزمة دبي، لكنها لم تعطِ فكرة صحيحة للجمهور عن حقيقة المشكلة، سوى كم هائل من الأخبار والتحليلات التي اختلط فيها الحابل بالنابل.
إذا ما هي المشكلة في دبي؟
لدى دبي شركات تعمل بشكل تجاري منفصلة عن الحكومة، وهذه الشركات عليها ديون، وطلبت من الدائنين تأجيل استحقاقين من القروض، هي، صكوك على شركة نخيل تبلغ 3.5 مليارات دولار تستحقق في 14 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وسندات تبلغ 2.3 مليار دولار على شركة ليمتلس تستحق في مارس/ آذار المقبل، ومجموع هذه الديون 5.5 مليارات دولار.
وطلبت مجموعة دبي العالمية التي تدير الشركات، من الدائنين تأجيل فترة السداد إلى 31 مايو/ أيار، مع حساب الفوائد، ولم يعترض أحد الدائنين على ذلك، وابدوا رضاهم وموافقتهم، فما المشكلة؟.
هل مجموعة دبي رفضت دفع الديون للدائنيين؟ أو أن دبي أجلت الديون بدون فوائد؟ أو رفض أحد الدائنين التأجيل؟ أو أن دبي أفلست وأصبحت الديون معدومة؟
بنك اتش إس بي سي البريطاني هو أكبر المدينين لشركات دبي، قال، إنه مستعد لتقديم المزيد من القروض، وإنه لن يتعرض لخسائر من ديون دبي.
مجموعة دبي العالمية تمتلك أصول تبلغ 950 مليار درهم (260 مليار دولار)، كما أن الأصول السيادية لحكومة دبي تبلغ 1.4 تريليون درهم (383 مليار دولار)، فهل هناك عجز لدى دبي في دفع القروض؟
إذاّ، لماذا لم تسدد دبي ديونها في وقتها؟ لأن دبي تتعامل مع الأمور بشكل تجاري بحت، وهيكلة الديون وتأجيلها حدث طبيعي في عالم المال والأعمال، تفعله الشركات والبنوك الاستثمارية.
إذا، لماذا كل القنوات والصحف الغربية والعربية تقول إن هناك أزمة في مالية دبي؟
يجيب رئيس لجنة الموازنة العامة لحكومة دبي ضاحي خلفان في قوله: «إن حكومة دبي لا تواجه مديونية مالية، ولكنها تواجه منافسة غير شريفة تتمثل في الإساءة للإمارة كي لا تكون حاضنة للمال والأعمال وجاذبة للاستثمارات الأجنبية التي وجدت في دبي مجالا خصبا للانتقال إليه والعمل فيه وتحقيق النجاح تلو الآخر».
نعم المستثمرون يتركون بلدانهم ويهجرونها ويأتون إلى دبي التي يرونها مستقبل المال والأعمال، فدبي أصبحت خطرا بالنسبة لهم.
السبب الثاني الأكثر أهمية، هو نجاح نموذج دبي الاقتصادي، حيث يعتبر أفضل نموذج. كيف؟ لأن الحكومة لم تتدخل في دعم أية شركة من شركاتها، بينما أميركا واليابان والدول الأوروبية كلها تدخلت سياديا لإنقاذ اقتصادها، ومن ماذا؟ من الأموال العامة، حقوق المواطنين. أمَّا دبي فلم تتدخل ورفضت دفع أية مبالغ من الأموال العامة، وهذا يعني أن نموذج دبي هو الأفضل. ولهذا كانت الحملة الإعلامية تسعى إلى الضغط على حكومة دبي وأبوظبي للتدخل كي يقولوا أن نموذج دبي فشل.
لكن دبي قالتها صراحة أنها لن تتدخل، وأنها لا تضمن ديون الشركات المملوكة لها. وهذا نجاح كبير للإمارة. على عكس الدول الأخرى التي تغطي خسائر الشركات من موارد الدولة وأموال الشعب.
