صوّت السويسريون لصالح بناء «مساجد بلا مآذن». ما يجب أن يُعرَف هو أنهم لم يصوّتوا ضدّ بنائها، رغم أن الموضوع مُلفِت، وبات يدفع نحو الحديث عن عنصرية بدأت تتنامى في أجزاء مختلفة من القارة الأوربية.
يعيش في سويسرا 400 ألف مُسلم، خمسون ألفا منهم يُعتَبرون متمسّكين بأداء الشعائر الدينية. وفي العام 1963 بُنِيَت أوّل مئذنة في زيوريخ. وفي العام 1987 بُنِيَت الثانية في جنيف. وفي العام الماضي والحالي بُنِيَت مئذَنتَا فنترتور وفليخن.
وظاهر الأمر فإن هذا الحدّ من الممارسة الشعائريّة للمسلمين بات يتقبّلها الشعب السويسري، آخذا في اعتباره تاريخا غير آمِن ومليء بالصراعات التي ولّدتها خلافات النظام القاري الأوروبي منذ قرون خلت.
في ثلاثينيات القرن التاسع عشر تورّطت سويسرا ومعها البرتغال وإسبانيا في حروب أهليّة دامية. وكانت نار الحركات الثوريّة قد بدأت في الاشتعال فعليا في إيطاليا والدويلات الألمانية وفرنسا وسويسرا والهابسبيرغ.
لقد كانت الصراعات هناك تقوم في جزء منها على أنوية سياسية أو طائفية أو عِرقيّة بشكل مختلط ومُعقّد. وكان الصراع بين النظام القديم والجديد وتعارض المصالح قد ولّد أزمات بين المُكوّنات الأوروبية.
كانت خلالها أوروبا (خصوصا الألمان) غير مُستسِيغة للفكر الليبرالي. وحتى «البابويّة الليبرالية» التي ظهرت على يد وتشجيع من البابا بيوس التاسع لم تصمد كثيرا لكي تمنح القارة الملتهِبة قرارات حاسمة بشأن الكهنوت والحياة السياسية الأوروبيّة. (راجع عصر الثورة لـ هوبْزْبَاوْم).
بعد انتهاء الحروب النابليونية وباقي الحروب التي تلتها بدأت تستوي الأمور المدنية في العديد من الدول الأوروبية. وكانت سويسرا ضمن ذلك القوس من الدول التي استفادت من الهدوء الذي شَابَ الحزام الأوربي، مستلهمة ذلك من مكتسبات الهولنديين والاسكندينافيين في السِلم.
ولم تتشكّل الدولة السويسرية من نقاء عرقي أو سياسي، وإنما تكوّمت داخل حدودها العديد من القوميات والإثنيات التي فرضتها الحروب الطاحنة التي اجتاحت القارة الأوروبية والتي استمرّت في إحداها لعشرين سنة من دون انقطاع.
كلّ من يحاول أن يبحث في إرهاصات تشكّل الكونفدرالية السويسرية سيرى أنها غريبة التكوين. فالفرنسيون والألمان والإيطاليون والرومانتش هم التشكيل الحقيقي للاتحاد. وكلّ مكوّن من أولئك المُكوّنات الأربعة يتحدّث لغته الأم والتاريخية.
فالاتحاد لم يستطع أن يضبط ذلك الموزاييك إلاّ من خلال ستة وعشرين كانتونا تضم بداخلها ثلاثة آلاف بلدية. وقد توزّعت تلك الكانتونات على القوميات الموجودة بلغاتها وأعرافها وتاريخها.
هذه التعقيدات جعلت من مسألة التوافق بالِغة الأهميّة بالنسبة للسويسريين. وصارت الديمقراطية السويسرية حسّاسة تجاه القضايا الوطنية، وهو ما اصُطلِح عليه بالديمقراطية «المباشِرة» التي من خلالها يُستَفتى السويسريون على كلّ شيء.
في المحصّلة فإن الجالية المسلِمة هناك يجب أن لا تحتدّ على هذه النتيجة، وتدخل في مشادّة جماعية رغم أنها مُستفِزّة للمشاعر.
فسويسرا تاريخيا كانت بلدا متسامحا ولاتزال (هكذا أعتقد) فهي استقبلت المسلمين منذ عشرة قرون، وفتحت لهم جامعاتها ومصانعها ومساكنها، وسَمَحت لهم بإدخال مُقرّرات دراسية إسلامية في العديد من المدارس، ومَنَحتهم حقّ التعطّل في المناسبات الإسلامية.
والجميع يعلم بأن أوّل ترجمة لاتينية لمعاني القرآن الكريم كانت قد طُبِعَت في مدينة بازل بسويسرا في العام 1543م. ولم «يستنكف» الاتحاد من تضاعف أعداد المسلمين في بحر ثلاثين سنة فقط إلى خمسة وعشرين ضعفا.
ولكن وعلى رغم كل ذلك التعاطي الإيجابي من جانب السويسريين تجاه الأغيار فإن الخوف هو أن تكون مثل هذه الأصوات اليمينية في أوروبا مدخلا لأشياء أكبر. وتُصبح ككرة الثلج، فتُوقظ يمينا فرنسيا وآخر هولنديا (كما حصل) حينها ستصبح التفسيرات مختلفة حتما.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2645 - الأربعاء 02 ديسمبر 2009م الموافق 15 ذي الحجة 1430هـ
المقال
شكرا للكاتب محمد عبد الله على كتاباته القيمة والمفيدة
FEAR is not equal to Civilization
I totally agree with Visitor no 1. Our problem is that we have reached to the level that we justify others violating our rights. The UN and the Human Rights and all the well respected bodies were against this action. However, we try to be fool conviencing ourselves not to react with such action to be called civilized people. This is not civilization this is FEAR. Civilization is not to damage or demolish the civilization is to speak with confident about your rights in a responsible manner.
ماذا عن الصلبان ؟
حسناً ، هم يختارون دولاً صغيرة ( سويسرا و الدنمارك و هولندا ) كبالونات اختبار لجس نبض الدول و المجتمعات الإسلامية و للتهيئة لخطوات قادمة أكبر ربما ( الركون إلى نظرية المؤامرة ليس دائماً سيئاً )، لماذا لا نستفتي نحن هنا على السماح بوضع الصلبان على أسطح الكنائس و جدرانها الخارجية في بلادنا ؟ بدل التذمر و الشكوى و التحلطم و الكتابة التي ماوراءها طائل، لماذا لا تتبنى أنت و كوكبة من أصدقائك و معارفك هذا الموضوع ؟ عندها فقط سيشعرون أن لحمنا مر ! سعيد