بغضّ النظر عما ستئول إليه نتائج مناقشات البرلمان العراقي بشأن قانون الانتخابات، وبغضّ النظر عن صدقية الأنباء التي وردت في وقت متأخر من ليل أمس بشأن التوصل الى قانون «توافقي» جديد بين الكتل، إلا أن الخلافات العلنية والسرية التي رافقت مناقشة القانون بعدنقض نائب الرئيس طارق الهاشمي أثبتت أن السياسيين العراقيين مازالوا يتعاملون بطريقة الانتقام مع خصومهم.
مسألة الانتقام من الخصوم قضية مبررة في أية عملية سياسية، لكن المشهد العراقي لا يبرر هذا المبدأ لأنه يتناقض مع شعار «التوافقات السياسية» بين المكونات الوطنية (الشيعة، السنة، والأكراد). فما جرى من تحشيد سياسي وضغط إعلامي صاحبته تصريحات عدد من المسئولين في الدولة والبرلمان بعد قرار الهاشمي بنقض قانون الانتخابات لرفع مستوى تمثيل العراقيين في الخارج أكد أن العملية السياسية «التوافقية» ليست أكثر من شعار يستخدمه السياسيون كلما وجدوا فيه منفذا لتحقيق مصالحهم الخاصة.
شخصيا قد لا أتفق مع قرار الهاشمي في نقضه قانون الانتخابات؛ لأسباب عدة، في مقدمتها فشله في قراءة واقع حال السياسة العراقية، لكني أيضا لا أتفق أكثر مع آلية تعامل البرلمان مع قرار النقض، حيث عمدت الكتلتان الأكبر (الشيعة والأكراد) الى الانتقام من الهاشمي لتقرأ خطواتهم تدريجيا على أنها محاولة لإقصاء المكون السني وتحجيم دورهم السياسي في المرحلة القادمة، وخصوصا أن أهل السنة مازالوا يشعرون أنهم خارج لعبة ما يسمى بـ «التوافقات السياسية» منذ تمرير الدستور العراقي في العام 2005 على رغم إجماع المكون السني على رفضه.
لقد كان على الشيعة الذين يمثلون الأغلبية السياسية أن يتعاملوا بحد أدنى من المسئولية في إرضاء المكون السني في قانون الانتخابات مثلما حققوا مطالب الأكراد في مسألة كركوك في القانون نفسه، ولاسيما أن دعوة نائب الرئيس طارق الهاشمي لتغيير قانون الانتخابات لم تكن لتؤدي (باعتراف قادة شيعة على الأقل) الى منح السنة أكثر من استحقاقهم الحقيقي من مقاعد البرلمان القادم. وهذا ما أكدته الانتخابات الماضية، بعد أن أثبتت النتائج البرلمانية أن أغلب المصوتين من خارج العراق كانوا من «المؤمنين» بالعملية السياسية وأقصد هنا المكونين الشيعي والكردي لا السني الذي يعد الهاشمي جزءا منهم.
لقد أثبتت المناقشات التي رافقت إقرار قانون الانتخابات أن العملية السياسية التي تأسست على شعارات «التوافقات السياسية» و «عدم تغييب مكون ما»، و «لا لإقصاء الآخرين» هي مقولات إعلامية تسقط في أول امتحان سياسي قد يعيد للعراق تلك الحرب الأهلية التي أعقبت تمرير الدستور من مكونين اثنين ودون التعامل مع مطالب المكون الثالث (السنة العرب) بجدية كافية.
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 2649 - الأحد 06 ديسمبر 2009م الموافق 19 ذي الحجة 1430هـ