العدد 2330 - الأربعاء 21 يناير 2009م الموافق 24 محرم 1430هـ

أطوار بنائه وحقيقة المساجد الثلاثة

مسجد الخميس

كشفت نتائج البعثة الفرنسية في مسجد الخميس بقيادة مونيك كيرفاران أن المسجد أعيد بناؤه مرتين على الأقل، إذ عثر على دلائل تشير لوجود ثلاث طبقات من البناء متتابعة واحدة تلو الأخرى، تبعد كل واحدة عن الأخرى قرابة 15 سم، وعليه استنتجت البعثة الفرنسية أن هناك 3 مساجد على الأقل بنيت في هذا المكان، أزيل المسجد الأول و بني مكانه الثاني، ثم أزيل الثاني ليحل مكانه الثالث. ولا يعلم تاريخ بناء تلك المساجد تحديدا باستثناء المسجد الأخير إذ يحمل كل جزء فيه نقش بتاريخ بنائه وترميمه، أما عن المسجدين الآخرين فلا توجد إلا نظريات.

المسجد الأول

لم يتبقَ من آثار المسجد الأول إلا بقايا جدار القبلة الواقع أمام جدار السور المحيط بالمسجد حاليا بشكل موازٍ له، و يبعد عنه بمقدار 2.3 متر إلى الداخل. ويبلغ سمك الجدار 60 سم، كما توجد في وسطه ثنية محفورة على شكل نصف دائرة يبلغ طولها 70 سم وعمقها 35 سم. و تمثل هذه الحفرة المحراب الذي لم يكن في الماضي يبنى بحيث يكون له بروز إلى الخارج ويرى من خارج المسجد بل كان يحفر في الجدار نفسه من الداخل بحيث يجعل جدار القبلة سميكا ليستوعب بناء المحراب داخله.

كل ما تبقى من هذا الجدار القديم لا يتجاوز ارتفاعه نصف المتر أما طوله فيبلغ 8.5 أمتار. و قد عثر بالقرب من هذا الجدار على مجموعة من القبور الإسلامية. بني هذا الجدار من قطع صغيرة من كسارة الحجارة مغموسة في كلس، وهو مطلي من الخارج بطبقة سميكة من الجص، كما عززت المنطقة المقابلة لتجويف المحراب بدعامة بالإضافة للجص وتظهر هذه الدعامة في الرسم على شكل حرف (L) خلف الجدار.

وقد علّق وايتهاوس في العام 2003 على الدعامة التي تظهر على شكل حرف (L) خلف الجدار، ورجّح أن يكون هذا الشكل ليس دعامة وإنما بقايا من غرفة قبر، كما أضاف وايتهاوس أن هناك العديد من المساجد التي تبنى مباشرة لجدار غرفة القبر.

تاريخ بناء المسجد الأول

لا يعرف بالتحديد متى بني هذا المسجد ومن بناه، لكن وجود ثلاثة مساجد بنيت في هذا المكان يلغي الأسطورة التي أطلقها النبهاني بقوله: «وهذا المسجد والمدرسة مع المنارتين، الجميع من بناء عمر بن عبدالعزيز الأموي»، فبعد الترويج لهذه الأسطورة كره البعض أن تزاح فكرة أن الأمويين هم من بنوا هذا المسجد، وعليه آثر البعض ترقيع الأسطورة. الثابت أن أول ظهور لمحراب بشكل حفرة في جدار القبلة كان في زمن الخليفة عمر بن عبدالعزيز عندما أعاد بناء مسجد المدينة، وعليه رجحت منيك كيرفاران في بحثها أن يكون هذا البناء بني في عهد عمر بن عبدالعزيز 99 - 101 هجرية (قرابة 718 ميلادي).

وبالرجوع إلى ملاحظة وايتهاوس التي تفيد بأن المسجد بني في الأساس مجاورا لجدار قبر، وأن هذا الشكل من المساجد والقبور عرف في مناطق مختلفة في الخليج العربي، يبدأ التشكيك في أن المسجد بني في عهد عمر بن عبدالعزيز وبأمر منه، ولاسيما أنه لا يوجد دليل واحد تاريخي على أن هذا المسجد الأول بني في ذلك العهد، فجزيرة أوال ومنذ فترة الخلفاء الراشدين كانت توجد بها مجموعات مسلمة ولهم مساجد، و قد بنيت تلك المساجد على فترات مختلفة من تاريخ الجزيرة، وكان الأجدر بالبعثة الفرنسية أن ترجع لتحديد التاريخ عن طريق (كربون 14) أو غيرها من الطرق، وذلك للحصول على تاريخ تقريبي فذلك أقرب للعلمية وأفضل من الرجوع إلى أسطورة صيغت بدون أي دليل تاريخي.

المسجد الثاني

بعد تقادم المسجد الأول تم هدمه، و تم بناء مسجد آخر فوقه، فأقيم جدار فوق جدار القبلة للمسجد الأول، و بني به محراب فوق المحراب القديم تماما باستثناء أن المحراب الجديد أصغر من سابقه بقليل. وأقيمت 3 جدران أخرى من الحجارة الكبيرة وعلى الجوانب الثلاثة، وتم إضافة فناء. وهكذا أصبح هذا المسجد الجديد يتكون من غرفة هي غرفة الصلاة وتبلغ مساحتها 8.2 مX 6.7 ويتبعها فناء أكبر منها بقليل تبلغ مساحته 8.2 أمتار X 9.5 أمتار. وفي وسط هذه الغرفة بنيت قاعدتان من الحجارة متباعدتان عن بعضهما وذلك لدعم الأعمدة الخشبية التي كانت تدعم هيكل البناء، ويوجد لغرفة الصلاة مدخلان.

لم يتبقَ من المسجد سوى جدران لا يزيد إرتفاعها على 60 سم ولا تتجاوز 25 سم تحت سطح الأرض. وقد حفظت الجدران على الجهات الشمالية والجنوبية والشرقية لغرفة الصلاة بصورة ممتازة، أما بالنسبة لجدران الفناء فالجدار الوحيد المتماسك الصخور هو الجدار الشمالي أما الجدار الشرقي فلم تبقى صخوره متماسكة بل متزعزعة ومقتلعة، أما الجدار الجنوبي فقد اختفى تماما.

تاريخ بناء المسجد الثاني

يمكننا استنتاج الفترة التي بني فيها هذا المسجد من خلال ما يلي:

1 - من الملاحظات التي وضعها وايتهاوس عن المسجد الثاني هو أن وصفه يتفق مع نموذج المساجد التي ظهرت منذ القرن التاسع الميلادي حتى يومنا هذا. وبالفعل فإن غالبية المساجد القديمة في البحرين تبنى على نفس هذا النمط. وقد ذكر وايتهاوس عددا من المساجد في الخليج العربي لها هذا الوصف نفسه ويعود تاريخ بنائها للنصف الثاني من القرن التاسع الميلادي.

2 - أثناء فترة سيطرة القرامطة على البحرين منذ نهاية القرن التاسع الميلادي وحتى بداية القرن الحادي عشر الميلادي لم يكن هناك مسجد جامع للناس.

3 - هناك ذكر مؤكد لبناء مسجد جامع في وسط العاصمة القديمة حيث السوق ومركز التجارة وذلك في بداية القرن الحادي عشر الميلادي.

نستنتج مما سبق أن المسجد الجامع المذكور تم بناؤه في موقع مسجد الخميس نظرا للموقع الموصوف وكذلك لأنه لا يوجد أثر لمسجد آخر أقدم من موقع مسجد الخميس. وترجّح منيك كيرفاران أن المسجد الثاني هو الذي بني في بداية القرن الحادي عشر لأن تاريخ بناء المسجد الثالث غير معروف بأنه تم في القرن الثاني عشر.

لكن لايزال هناك احتمال بأن تكون المساجد الثلاثة بنيت فيما بين القرنين الحادي عشر والثاني عشر، بحيث يكون المسجد المذكور بناؤه في القرن الحادي عشر هو المسجد الأول، ثم أعيد بناؤه لاحقا أي بناء المسجد الثاني، وبعدها بني المسجد الثالث في القرن الثاني عشر.

وهكذا لا يمكننا الجزم بتاريخ المسجد الأول والمسجد الثاني، إلا أن المرجح بحسب المعطيات الحالية أن المسجد المذكور بناءه في بداية القرن الحادي عشر قد بني في موقع مسجد الخميس، سواء كان الأول أو الثاني. ولبناء هذا المسجد قصة، فقد جاء بناؤه ضمن خطة محكمة لإسقاط القرامطة في جزيرة أوال

العدد 2330 - الأربعاء 21 يناير 2009م الموافق 24 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً