العدد 2652 - الأربعاء 09 ديسمبر 2009م الموافق 22 ذي الحجة 1430هـ

مشروع جماعي يقدم فنا متعالقا مع انشغالات الناس والمكان

«ثرثرة الأماكن»... جديد أنس الشيخ

كعادته دائما، يدخل الفنان أنس الشيخ، في لجَّة عميقة ولا يعود إلا محملا بدرر مختلفة، كما هي اشتغالاته السابقة، ولا يكفيه أن ينفرد بالسر ويطمره في دفائن ذاته، أو يحتفظ به لنفسه؛ بل لا يقر له قرار إلا أن يعمل ضمن مجموعة يبوح لها بالسر المكنون ويوزع الألق بينها، ويدلها على موضع النور الذي ربما لا يتراءى له إلا ضمن المجموع أو ربما هكذا يحمي ذاته ويسيِّجها بسياجات أصدقاء يكتشفون الفن ويصقلون الرؤية معه كما يشاء هو أو يشاؤون هم غواية أو هداية.

وهكذا يقف أنس هذه المرة مع أحد عشر فنانا ربما شاركه بعضهم الألق سابقا كما هو حال حسن الحايكي، ونور البستكي، وشذى الوادي، وبعضهم ربما يلتقيه للمرة الأولى في عمل مشترك كما هي زهرة خميس، وحسين يوسف، وحورية منصور، وفيصل خلف، وسيدعدنان جلال، ومروة رستم، وفاطمة المهدي، وسعيد منصور.

ويسرد الشيخ فكرة المشروع والتي «هي عبارة عن تقديم تجارب فنية ذات مضامين متنوعة، تقامُ صباح كلِّ يوم جمعة، في أماكن مختلفةٍ من البحرين، ولمدة لا تتجاوز الأربع ساعات، بحيث يتمُ إنجاز مجموعة من التجاربِ الفردية أو المشتركة، المرتبطة بتلك الأماكن. طبيعة هذه التجربة تعتبر مختلفة عن التجارب السابقة لمعظم المشاركين في هذا المشروع، ما أكسبهم خبرات جديدة، حيث اعتمدت التجربة على ما هو عابر وزائل وأدائي وتفاعلي وارتجالي ونقدي. وقد تم التعاون بين معظم أفراد المجموعة لتوثيق المراحل المختلفة لكل التجارب في جميع الجولات».

ويضيف الشيخ «ركزت الموضوعات الخمسة النهائية من أصل ثمانية والتي تم إنجازها في أيام الجُمع المتفرقة في عدة أماكن مفتوحة، خلال 11 أسبوعا تقريبا (ما بين شهر فبراير/ شباط ويونيو/ حزيران 2009) على البيئة بمفهومها الواسع، والتي تشمل البيئة الطبيعية والاجتماعية والثقافية والعقائدية والاقتصادية والسياسية والتكنولوجية وغيرها، ومدى تأثير وانعكاس كل تلك البيئات المتعددة والمتداخلة على حياة الفرد والمجتمع، وعلى وعيهم بما يجري حولهم، وآثارها على حاضرهم ومستقبلهم.

وعن غرض المشروع يشير الشيخ إلى « أنه يهدفُ إلى تقديم تجارب متعددة ومتنوعة ومستقلة، تكون منفتحة على جميع المجالات والاتجاهات والأفكار الفنية والعلمية والمعرفية، وخارجة عن أي تقييم لما أنجز من تجارب، ولكل فرد في المجموعة كامل الحق والحرية في تقديم ما يراه مناسبا، وبالطرق والأدوات والوسائط التي تسمح بتوصيل أفكاره، ضمن إطار الفكرة المتفق عليها، سواء ما بين جميع أفراد المجموعة أو بين البعض منهم. ويهدفُ المشروع أيضا إلى تشجيع التعاون والتفكير المشترك ما بين أفراد المجموعة، من خلال فتح باب النقاشات والحوارات لخلق حال من الوعي والتفاعل، واتخاذ المواقف المختلفة تجاه العديد من القضايا، والتعبير عنها عبر الممارسة الفنية»

ويتابع الشيخ «لقد تم إنجاز المرحلة الأولى من هذا المشروع الجماعي، وهو قابل للاستمرارية لأنه غير مقيد، لا بفترة زمنية أو مناسبة أو جهة معينة؛ بل تعتمد استمراريته على مدى رغبة وحماس ودافعية المجموعة، لمواصلة هذا المشروع وتطويره في المستقبل، وخصوصا أنه لا يعتمد ولا يبحث ولا ينتظر أيَّ دعمٍ مادي أو معنوي، سواء من الجهاتِ الثقافيةِ الرسمية، أو الخاصة أو غيرها من الجهات».

