تحتضن البحرين اليوم، الإثنين الموافق 7 ديسمبر/ كانون الأول 2009 المؤتمر 38 للمصارف الإسلامية. ووفقا لما بثته وكالة البحرين للأنباء سوف يشارك في هذا اللقاء قرابة 1200 شخصية من صناع القرار في التمويل الإسلامي من أكثر من 40 دولة «. ومن بين ثنايا الخبر الذي أوردته الوكالة كان هناك إشارة إلى تصاعد «الدعوة لإنشاء مركز معلومات وأبحاث بحريني للمصارف الإسلامية يهتم برصد حركة نمو هذا القطاع، والذي يواجه منافسة إقليمية وعالمية متنامية».
في البدء لابد من ضرورة التحذير من خطورة المبالغة في الحيز الذي تحتله «صناعة المال الإسلامية» في الأسواق المالية العالمية، فهي، وحسبما حددها الرئيس التنفيذي لسلطة مركز دبي المالي العالمي عبد الله محمد العور، في كلمته التي ألقاها في ندوة «التمويل الإسلامي: حلول للعالم بعد الأزمة المالية»، التي نظمها مركز دبي المالي العالمي في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2009، لاتزال « تشكل أقل 1% من رأس المال العالمي».
وفي سياق تحديد المتطلبات التي ما تزال تحتاجها الصناعة المصرفية الإسلامية، أو على نحو أشمل الصناعة المالية الإسلامية، كي تحقق طموحات الجهات التي تقف وراءها يقول مدير المجموعة المصرفية في البنك العربي الوطني خالد أبونيان « أنه يمكن للمصرفية الإسلامية أن تؤدي دورا أكبر من خلال اعتماد وتوفير أدوات استثمار وتمويل تنمي الاقتصاد بشكل أفضل مما هو عليه الآن في حال توافر التنظيمات التي تتيح ذلك».
باختصار تحتاج المؤسسة المالية الإسلامية، كما يتحدث عنها الضالعون في التأسيس لها، كي تنهض بصناعتها إلى المستوى الذي يؤهلها لولوج مضامير المنافسة العالمية إلى ثلاث مرتكزات أساسية:
الأولى رأسمال ضخم يمكنها من التصدي لرساميل استثمارية وإقراضية تصل أقيامها إلى مئات المليارات، حيث لم يعد محترفو تلك الصناعة والكبار فيها يسمحون للهواة أو لصغار اللاعبين، على التوالي، اقتطاع أية نسبة من حصصهم.
أما الثانية، فهي القدرة على الإبداع والابتكار، فالعالم اليوم يتجاوز الإقتصاد المعرفي كي يرقى بآلياته، إلى ما أصبح يعرف بالاقتصاد الإبداعي «Innovative Economy».
أما الثالثة فهي العنصر المؤسساتي، بمعنى وجود المؤسسة الإسلامية المالية المعاصرة المؤهلة لقراءة الأسواق العالمية بذهنية متفتحة والقادرة، في آنٍ، على اقتحام تلك الأسواق والتنافس مع العاملين فيها، مؤسسات كانوا أم أفرادا.
ولعل الخطوة الأولى على هذا الطريق، هي، كما دعت إليها وكالة أنباء البحرين بناء مركز معلومات مالي إسلامي معاصر، التي يبدو أنها ما تزال غير متوفرة، رغم أن هناك الكثير منها ممن يحاول أن يبدو قادرا على توفير الخدمات التي ينبغي أن توفرها مثل تلك المراكز. فهناك اليوم بنوك المعلومات التابعة للمؤسسات الإسلامية مثل «رابطة العالم الإسلامي» أو «منظمة المؤتمر الإسلامي»، وجميعها مع تقديرنا الشديد لها وللخدمات التي توفرها، لكنها ما تزال أسيرة الذهنية التقليدية التي تسيرها آليات لا تتناسب والثورة التي أحدثتها ثورة تقنيات المعلومات والاتصالات في تطوير تلك الخدمات.
ولايختلف عن هذه المراكز، من الناحية النوعية، تلك التي بنت لنفسها مواقع على الشبكة العنكبوتية العالمية مثل: مركز قطر المالي (http://www.qfinance.com/home)
أو المجلس العام للبنوك والمؤسسات الإسلامية
(http://www.cibafi.org/) أو مركز مصادر الأسواق العربية (Arab Capital Market Resource Centre)، وعنوان موقعه على الإنترنت (http://btflive.net). إذ لا تعدو الخدمات التي تقدمها هذه المراكز مجموعة من البحوث والدراسات الجدية المعمقة، المصحوبة ببعض الاستشارات الجادة المستقاة من معلومات حية محدثة عن الأسواق المالية العالمية، بما فيها الإسلامية. وهي جميعها، على أهميتها لم تعد قادرة على الوفاء بما تحتاجه اليوم الصناعة المالية الإسلامية.
وبقدر ما تؤكد كل المؤشرات على حاجة صناعة المال الإسلامية إلى مركز معلومات مالية إسلامية من طراز مختلف، بقدر ما تؤكد المؤشرات ذاتها على أهلية البحرين، بحكم ما تراكم لديها من خبرة غنية في هذه السوق العمودية تؤهلها لهذا المركز الذي بوسعه أن يميز نفسه من خلال الخدمات التي يقدمها والتي يمكن تمحور أهمها حول النقاط التالية:
1.الموضوعية، بمعنى التجرد من كل الارتباطات السياسية، وجمع الحقائق كما هي وسكبها في إطارها الصحيح، وتقديمها للمستفيد، أو المستخدم في الهيئة التي يفضلها، وعبر قنوات الاتصال التي يستخدمها، وبالأسعار التي تلائمه، دون المساس بحق المؤسسة بتحقيق الربح الذي تستحقه.
2. الشفافية، بحيث يتوخى المركز الابتعاد عن كل ما يمكن أن يطعن في صحة المعلومة التي يوفرها، بغض النظر عن مدى رضى أو معارضة ذوي الشأن في اقتناء تلك المعلومة، او إعادة بثها لمن يريد أن يستخدمها.
3. الكفاءة، على المستويين، البشري، والمؤسساتي، بحيث يكفل لهذا المركز أكثر الموارد البشرية كفاءة في المجال ذاته، وأفضل الأنظمة التقليدية والمؤتمتة التي تضمن سير العمل، بعيدة عن أية ذهنية قبلية، أو عقلية متحجرة تقف عقبة أمام أدائه لوظائفه بمعايير عالمية.
4. المعاصرة، بحيث تتوافق الخدمات التي يقدمها المركز، وتلك التي تتوفر اليوم في مؤسسات خدمات المعلومات «غير الإسلامية»، وبوسعنا دراسة تجارب سابقة ناجحة من مستوى تلك المتوفرة في مؤسسات مثل قواعد البيانات العالمية التي تستخدمها مكتبة الكونغرس الأميركي، أو مكتبة جامعة هارفرد الأميركية، أو المكتبة الوطنية البريطانية، أو «معهد توبنغن» الألماني ، وأخرى كثيرات من المستويات الرفيعة ذاتها.
5. الاستمرارية والقابلية للتطور، بحيث يملك مركز المعلومات الإسلامي كل مقومات الاستمرارية التي لا تقوّضها أية خلافات سياسية، ولا تحدّ منها أي ظروف عرضية طارئة، بما فيها الأزمات المالية، وبالقدر ذاته، يكون مركز المعلومات مؤهلا للاستيعاب مع التطورات التي تعرفها سوق المعلومات، من حيث طبيعة المادة ومستوى الخدمات.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2649 - الأحد 06 ديسمبر 2009م الموافق 19 ذي الحجة 1430هـ