صدر مؤخرا في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر كتاب يتناول سيرة المناضل البحريني أحمد الشملان بعنوان «أحمد الشملان - سيرة مناضل وتاريخ وطن» من تأليف زوجة المناضل الشملان فوزية مطر. صدر الكتاب في 1024 صفحة من القطع الكبير، ويضم أحد عشر فصلا متبوعة بملحقي صور ووثائق.
تحدث عدد من أعضاء لجنة العريضة عن ظروف صياغة العريضة الشعبية ودور أحمد الشملان في ذلك، قال إبراهيم كمال الدين: «مسودة العريضة الشعبية صاغها أحمد الشملان». وقال المهندس سعيد العسبول: «كان أحمد الشملان محور صياغة رئيسي في الموضوع، العريضة خضعت لنقاشات وتعديلات وإضافات عديدة، وكانت تؤخذ من قبل الأعضاء ويأتون الاجتماع الثاني وتكون عندهم تعديلات».
وقال عبدالوهاب حسين: «الأخ المناضل أحمد الشملان هو الذي قام بصياغة مسودة العريضة الشعبية بعد الاتفاق بين أعضاء اللجنة على الخطوط الأساسية والنقاط الجوهرية التي ينبغي أن تتضمنها العريضة الشعبية. فبعد أن رجحت لدينا فكرة العريضة الشعبية، واتفقنا على الخطوط العريضة والأفكار الرئيسة، كلفنا الأخ المناضل أحمد الشملان بكتابة المسودة، وقد انتهى من كتابتها في زمن قصير، وواصلت اللجنة اجتماعاتها لدراسة المسودة ومناقشة مضامينها حتى أخذت صيغتها النهائية». وقال الشيخ عيسى الجودر: «كان لأحمد الشملان دور كبير في صياغة العريضة». وقال محمد جابر صباح: «كُلف أحمد الشملان بصياغة مسودة العريضة الشعبية».
نال تضمين نص العريضة مطلب مشاركة المرأة ونيلها حقوقها السياسية قسطا وافرا من المناقشات، اعترض الإسلاميون على بعض العبارات وأصر الوطنيون الديمقراطيون على بقائها، وخرجت العريضة باتفاق الحد الأدنى حول موضوع المرأة.
تروي عضو لجنة العريضة الشعبية منيرة فخرو تفاصيل حول ذلك فتقول: «حالما كلمني المحامي أحمد الشملان وافقت مباشرة وانضممت للجنة العريضة ووقعت العريضة. وفي اليوم الثاني شعرت أنني تسرعت، فلكوني المرأة الوحيدة التي تنضم للجنة كان يجب أن أضع شروطا لذلك الانضمام. نص العريضة الذي وقعته لم يكن متضمنا ولا كلمة عن المرأة، ونحن كنساء لنا حقوق سياسية نرغب في المطالبة بها كحق الانتخاب والترشح إلى جانب حقوق المرأة الأخرى. اتصلت بالشملان فجاءني وتحدثت معه عن أن نص العريضة لم يتضمن أي شيء عن المرأة وأخبرته أني سأرفع توقيعي من العريضة إن لم تتضمن مطالب المرأة، وافقني الشملان وقال: انتظري سأطرح الأمر على اللجنة. اجتمعت اللجنة وطرح أحمد الشملان وجهة نظري التي أيدها العلمانيون وعارضها الدينيون الذين قالوا: لا نريد الإشارة في نص العريضة للمرأة، عاد إليَّ أحمد وأخبرني بالموقف المتشدد للدينيين، فقلت له: إذن أسحبُ توقيعي. عاد الشملان يحاورهم من جديد وظل فترة طويلة يناقشهم إلى أن اقتنعوا، عندها اتصل بي وقال: اكتبي فقرة حول المطالبة بحقوق المرأة، فكتبتها وسلمته إياها، إلا أنهم لم يثبتوا إلا جزءا بسيطا منها، وأنا أعرف أن ذلك فقط هو الذي قدروا أن يقنعوا المجموعة الإسلامية بقبوله وتثبيته، وقد قبلنا به مع أنه كان يمثل الحد الأدنى».
وقد أكد أحمد الشملان رواية منيرة فخرو وأضاف قائلا: «التقيت أكثر من لقاء مع الشيخ عبدالأمير الجمري خارج نطاق اجتماعات اللجنة وتناقشت معه حول إدراج المطالبة بحقوق المرأة في نص العريضة، وكذلك التقيت مع الشيخ عبداللطيف المحمود وتناقشنا حول الأمر نفسه أيضا أكثر من مرة، وللتاريخ أقول إن موقف الرجلين بالنسبة لموضوع المرأة كان مرِنا لولا وقوعهما تحت ضغوط من التيار الإسلامي الذي ينتميان إليه، ثم وفي اجتماع اللجنة استطعنا تثبيت جزء مما رغبت منيرة فخرو في تثبيته».
يقول عبدالله مطيويع: «أحمد الشملان تولى عملية التنسيق لأنه كان يصعب أحيانا أن نجتمع كلنا، فعمليا كان الشملان يتولى عملية التنسيق لصياغة العريضة، يتشاور مع الشيخ عبدالأمير الجمري والشيخ عبداللطيف المحمود، وأخيرا اجتمعت اللجنة وأقرت الصياغة النهائية».
تواصل الاتصال والعمل على الإعداد النهائي للعريضة الشعبية حتى سبتمبر 1994 إذ عقد اجتماع للتوقيع والإطلاق الرسمي للعريضة، يقول أحمد الشملان: «حضرتُ مع الأخوة أعضاء لجنة العريضة الشعبية اجتماع التوقيع على العريضة في منزل الشيخ عبدالأمير الجمري أواخر سبتمبر/ أيلول 1994، وقد تصدرت تواقيعنا نحن أعضاء اللجنة النسخة الأصلية، ثم أخذ كل منا نسخة ليتحرك على توقيعها».
وهكذا مع دخول أكتوبر/ تشرين الأول 1994 اتسعت حركة جمع التوقيعات على العريضة، وفي اللقاءات المسجلة معهم أكد إبراهيم كمال الدين، أحمد الشملان، سعيد العسبول، عبدالله مطيويع وعبدالله هاشم أنهم كانوا أبرز من نشط من أعضاء اللجنة والقريبين منها في التحرك على جمع التوقيعات من التيار الوطني الديمقراطي، وأن مشايخ الدين على مستوى الشارع الشيعي لعبوا دورا حاسما في إقبال الناس في مناطق القرى على التوقيع على العريضة، وخص المتحدثون جميعا الشيخ علي سلمان بالدور الأساس في التحرك بين المآتم والمساجد لحث الناس على التوقيع.
صعد نجم أحمد الشملان في مرحلة التوقيعات على العريضة وتصدر التحرك، وبرز نشاطه على أكثر من صعيد. قال عبدالله مطيويع: «في مرحلة جمع التوقيعات على العريضة كان أحمد الشملان «دينامو» التحرك، وكان اتصاله بجماعة القرى متواصلا للتنسيق ومتابعة التوقيع». وقال المحامي عبدالله هاشم: «كان أحمد الشملان يضطلع بتوجيه العمل العام في مرحلة جمع التوقيعات على العريضة الشعبية».
وبجانب دوره في عملية التوقيع نشط أحمد الشملان - على صعيد كتاباته الصحافية في الصحافة المحلية والخليجية - في رفد التحرك وفي تبيان مسألة التحالفات وأهميتها في الفترة المذكورة وفي التأكيد على البعد الوطني للتحالف مع الدينيين.
وما إن دخل ديسمبر 1994 حتى بدأت إجراءات رسمية مضادة للتحرك على جمع التوقيعات، ففي 25 نوفمبر 1994 وعلى خلفية سباق «ماراثون» جرى على شارع البديع تم اعتقال عدد من الشباب ممن اعترضوا على «الماراثون» واحتكوا مع بعض المشاركين فيه. وفي صلة بين دور المحامي أحمد الشملان واعتقال شباب «الماراثون» تحدث الشيخ علي عاشور أحد نشطاء مشايخ الدين إبان الحراك المطلبي بالتسعينيات المنصرمة فقال: «بدأت معرفتي بالشملان العام 1994 في أعقاب اعتقال شقيقي سعيد عاشور مع مجموعة من الشباب بعد حادثة «الماراثون». كنت - حينها - أبحث عن محام يتولى قضية شقيقي سعيد وكثير من الناس نصحوني بالاتصال بالمحامي أحمد الشملان لتاريخه النضالي ولما عُرف عنه من استعداد لتولي هذا النوع من القضايا، وقد زرت المحامي الشملان ونصحني أن نقدم رسالة تظلم لقاضي التحقيق وقام بصياغتها وقدمناها». عمت المظاهرات والمواجهات مع قوات مكافحة الشغب مناطق عديدة، وفي يوم 17 ديسمبر 1994 سقط أول شهداء الأحداث إذ استشهد الشابان هاني أحمد الوسطي (جدحفص) وهاني عباس خميس (السنابس) وبتاريخ 30 ديسمبر 1994 كان لأحمد الشملان أول لقاء إذاعي حول الأحداث مع محطة هيئة الإذاعة البريطانية الـ «بي بي سي». يقول فاضل الحليبي: «بعد اغتيال الهانيين في 17 ديسمبر 1994، كانت وكالات الأنباء تتابع هذه الأحداث فتم الاتصال ببعض المسئولين وذكر أحد المسئولين أن ما يجري في البحرين هو أعمال تخريبية وأعمال مضرة