لم يستطع فلاديمير لينين أن يخفي صدمته عندما وافق حزب العمال الديمقراطي الألماني، في 4 أغسطس/ آب 1914 الذي كان يسيطر حينها على ربع مقاعد البرلمان على اعتمادات الحرب التي تقدمت بها هيئة أركان الحكومة الألمانية. هذا الحزب الذي كان يقوده حينها كارل كاوتسكي، هو القدوة التي يحتذي بها البلاشفة الروس. لم يتردد لينين في أن يصف كاوتسكي بالمرتد، وأن يعلن في منتصف 1915 إفلاس الأممية الثانية. وقد سبقت روزا لوكسومبرغ، لينين في الخلاف مع كاوتسكي، الذي وصفته روزا في العام 1910 بـ «قائد المستنقع»، عندما سادت الحركة الشيوعية العالمية نقاشات حادة حول مسألة طريق وصول العمال إلى السلطة.
بخلاف هذا النمط المعادي من الخلافات، يمكننا استرجاع الخلاف النظري الذي دار في العام 1903، في صفوف الحزب الاشتراكي الديمقراطي في روسيا، إبان المد الثوري في روسيا القيصرية، وأدى إلى انقسام الحزب عموديا إلى جناحين هم البلاشفة (الأغلبية)، والمناشفة (الأقلية)، بشان أساليب النضال في مواجهة القمع القيصري.
حالة أخرى من الخلاف عرفتها بعض قوى الحركة الشيوعية، وعلى وجه التحديد الثورة الكوبية بين أواخر الستينيات من القرن الماضي وحتى منتصف السبعينيات بشأن الموقف الصحيح من أشكال النضال في القارة الأميركية، بعد انتصار الثورة في كوبا، واستلام اليسار بقيادة اللندي في تشيلي. محور الخلاف كان هل تحتفظ كوبا بوضعها كبؤرة ثورية تقود شعلة النضال في سائر دول اميركا الجنوبية، وهو النهج الذي كان يدعو له أرنستو تشي غيفارا، أم يجري تعزيز أركان الدولة في كوبا كي تتحول إلى قاعدة خلفية صلبة للثورة في أميركا اللاتينية، وهي الدعوة التي تبناها فيديل كاسترو؟.
ما يدعونا إلى استرجاع هذه النماذج المختلفة من الحوارات في صفوف الحركة الشيوعية العالمية، هو التساؤلات التي ولدتها، في الآونة الأخيرة، نقاشات ومراجعات كتاب «أحمد الشملان: سيرة مناضل وتاريخ وطن»، من تأليف فوزية مطر. فبينما وصلت الاختلافات بين لينين وروزا لوكسمبورغ من جهة وكاوتسكي من جهة إلى درجة «التخوين»، وجدناها تأخذ منحى أقل حدة في تلك التي نشبت بين البلاشفة والمناشفة، وخاصة في مراحلها الأولى، كي تصل إلى درجة من المرونة بين كاسترو وغيفارا، حيث كان يحرص كل واحد منهما على أن يقف بكل احترام كي يشيد بسيرة الآخر ويتمنى له النجاح في مشروعه الذي لا يتفق معه حوله.
الحالة المشابهة التي دعت إلى ذلك الاسترجاع هو تلك الحوارات الساخنة التي ولدها ما جاء في ذلك الكتاب عند تناول التحول التنظيمي الذي عرفته مسيرة الشملان النضالية عند انتقاله من صفوف الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي، إلى صفوف جبهة التحرير الوطني البحرينية، والذي أدى إلى اختلافات طفت على سطح تلك الفعاليات، ورشحت منها إلى صفحات الإنترنت.
ودون الحاجة إلى الغوص في معمعان تلك المداخلات، فما هو اهم من كل ذلك هو التنويه إلى أن كون «الشملان» يثير هذه الحالات من الجدل ليست بالشيء الجديد عليه، وبوسعنا الإشارة إلى تجربته في صفوف الجبهة الشعبية، عندما بادر، كما ورد في الكتاب، إلى دراسة المجتمع الظفاري والتي أثارت حالة جدل دار حول منهج الدراسة والنتائج التي توصلت إليها. ربما قاد حب الشملان العفوي للمنهج الجدلي، إلى الكثير مما جاء في تلك الدراسة، والتي بغض النظر عن تقويمنا لها، لكن لابد من الإشادة بقدرتها على توليد حالة الجدل التي نتحدث عنها في شخصية الشملان النضالية.
كذلك الأمر عندما انتقل إلى صفوف جبهة التحرير لم يتوقف سلوك «الشملان الجدلي»، فجاءت بعض مواقفه العلنية من الحركات المعارضة التي لم تتوقف في البحرين على امتداد الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، غير متطابقة مع برنامج «جبهة التحرير» المرحلي حينها. كان موقف الشملان الإيجابي من تلك الحركات، مثار جدل إيجابي في صفوف القوى السياسية العلمانية بشقيها «الشعبية» و»التحرير». الأمر الذي يجعل من سلوك الشملان النضالي شعلة متقدة تثير جدلية نضالية لا تتوقف. لكن الأهم من ذلك السلوك الجدلي «الشملاني»، هو المنهج المتلقي الذي أصبح مطالبا بأن يعالج ذلك السلوك ويحلله، بما ينسجم وطبيعة الشملان النضالية وطموحه النظري في توليد حالة جدل متنامية تسهم في تطوير حركة المعارضة البحرينية وتنميتها.
من تلك الدراسة المتعلقة بالمجتمع الظفاري نصل إلى انتقاله من «الشعبية « إلى التحرير»، والتي أثارت ذلك الجدل المتواصل حتى اليوم، والتي نلفت نظر من ولجوه إلى المسائل المهمة التالية:
1. ينبغي أن تعالج مسألة انتقال «الشملان» من صفوف «الشعبية»، إلى صفوف «التحرير»، بنفس المنهج الذي عالج به كاسترو وغيفارا خلافهما من موضوعة «البؤرة الثورية»، وهو خلاف بين صفوف المعسكر الواحد، بخلاف ذلك الذي نشأ بين لينين وكاوتسكي، عندما انتقل ذلك من خانة الحليف، إلى معسكر العدو. كلا التنظيمين: «الشعبية» و»التحرير» ينتميان لذات المعسكر، وإن اختلفت أشكال النضال وأساليبه التي كان يدعو لها كل منهما.
2. إننا كي نحافظ على «الجدلية الإيجابية» التي وسمت مسيرة الشملان النضالية، علينا أن نجعل من ذلك الانتقال مدعاة لدراسة الأسباب الكامنة وراءه، والدوافع التي جعلت الشملان يقدم على تلك الخطوة، ومن خلال ذلك التحليل الهادئ الرزين، بوسعنا ان نستخلص نتائج في غاية الأهمية، نتوقع ان تستفيد منها حركة المعارضة البحرينية بكل فئاتها.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2646 - الخميس 03 ديسمبر 2009م الموافق 16 ذي الحجة 1430هـ
من احسن المقالات
ولكني استغرب كيف لايوجد تعليق واحد على هذه المقالات الجيدة والمفيدة هل بسبب ضعف في الوعي السياسي ام نحن البحرينين تثيرنا مواضيع نشم منها ريحة الطائفية المقيته ارجوان اكون كلامي لم يحالفه الصواب ونرى هذه التعليقات المفيدة