المشروع الأول

بقايا وأثر

الجمعة: 13-20- 27 مارس/ آذار 2009

المكان: ساحل البحر وما جاوره

المنطقة: قرية المالكية

تعرفُ البحرين سابقا في منطقةِ الخليج العربي ببلدِ «المليون نخلة» وذلك لكثرة وجود أشجار النخيل فيها، على رغم صغر مساحتها الجغرافية، والتي لم تكن تتجاوز سابقا الـ 620 كيلومترا مربعا قبل العام 1970، ففي العام 1981، زادت مساحة البحرين وأصبحت 665 كيلومترا مربعا تقريبا، بعدما كانت 620 كيلومترا مربعا. وفي العام 2007، اتسعت مساحة البحرين إلى أن أصبحت حاليا 741 كيلومترا مربعا تقريبا.

وبدأ مسلسلُ موت النخيل في عقد السبعينيات من القرن الماضي، لأسباب عديدة، منها عمليات التحديث السريعة بعد الاستقلال في شتى المجالات، وخصوصا في مجال الإسكان والعمران، وما صاحب ذلك من تواجد أعداد كبيرة من الشركات والعمالة الأجنبية، وما صاحب ذلك في زيادة الطلب الاستهلاكي الغذائي والمائي، وبالتالي تم استنزاف المياه الصالحة للشرب من خلال الاستخدام الجائر للمياه الجوفية ونضوبها.

بالإضافة إلى ذلك، التغير الذي حدث بشكل سريع، في النمط المعيشي للمجتمع البحريني، حيث تحولت من العيش ضمن أسرٍ كبيرة ممتدة ومترابطة، عبر أجيال وعقود طويلة، إلى العيش في أسرة صغيرة مستقلة ذات نمط وثقافة جديدين.

نتج عن كل هذه العوامل الحاجة إلى المزيد من الأراضي الجديدة للبناء عليها، من أجل تغطية الحاجات السكنية للمجتمع الجديد، وأدى ذلك إلى ارتفاع في أسعار الأراضي الزراعية منها وغير الزراعية، وخصوصا القريبة من العاصمة والمدن الرئيسية، حيث أغرى ارتفاع سعر الأراضي، في السوق العقارية أصحاب الأراضي الزراعية لبيع أراضيهم، ومن ثم تحويلها من قبل الملاك الجدد إلى أراضٍ تستخدم لبناء المشاريع العمرانية الجديدة.

والذي ساعدَ على خسارةِ الأراضي الزراعية، تدهورُ حال الزراعة في مناطق عديدة في البحرين بسبب نضوب المياه العذبة، والتي كانت متوافرة بكثرة في البحرين، بالإضافة إلى عدم استخدام الآلات الزراعية الحديثة، وعدم تطوير طرق وتقنيات الزراعة، وقلة المردود المادي مقابل ما ينتج ويباع من محاصيل زراعية.

واليوم تعتبر البحرين جزيرة «بلا سواحل» حيث تم القيام بعملية دفن البحر بطريقة ملفتة للنظر، في السنوات العشر الأخيرة، وذلك لزيادة الأراضي «الخاصة» المطلة على البحر، ليتم استغلالها لبناء مشاريع عقارية وسياحية واستثمارية بحجة التطوير، وزيادة للدخل القومي، من خلال الجذب السياحي وجذب رؤوس الأموال والشركات الأجنبية، وتسهيل الإجراءات والمغريات للمستثمرين العرب والأجانب، لإقامة المشاريع الكبيرة وكل ذلك يحدث على حساب البيئة والإضرار بها، حيث نتج عن ذلك اختفاء عدد كبير من الأسماك المختلفة (تتحدث التقارير عن إختفاء350 نوعا تقريبا من الأسماك من أصل 400 نوع كانت موجودة داخل الحدود البحرية للبحرين) حيث أضرت بقوة نشاط وازدهار الصيد البحري وكذلك بمصالح وأرزاق ومصادر الدخل الرئيسية للصيادين وعائلاتهم، بالإضافة إلى ذلك فإنها أضرت بحقوق الناس بالاستمتاع بالبحر.

وتشير التقارير المنشورة في الصحف بأن 97 في المئة من السواحل في البحرين هي املاك خاصة وأما 3 في المئة الباقية من السواحل المتفرقة، في مختلف المناطق والذي يبلغ مجموع طولها 15 كيلومترا فقط فهي سواحل عامة، وكثير منها مهملٌ وملوثٌ ولم يتمْ تطويرها، بالإضافة إلى تعمد الإهمال، ودفن أجزاء من بعض المحميات الطبيعية المهمة للطيور، مثل خليج توبلي وذلك لغايةِ استغلالها مستقبلا من القوى المتنفذة.

