يعد الحراك المجتمعي أحد أبرز المكونات الفاعلة في المجتمع المدني لأنه يشكل فضاء واسع لفهم جانب العمل المجتمعي، كما أنه إطار تنظيمي لتأطير المواطنين وتوعيتهم للمشاركة في تفعيل العمل المجتمعي المشترك.
فهذا الحراك يعتبر بمثابة اتفاق بين شخصين أو أكثر لاستخدام معلوماتهم أو نشاطهم لتحقيق تعاون في ما بين المجتمع الواحد.
أما الجمعيات السياسية فهي مجموعة من الأفراد المنظمين إراديا يسعون إلى القيام بعمل جماعي مستمر كما أنها تخضع قانونيا للنصوص المنظمة للجمعيات السياسية ومن اهتمامها العمل السياسي ومراقبة الأداء التشريعي والقانوني والاقتصادي، بل وتتجاوز الحدود لتهتم بقضايا خارجية، ويتمثل الهدف الأساسي للبعض منها امتلاك السلطة بعد المشاركة فيها، في حين تقتصر وضيفة الحراك المجتمعي على تلبية الحاجات الاقتصادية والاجتماعية والتوعية.
ما يهمنا بعد هذا التوصيف الأقرب لهذا النوع من الحراك، هو الثنائية المتلازمة لهما، وبالأخص إذا ما قامت الجمعيات السياسية بتأسيس حراك مدني بأيدلوجية سياسية أحادية. ففكر الكابوس مازال يعتري بعض الجمعيات السياسية التي تصادر من يختلف أو يخالفهم الرأي في المجتمع، كما إنها دائما ما تسلط كشافات مراقبتها على الأخطاء أكثر مما تم إنجازه من خلال النقلة الديمقراطية، بنية صرف النظر عن أزماتهم الداخلية وخوفهم عن الإعلان بما يجب تصحيحه بالداخل خاصة المتعلق بالأسلوب والآليات لبلوغ الأهداف السياسية.
كل هذا يقودنا إلى ثنائية هذا الحراك، حيث الفرق واضح بين مؤسسات مدنية وجمعيات سياسية تتأسس في ضوء الممارسات الديمقراطية، وجمعيات سياسية يتم تقويتها على حساب الحراك المدني، مثل حراك مدني يهيمن عليه فكر أيديولوجي بغطاء حراك سياسي، وآخر يمثل أطياف المجتمع ومكوناته.
أو الفرق بين حراك مدني يأتمر بأمر الجمعيات السياسية ويمجد ويبرر أخطاء هذه الجمعية أو تلك، وبين حراك يمثل المجتمع المدني في الحرية الاجتماعية والاقتصادية والعلمية ويتألف من المنظمات غير الحكومية أو الجمعيات الخيرية والمؤسسات المحلية. أو مجتمع يقوده دعاة راشدون وسياسيون معتدلون ومنظمات مدنية، ومجتمع آخر تقوده جمعيات سياسية بأيديولوجية مذهبية أو تبعية.
إن أهمية بناء المجتمع المدني تأتي من أهمية تلك الفروقات، حيث إذا ما أخذنا تلك الثنائية بالخطوات السياسية والديمقراطية في الوقت الراهن، لم تكن متلازمة في وعاء زمني كافٍ لاستيعاب هذا الانخراط المدني بالمفهوم الاجتماعي، حيث لم تسلم حتى نقابات العمال ومجلس طلبة الجامعة وبرلمان الشباب من هذا الانخراط غير المبرر تحت عباءة الجمعيات السياسية، بدليل تخرج علينا الإحصاءات بأن تلك الجمعية لديها هذه النسبة وتلك الجمعية حققت تلك النسبة! مما أسقط أمكانية ثنائية العمل المدني والسياسي، الذي لا يمكن أن تمسك بها إلا قوى التغيير الاجتماعي الحقيقية التي أقصاها الفكر الأيديولوجي الأحادي من مسرح الفعل اليومي.
لذلك سادت الحيرة وغابت الرؤيا وتعطلت قدرة وعي الفرد عن البحث عن الحلول المناسبة فأصبح الفكر الأحادي هو السبيل، أضف الى ذلك توزيع الوطنية من قبل البعض وإن كانوا ذوي قيمة غير مضافة على الحراك السياسي إلا بالإساءة، هذا بجانب القوى الدينية ذات المرجعية التي تدعي أنها تمثل هذه الشريحة أو تلك قادرة على ضبط الأوضاع كذراع أيسر له، متجاهلة أو جاهلة أصلا الطبيعة التي يتمتع بها الفرد في المجتمع، والإقصاء المتعمد للقوى المدنية القادرة على رسم خارطة مستقبل هذا الحراك المتمثل في الرقابة المجتمعية.
هنا نقول إذا كان الداعون إلى الجمعيات ومنابر التجمعات والسياسات التي تنتمي إلى مرجع مقدس وحيد لمناهجها من أي طرف، يجب أن يعلموا بأن تطور الأحداث على أرض الواقع قد انعكست على فكر الفرد ليحفز مجرى جديد في حياتنا السياسية ووضع القوى التي تعمل تحت النور، لتتحمل مسئولياتها حيث تبنت هذا المشروع في مشاريعها وبرامجها على رغم حداثة مثل هذا التلاقي والتلقيح بين الموروث السياسي التقليدي والديني الذي لم تكن الديمقراطية بمعانيها المتطابقة مع العقائد والأيديولوجيات المتعددة غريبة عنه قبل مداهمة الديمقراطية التي أفرزها الميثاق، المرتبطة بدعوة سياسية شعبية وإرادة ملكية وضعت برنامجا شاملا تحت عنوان المشروع الإصلاحي.
إن حالة التلاقي والتلقيح بين الجذور السياسية للديمقراطية النابتة في حقول العمل السياسي البحريني وبين موجة الديمقراطية لم تنتج بعد خيارا أصيلا للنموذج الديمقراطي في البحرين بسبب عطالة البعض، وطغيان البعض في الخارج، تارة بالتقليل لما هو منجز على أرض الواقع وتارة بالقفز على المراحل أو حرقها، باختصار إن من أهم ثنائية الحراك المجتمعي والسياسي هو التخلي عن المناخ القديم الحديث الذي أثر في المزاج السياسي في (الفردية والتعالي والحقد ونزعة الثأر والقبلية)، وقطع طريق عبورها إلى الأجيال الشابة الجديدة من برامج بعض الرموز المخضرمة من وعّاظ السياسة.
لهذا يجب العمل على إحلال ثنائية الحراك المجتمعي والسياسي بين النخب السياسية والثقافية بروح احترام الأدوار المنوطة بكل جهة وبروح من التضامن والتسامح واحترام الأدوار لا خلط الأوراق أو حرق المراحل والقفز عليها.
إقرأ أيضا لـ "سلمان ناصر"العدد 2651 - الثلثاء 08 ديسمبر 2009م الموافق 21 ذي الحجة 1430هـ
شي طيب
يعطيك العافي