كما أن هناك سبب آخر، وهو أن مجموعة دبي أطلق عليها لقب جديد وهو «الشركة التي لا تغيب عنها الشمس»، وهو اسم لبريطانيا، ويبدو أن بعض وكالات الأنباء أخذتها «الحميَّة الوطنية» لتقود حملة ضد دبي.
وقال تقرير لبوابة أرقام المالية: «يتمثل امتداد أعمال شركة دبي العالمية في كافة أصقاع الأرض بشعارها الذي يقول «الشمس لا تغيب أبدا عن دبي العالمية».
إذا لماذا انهارت الأسواق العالمية بعد قرار دبي بتأجيل ديونها؟
تقول كبيرة خبراء سياسات الاقتصاد الكلي في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادي «إسكاب» تيزيانا بوناباس: «دبي ليست أميركا حتى تهز مشكلاتها الاقتصاد العالمي».
فدبي العالمية طلبت تأجيل الديون يوم الأربعاء، وفي اليوم التالي (الخميس) كانت الأسواق الآسيوية كلها في انتعاش، ويوم الجمعة انخفضت، وزعمت وسائل الإعلام الغربية أنه بسبب ديون دبي.
منطقيا لو كانت ديون دبي هي السبب، لانهارت الأسواق الآسيوية يوم الخميس مباشرة لأن الإعلان كان يوم الأربعاء.
إذا ما سبب تراجع البورصات الآسيوية يوم الجمعة؟
إن هناك ارتباط وعداوة بين البورصات الآسيوية والأميركية والأوربية، فإذا أصاب البورصات الأميركية والأوروبية هبوطا مفاجئا، فالبورصات الآسيوية ستتراجع مباشرة في اليوم التالي.
الأسواق الأوربية يوم الخميس تراجعت بشكل درامي، والأميركية تراجعت يوم الجمعة، فمن الطبيعي أن تتراجع الأسواق الآسيوية يوم الجمعة.
لكن لماذا تدهور السوق الأوروبي والأميركي بسبب ديون دبي؟! هذا ليس صحيحا وفيه مغالطات كبيرة.
الحملة الإعلامية ضد دبي، خلقت الخوف، وساهمت بجزء في التراجع، ولكن السبب الرئيسي لتدهور الأسواق الأميركية هو تصريح الرئيس الأميركي باراك أوباما عندما أطلق شعار «أطعم جارك»، حيث قال: «إن 15 في المئة من الأميركيين وجدوا صعوبة في الحصول على طعام».
وهذا موضوع اجتماعي، لكنه يحمل دلالات اقتصادية خطيرة ومرعبة، ويعني عمليا أن الطبقة المتوسطة التي تحرك الاقتصاد الأميركي بها تفكك، وهو ما سيؤثر على القوة الشرائية وحجم إنفاق المواطنين الذي يشكل 70 في المئة من إجمالي الناتج الاقتصادي الأميركي.
فمن الطبيعي أن تتدهور الأسواق الأوربية يوم الخميس، والأميركية يوم الجمعة، والسلطات الأميركية تقول إن إنفاق المستهلكين يمثل أكثر من ثلثي الاقتصاد الأميركي. وتراجع الإنفاق يضرّ بالاقتصاد الأميركي.
في اليوم التالي (الجمعة) تراجعت البورصات الآسيوية، والأميركية، إلا أن الأوروبية ارتفعت.
ويوم السبت والأحد كانت الأسواق في إجازة، يوم الإثنين وهو أول أيام الأسبوع، تحسنت أسواق المال الأميركية والآسيوية والأوروبية، بسبب تقرير إيجابي عن حجم إنفاق الأميركيين تم نشره يوم الجمعة وانتشر بشكل أوسع يوم السبت.
والتقرير يقول «أنفق الأميركيون نحو 10.66 مليار دولار على التبضع خلال يوم الجمعة السوداء في متاجر التجزئة». وتعرف الجمعة التي تأتي بعد عيد الشكر في الولايات المتحدة بالجمعة السوداء، وتمثل بدء موسم مبيعات فترة عيد الميلاد.
ووفقا لما ذكرته صحيفة «وول ستريت جورنال» فإن هذا الرقم يزيد عما تم إنفاقه خلال الجمعة السوداء في العام الماضي بنسبة 0.5 في المئة. وتم جمع هذه المعلومات من خلال شركة «شوبر تراك أر سي تي» التي تتابع عمليات البيع في أكثر من 50 ألف متجر.
يذكر أن مبيعات العطلات تشكل ثلثين أو أكثر من الأرباح السنوية لتجار التجزئة.
ولماذا تدهورت الأسواق الخليجية خصوصا دبي وأبوظبي؟ هذا شيء متوقع فالحملة الإعلامية ضخمت الأمور بشكل كبير وأعطت موضوع تأجيل الديون دلالات سلبية، وكأن دبي أفلست وأن الحكومة تنصلت من ضمان هذه الديون.
وصورت الحملة الإعلامية الغربية أن الديون هي خسائر حتمية، وأن القروض التي قدمتها البنوك لشركات دبي هي خسائر حتمية، وخلقت حالة من الخوف. في المقابل أن دبي لم تقم بالرد على الحملة الإعلامية لتطمين الأسواق وتقديم المعلومات الصحيحة التي تفنّد المعلومات المغلوطة التي تروِّجها وسائل الإعلام.
والذين قاموا ببيع الأسهم في بورصة دبي وأبوظبي بأسعار متدنية هم مخطئون، وسيندمون على ذلك، عندما تتضح الأمور، وتعود الأمور إلى وضعها الطبيعي.
هناك شركات لا علاقة لها بمجموعة دبي العالمية تراجعت بالحد الأقصى، وهذا يعني أن التراجع ليس له علاقة بالديون وإنما بسبب الحالة النفسية التي خلقتها الحملة الإعلامية.
فمثلا: بورصة البحرين، وبورصة مسقط، كانتا مفتوحتين يوم الخميس الماضي، لكنهما تراجعتا بنسبة منخفضة جدا نحو 0.3 في المئة، و0.45 في المئة على التوالي.
ولو أن بورصتي البحرين ومسقط فتحتا يوم الإثنين أو الثلثاء، لتدهورت بشكل حاد بسبب الحالة النفسية المضطربة التي خلقتها وسائل الإعلام الغربية.
النتيجة من الحملة، تجيب عليها «سي إن إن» في تقرير تنقل فيه عن خبراء قولهم إن ما تم الكشف عنه من ديون لن يعيد الاقتصاد العالمي إلى الركود، لكنه ألحق ضررا بالغا بمكانة الإمارة كأحد المراكز المالية الرائدة في العالم.
إن وسائل الإعلام الغربية تعتقد أن التهويل من ديون دبي سيلحق ضررا بالغا بمكانة الإمارة كأحد المراكز المالية الرائدة في العالم.
إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"العدد 2652 - الأربعاء 09 ديسمبر 2009م الموافق 22 ذي الحجة 1430هـ
الحرب الاعلامية
اذن لماذا يسمى الاعلام اعلان حرب فمن هذت المنطلق فان اسرائيل بقوتها االاعلامية في الغرب دائما في انتصار والعرب في هزيمة وهذا ما ينطبق في حالة دبي ، فلماذا لانتعلم الحرب الاعلامية ولماذا امارة دبي حصل لها ما حصل الا بسبب هذا الاعلام القوي عندهم في حين ادبي لم تستطع الدفاع عن نفسه كونها لاتعرف الاعلام ولم يسعفها الاعلام العربي المريض فكيف بمريض يسعف مصاب من حالة طوارىء