وعلى رغم مطالبات ونداءات ومناشدات النشطاء البيئيين، وبعض النواب في المجلس النيابي واحتجاج عدد كبير من المواطنين، على ما يحدث، من خلال القيام بالمسيرات، التي انطلقت في مناطق متفرقة من البحرين، والمدافعة عن البيئة وحمايتها من سوء الاستغلال؛ إلا أن واقع الأمر أكبر من إمكانيات وقدرة هؤلاء جميعا لوقف هذا الدمار.

وعلى رغم وجود بعض الهيئات الرسمية التي تدّعي الاهتمام بحماية البيئة وتضامنها مع الجهات البيئية الأهلية إلا إنها عمليا لم تستطعْ أن توقفَ أو تغير الحقائق الموجودة على أرض الواقع، وخصوصا أن من بيدهم القرار في السلطة والحكومة، يدركون جيدا وبشكل جلي ما يجري ويحدث على أرض الواقع، ومطلعين على التقارير والمقالات والتحقيقات الصحافية التي تنشر بشكل مستمر في الصحف، والتي تبين مدى فداحة الدمار الذي يحدث لبيئتنا الصغيرة؛ إلا إنه يتم التغاضي عن هذا الملف والتحقيق فيه.

المشروع الثاني

حكايا

الجمعة:10 أبريل/ نيسان 2009

المكان: السوق الشعبية

المنطقة: مدينة عيسى

يهدف هذا المشروع إلى خلق حال من التواصل المباشر مع الناس، من خلال تشجيعهم على المشاركة والتفاعل بصريا وسمعيا، مع مجموعة من الصور الموضوعة على عدد من الطاولات، والتي تتضمن كل منها حكاية معينة، تختلف في أهميتها وذكرياتها ومضامينها عند صاحب كل صورة، والذي حرص على احضارها وسردها للناس، عبر جهاز صوتي لا يتجاوز الخمس دقائق.

تم تقديم هذه التجربة في إحدى الأسواق الشعبية البسيطة في البحرين بمدينة عيسى، والتي تزدحم عادة بمختلف الشرائح والفئات والطبقات والأعمار من المواطنين والمقيمين والزوار، وخصوصا في أيام الإجازة الأسبوعية «الجمعة والسبت». وتتميز هذه السوق ببساطتها وامكانية الحصول على مختلف الاحتياجات والأغراض سواء الجديدة أو المستعملة بأرخص الأسعار.

إن أول تفاعل إيجابي مع فكرة المشروع، كان من خلال تعاون المسئولين الرسميين المعنيين عن أمن وسلامة ومراقبة السوق الشعبية بتوفير مساحة معقولة لنا في المكان لعرض فكرتنا، وكذلك تجاوب معنا بعض أصحاب محلات بيع الأثاث المستعمل من خلال إعارتنا عدد من الطاولات والكراسي. وقد بادر أحد البائعين في السوق بوضع مظلةٍ كبيرة على طاولة العرض لحمايةِ الحاضرين من أشعةِ وحرارةِ الشمس.

طريقة عرضنا للصور والأجهزة السمعية على الطاولات لم تكن توحي في الوهلة الأولى بأن هناك أمرا مختلفا عما هو موجود في السوق؛ بل كانت تبدو وكأنها طريقة عرض اعتيادية للبضائع المختلفة، حيث لم يطرأ على بال مرتادي السوق، في بداية الامر بأن الهدف سيكون مختلفا عما اعتقدوه، لذا كانت ردود الفعل متنوعة ومتباينة، فهناك من تشجع وجلس ليستمع إلى جميع الحكايات، وتفاعل معها ومن ثم طرح أسئلة عديدة حول الحكايات وفكرة المشروع وهناك من استمع فقط إلى بعضها ثم غادر المكان دون أن يبادر بأي تعليق، وهناك من وقف ليتفرج فقط، ويتأمل فيما يحدثُ بصمتٍ. وهناك من لم يقفْ عند طاولتنا سوى ثوانٍ معدودة، وخصوصا عندما علم بأن ما هو معروض على الطاولة ليس للبيع، ولم يهتمْ بمعرفة سبب عرض هذه الصور والأجهزة السمعية أو حتى سبب تجمع كثير من مرتادي السوق حول هذه الطاولات.

العدد 2652 - الأربعاء 09 ديسمبر 2009م الموافق 22 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً