أعلن باراك أوباما لدى دخوله البيت الأبيض أن إدارته سوف تتميّز بنبرات مختلفة، بدون تطرّف مبالغ به ومن دون خلافات لفظية وبدون مواقف ضاغطة ضد الخصوم السياسيين.
أراد إدارة تتصرّف بأساليب مقبولة وتيسّر الحوار مع أصعب الخصوم بهدف حل النزاعات. أراد التسوية والمراضاة، وهي صفات تعكس بشكل كامل شخصيته المعقّدة، وهي صفات استنبطها من مدرسة زن في الفكر، حولته إلى قائد متزن التفكير وعميق. قائد يفكر قبل أن يتكلم.
يشير مساعدو الرئيس الأميركي إليه، في عالم كاد يصل نقطة الغليان، يسافر فيه الزعماء وقد قُطعت أنفاسهم، بـِ «أوباما بدون دراما». وهذا أمر جيد عندما يعود الأمر إلى توثيق عرى الصداقة مع اليابان أو السويد. إلا أنه في الشرق الأوسط، حيث العبارة الأكثر شيوعا هي «لنخلق فوضى»، يحتاج الرئيس الأميركي إلى تغيير توجهه ومباشرة نقطة تحوّل تعمل على تغيير اللعبة.
هذا بالضبط هو الوقت ليظهر أوباما حركة منمّقة فخمة لا يمكن تجاهلها. يحتاج لأن يطرح خطة سلام خاصة به، كشف عن جوهرها قبل بضعة شهور: دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية إلى جانب دولة «إسرائيل». سوف تقوم «إسرائيل» بضم التجمعات الاستيطانية الرئيسية، وتعطي الفلسطينيين بالمقابل أرضا بديلة. يحتاج أوباما لأن يعلن أنه سيكون هناك ترابط جغرافي بين الضفة الغربية وغزة (وقد وافق على خطة بناء جسر)، وأن حماس هي شريك في العملية. في غياب حماس إلى جانب فتح ستكون أية صفقة عديمة الفائدة.
بعد فترة من وصول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، تحدثْتُ مع مسئول أميركي كبير منخرط في مجال التوسّط بين «إسرائيل» والفلسطينيين. بدا متشائما ومكتئبا: بوجود بي بي وعباس وأيدٍ مربوطة في أميركا، من الذي يريد القيام بحركة شجاعة في مكان يعاني من نقص القادة الشجعان.
قال إنه يدرك، تماما مثل رئيسه، أن عملية كهذه لا يمكن تحفيزها في غياب حدث تأسيسي رئيس، مثل رحلة جوية مليئة بممثلي الصحافة، تقوم بها وزيرة الخارجية إلى دمشق، حيث تُحضِر الرئيس السوري على متن الطائرة وتحط معه في القدس لإلقاء كلمة في الكنيست.
يحتاج أوباما لأن يقدم إلى جميع الأطراف في الشرق الأوسط خطوطه العريضة الشاملة: إنهاء المحادثات حول إيجاد دولة فلسطينية خلال سنتين وإنشاؤها أثناء فترته الرئاسية الأولى. وهو يحتاج لأن يشرح للأطراف شكل هذا السلام الشامل. ليس الأمر فقط عن الاستغناء عن القدس الشرقية، وإنما عن قيام الإسرائيليين كذلك بتناول الحمّص قرب مدينة دمشق أو الذهاب برحلة في سيارة جيب قرب الرياض. يحتاج لأن يقول بصوت مرتفع بأنه سيكون هناك حوار متزامن مع سوريا، وبعد ذلك مع الدول العربية والعالم الإسلامي.
وبعد أن يقوم بتقديم خطته، سوف يتوجب على الأطراف الإعلان عما إذا كانوا سيذهبون قدما معه. يجب أن يكون واضحا من الذي يساند ذلك ومن يعارضه ومن الذي يحاول كسب الوقت.
سوف تقع أسوأ لحظة عندما يستسلم أوباما ويقول أنه لم تعد هناك فرصة. لقد حاول ولكنه لم ينجح. ويعني هذا أن الفلسطينيين سوف يختارون واحدا من أمرين، أولهما الإعلان من طرف واحد عن دولتهم حسب حدود العام 1967 ويسعون للحصول على الاعتراف، ولو كان جزئيا من كافة أنحاء العالم. قد لا تكون الولايات المتحدة أول من يعترف بالدولة الجديدة، ولكنها ستفعل ذلك في نهاية المطاف.
سيكون الخيار الفلسطيني الثاني التحوّل إلى الخطة البديلة التي وافق عليها الكثيرون منهم، والإعلان بأن رؤية الدولتين قد فشلت وأنهم لا يريدونها بعد الآن، بل يريدون دولة واحدة. وهم يرغبون بأن يكونوا مواطنين في دولة واحدة من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط.
سوف يشكّل ذلك بالنسبة لـ «إسرائيل» نهاية الدولة اليهودية. يعاني هؤلاء الذين يفشلون في رؤية إلى أين يؤدي ذلك من العمى التاريخي والدبلوماسي. ولكن أوباما ليس كذلك، فالشخص الذي نجح بالفوز بالرئاسة بعد نصف فترة في مجلس الشيوخ، وأن يصبح أول رئيس أسود في تاريخ أميركا هو شخص يستطيع النظر عن بعد.
هذه هي لحظة الحقيقة عند أوباما في الشرق الأوسط. يحتاج هذه المرة لأن يخلق دراما.
كاتبة وصحافية، وهي حاليا مراسلة ليديعوت أحرونوت في واشنطن. وهي كذلك مؤلفة كتاب «أوباما - لديه حلم»، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2646 - الخميس 03 ديسمبر 2009م الموافق 16 ذي الحجة 1430هـ