بممتلكات الناس والدولة وهؤلاء مخربون وسقطوا بسبب دورهم في العنف، والأمن لا يتحمل أي مسئولية في ذلك، وأنكر أن الشرطة أطلقت النار عليهم. بعد هذا التصريح من المسئول تم الاتصال بالمناضل أحمد الشملان وأذكر جيدا عندما سأله المذيع عن أسباب الأحداث ذكر أن هذه مطالب قديمة للحركة الوطنية منذ حل المجلس الوطني وتتمثل في عودة الحياة البرلمانية وإعادة الدستور وعودة المنفيين وإطلاق سراح المعتقلين وأن هذه المطالب قدمت في عريضة، والذي جرى هو عنف، وهؤلاء شهداء وسقطوا برصاص الأمن. وأكد بشكل واضح وصريح «أننا لسنا مع التخريب للمتلكات العامة والخاصة ونحن نطالب بالديمقراطية في البلاد»، وقد استقبل موقفه هذا باستبشار وترحيب من قبل الناس في القرى والمدن. كان هذا من أول التصريحات وكانت البحرين بعد سقوط الشهيدين تمر في ظروف سوداوية، وكان الأمن يستخدم البطش والعنف تجاه المتظاهرين، وكان الناس يخافون أن يطلقوا أي تصريح، لكن الشملان تحدث، وأعتبرها شجاعة من المناضل أبي خالد في ظل الظروف القمعية التي كانت تعيشها بلدنا في ذلك الوقت».
شكّل دخول العام الجديد 1995 بروزا واضحا للدور النضالي الذي ألزم أحمد الشملان نفسه به في الحركة المطلبية من أجل الحقوق الديمقراطية لشعب البحرين. لقد ضاعف الشملان نشاطه على صعيد عمل لجنة العريضة الشعبية متابعة واتصالا وطرحا للمبادرات وإعدادا للخطابات الموجهة للجهات المعنية داخليّا وخارجيّا. كما نشط على الصعيد الإعلامي في طرح مطالب الحركة الوطنية والدفاع عن حقوق المواطن البحريني سواء على مستوى الكتابة الصحافية أو على مستوى التصريحات الإعلامية لوكالات الأنباء ومحطات الإذاعة، وكذلك على صعيد المهنة، فمنذ بدء الاعتقالات تولى الشملان مهمة الدفاع عن مئات المعتقلين على خلفية الحراك المطلبي.
في 25 مارس/ آذار 1995 تداعت الشخصيات والرموز الوطنية لعقد اجتماع لتدارس الوضع السياسي المتدهور والبحث في أسباب الأزمة وقد عُقد الاجتماع بمجلس الشخصية الوطنية النائب السابق ورجل الأعمال جاسم مراد، وكان أحمد الشملان أحد حاضري الاجتماع الذي ضم نخبة محترمة من الشخصيات الوطنية، وفي الاجتماع كان الشملان أحد المحامين الذين أوكل لهم كتابة خطاب يرفع للأمير بطلب التخلي عن الحل الأمني للأزمة التي يواجهها الوطن.
مع تداعي أحداث مارس 1995 وفي يوم 26 مارس 1995 وهو اليوم الذي تلا الاجتماع الذي عقد في مجلس جاسم مراد، وهو أيضا اليوم الذي سقط فيه تاسع شهيد منذ اندلاع الأحداث، كانت محطة الإذاعة البريطانية تبحث عمن يدلي من داخل البحرين بتصريح يعلق فيه على ما يجري على الأرض. استجاب أحمد الشملان وتحدث على الهواء مباشرة مجيبا عن أسئلة مذيع الـ (بي بي سي) في تصريحه، إذ أدان الشملان مختلف أعمال العنف الجاري في الشارع ودان ردود الفعل العنيفة لقوى الأمن واستخدامها المفرط للقوة. وما إن حل اليوم التالي 27 مارس 1995 حتى استُدعي أحمد الشملان من قبل وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء الذي وضع نص التصريح أمام أحمد وقرأ عبارات منه موجها للشملان لوما شديدا بسبب تصريحه للإذاعة البريطانية.
وفي يوم 4 مايو 1995 استدعى جهاز الأمن أحمد الشملان طالبا منه الحضور للتحقيق ومعه جواز سفره، وكان هذا الاستدعاء على خلفية مقال كتبه أحمد الشملان في جريدة «القدس العربي» حول الأحداث في البحرين ردا على مقال للكاتب حافظ الشيخ نشر في الجريدة ذاتها، وبعد انتهاء التحقيق سُحب جواز سفره.
العدد 2652 - الأربعاء 09 ديسمبر 2009م الموافق 22 ذي الحجة 1430هـ