على رغم أن الحج تجربة تقتصر على المسلمين فقط، يجد العديد من الحجاج أنه يؤثر كذلك على الأسلوب الذي يرون من خلاله العلاقات بين الأديان. وفي دراسة عنوانها «تقييم أثر الحج: الدين والتسامح في التجمّع العالمي للإسلام»، وهي دراسة أجراها مركز ويذرهيد للشئون العالمية بجامعة هارفرد العام 2008 على الحجاج الباكستانيين، وجد القائمون على الدراسة أن أداء مناسك الحج يزيد من رغبة الحجاج في التسامح والسلام تجاه الآخرين، مسلمين وغير مسلمين على حد سواء. وقامت الدراسة بمقارنة الفائزين والخاسرين في سحب يانصيب تستخدمه الباكستان لتخصيص تأشيرات الحج، وآراء الحجاج الشخصية.
تجمّع ابتداء من 25 نوفمبر/ تشرين الثاني ما يصل إلى ثلاثة ملايين مسلم من كافة أنحاء العالم لأداء مناسك الحج السنوية في مكة المكرمة. هذه الرحلة هي خامس أركان الإسلام، يتوجب على كل مسلم قادر جسديا وماليا أن يسافر إلى مكة المكرمة مرة واحدة على الأقل في حياته.
الحج هو رحلة الفرد، من الداخل والخارج، ضمن المجموعة. وتتضمن العملية التضحية بمصادر الراحة الإنسانية لتحقيق قرب روحاني ذو مستوى أعلى مع الخالق عز وجل وإيجاد رابط قوي مع بقية البشر.
الطهارة والسلام أمران رئيسيان في الحج. ويقول مشرّف زيدي، وهو كاتب عمود باكستاني لصحيفة ذي نيوز اليومية الإنجليزية، الذي أدّى مناسك الحج السنة الماضية، إن الإحرام شكّل جزءا ساحرا من الرحلة. الإحرام حالة جسدية وعقلية من الطهارة، يُعبّر عنه خارجيا بلبس أردية بيضاء خاصة. «لا تستطيع وأنت مُحرِم أن تفقد أعصابك أو أن تفعل شيئا يزعج سلامك الداخلي أو سلام من هم حولك»، يقول الزيدي.
يتوجّب على جميع الرجال المسلمين لبس نفس الثياب للدخول في هذه الحالة: ملاءتان من القطن الأبيض غير المُخاط. ويجب على النساء المسلمات لبس ثياب متواضعة تغطي أجسادهم ورؤوسهن، دون تغطية وجوههن. تُمثّل الثياب المساواة بين جميع الحجاج في عيون الله تعالى، بحيث تزيل الفروقات الناتجة عن الطبقة الاجتماعية أو الطائفة أو العِرق أو الجنسية، وهي تحاملات كثيرا ما تعكّر صفو قدرتنا على الحكم في عالم ما وراء الحج.
«قد يكون الحج أهم قاسم مشترك شاركْت فيه في حياتي»، تقول شيرين القشيري وهي مستشارة أميركية مصرية تقيم في فرجينيا، أدت مناسك الحج العام 2004. لقد طبع الحج «شعورا عميقا في التواصل مع أعراق وجنسيات ولغات وثقافات وتجارب متنوعة»، تضيف السيدة القشيري.
وينتهي هذا الشعور بالوضوح الروحاني والوحدة باختتام شعائر الحج، المعروف بيوم عرفات. في فجر ذلك اليوم، يتوجه المسلمون إلى جبل عرفات حيث ألقى النبي محمد (ص) خطبته الوداعية قبل 1400 سنة، وحيث يُعتقد أن الجميع سوف يجتمعون يوم القيامة. وأكد النبي (ص) يومها على أهمية التسامح والوحدة قائلا أن جميع بني البشر ينحدرون من آدم وحواء ولا فرق بين عربي وغير عربي إلا بالتقوى والأعمال الحسنة، وأن كل مسلم أخ للمسلم الآخر وأن المسلمين يشكّلون أخوّة واحدة.
يجتمع الحجاج المسلمون في ضوء هذه الروح معا في هذا اليوم ليصلّوا ويسعوا إلى التوبة. وهذه بالنسبة للكثيرين أكثر تجارب حياتهم تواضعا وطهارة.
يشكّل الوضوح الروحاني أثناء الحج تجربة شخصية، ولكنه ينعكس كذلك في رحلة جميع الحجاج، وهو انعكاس لكون أفكار مثل المساءلة الشخصية والتسامح والتواضع تشكّل خصائص عالمية للإسلام. إلا أن بعض هذه الدروس تُنسى أحيانا بعد انتهاء الإحرام وعودة الحجاج إلى حياتهم اليومية، كما أشار بعض الذين عادوا من الحج.
في عالم يسوده العنف وعدم التسامح، من الأهمية بمكان تبنّي دروس الحج من أجل التعامل مع هذه القضايا ورعاية احترام متبادل أكبر بين المسلمين وكذلك بين المسلمين وغير المسلمين. يجب تطوير شبكات بين الحجاج لإدامة شعور التسامح والمساواة الذي أوجده الحج، خاصة في ضوء نتائج الدراسة المذكورة آنفا التي تقول أن هناك احتمال قدرة 22 في المئة بأن يقول الحجاج أن الناس من أديان مختلفة متساوون. كذلك يتوجب على الحجاج المساعدة في تثقيف الآخرين الذين لم يكونوا جزءا من الرحلة، ويتصرفون كقادة داخل مجتمعاتهم ليأتوا بدروس رحلتهم إلى أوطانهم.
* مديرة الرؤية الاجتماعية، وهي ذراع الأعمال الخيرية لمؤسسة موارد إم إل محدودة المسئولية، وهي تدير كذلك مدوّنة CHUP! - تغيير الباكستان، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2652 - الأربعاء 09 ديسمبر 2009م الموافق 22 ذي الحجة 1430هـ