قرار الرئيس باراك أوباما تعزيز القوات الأميركية بثلاثين ألفا ومطالبته دول الحلف الأطلسي بإرسال عشرة آلاف للالتحاق بقوات التحالف الدولي في أفغانستان يشكل خطوة إضافية باتجاه الانزلاق الهادئ نحو استراتيجية سلفه جورج بوش. فالقرار حلقة في سلسلة من الأخطاء باشرها الرئيس حين أعلن عزمه الترشح على منصب الرئاسة مستفيدا من انقلاب مزاج الناخب الأميركي ضد إيديولوجية الحروب والضربات الاستباقية.
خطأ أوباما بدأ حين قام بعملية فصل بين وظيفة الاحتلال في أفغانستان ودور الاحتلال في العراق معتبرا أن الحرب الأولى ضرورية وتلبي حاجة أميركية بينما الحرب الثانية مفتعلة وإضافية وكان بالإمكان الاستغناء عنها وتجنب التورط بها.
فكرة أوباما بالفصل بين وظيفة الحربين تأسست أصلا على معادلة تبسيطية تعتمد نظرية سياسية تفك الارتباط بين أفغانستان والعراق وتعزل مهمات الأولى عن الثانية. والفكرة جاءت بناء على قراءات وتقديرات ميدانية حددت تصوراتها العامة وزارة الدفاع (البنتاغون) انطلاقا من خلاصات الخسائر والأرباح.
معادلة الربح والخسارة جرى احتسابها في سياق تداعيات كل حرب على حدة. وجاءت النتائج التقديرية لتقول إن الحرب في أفغانستان مجدية ومطلوبة واحتمال الفوز فيها مسألة واردة، بينما الحرب في العراق غير مجدية وليست مطلوبة واحتمال خسارتها مسألة مرجحة.
وبناء على هذه القراءات التبسيطية وجدت «البنتاغون» أن الأفضلية لأفغانستان لأنها تشكل مصدر الأزمة وبالتالي لابد من إكمال المهمة والقضاء على الإرهاب والعودة إلى الوطن فور الانتهاء من المشكلة.
قرار أوباما الذي أعلنه أمس الأول جاء ليتوافق مع هذا التصور العسكري لمعادلة الربح والخسارة. فالرئيس الذي دخل البيت الأبيض وعد الجمهور بأنه سيعمل على مغادرة العراق في أسرع وقت والقضاء على بؤر الإرهاب في أفغانستان من خلال التركيز على فكرة الانتهاء من المهمة من دون تردد. والمهمة التي أهملها بوش لأنه وسّع دائرة الحرب خارج الميدان الحقيقي للإرهاب رأى أوباما أنها تشكل نقطة مركزية في برنامجه الرئاسي باعتبار أن الخطر على أميركا يتأتى من تضاريس جبال تورا بورا ولا بد من إعادة السيطرة عليها لوقف التهديد الأمني من الانتشار الإقليمي أو الانتقال ثانية إلى الوطن الأم.
قراءة أوباما للمهمة كانت خاطئة منذ البداية لأنها اعتمدت على تصورات عسكرية وابتعدت عن الرؤية السياسية في التعامل مع الأزمة. فالرئيس الأميركي انتقد سلفه انطلاقا من تحليل سريع لموضوع الإهمال معتبرا أن واشنطن في عهد الإدارة السابقة لم تركز قواتها في مكان واحد حين اخذت بنشر قواتها في مناطق مختلفة ومتباعدة ما أعطى فرصة لنمو بؤر الإرهاب في أفغانستان وانتشاره إلى محيطها وانتقاله إلى العراق. وبالتالي فإن الرد يكون باتباع استراتيجية عسكرية مضادة تعتمد فكرة الانكماش والتركيز على جبهة واحدة وعدم مغادرتها أو توسيعها حتى تنتهي المهمة.
هذه القراءة العسكرية جرى ترويجها خلال الانتخابات وبدأ أوباما تطبيقها فور دخوله البيت الأبيض وهي لاتزال حتى الآن تشكل حجر الزاوية في تفكيره الإستراتيجي. والسؤال الذي تجنب أوباما طرحه كان يدور حول مدى صحة هذا الرأي في التعامل مع قضية أفغانستان. وتجنب طرح السؤال يؤشر إلى وجود خلل في التعاطي السياسي مع أزمة متدحرجة ولايمكن السيطرة عليها باستخدام الصواريخ والطائرات.
مسألة الإرهاب في أفغانستان سياسية وهي لا تخضع لموازين القوى العسكرية لأن قواعد الاشتباك في قندهار أو تورا بورا تختلف عن تلك الحروب التقليدية التي تقوم عادة بين دولة ودولة. والقوات النظامية التي جرى تدريبها في الأكاديميات العسكرية في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وأميركا على القتال ضد الجيوش الحديثة لا يمكن أن تكسب معركة ضد مجموعات صغيرة متناثرة ومنتشرة في الهضاب والوديان والكهوف.
الحرب في أفغانستان ليست كلاسيكية وتكتيكات خوضها تختلف عن تلك النظريات المعاصرة التي يتم تدريسها في المعاهد العسكرية. ولهذه الأسباب صدرت الكثير من التصريحات عن أساتذة في العلوم الإستراتيجية تنصح أوباما بعدم التورط في معارك وهمية ضد قوى غامضة تفتقد إلى هوية محددة وعناوين واضحة. وهذا النوع من الحروب لا فائدة سياسية منه لأنه يعتمد تكتيكات حديثة ضد مجموعات تقليدية تمتلك خبرات خاصة في الدفاع عن مواضعها ما يعطيها فرصة للتحرك في مجالها الجغرافي.
الأفضلية العسكرية في أفغانستان ليست لمن يمتلك التفوق الجوي وإنما لمن يمتلك التفوق الميداني على الأرض. ومن يعرف تضاريس الأرض أكثر يستطيع أن يأخذ المبادرة وينجح في استنزاف الطرف الآخر. المسألة أساسا تتصل بالمعرفة وليس بالقوة. والمعرفة في أفغانستان هي لمصلحة قبيلة البشتون لأنها تمثل القوة البشرية الضاربة ميدانيا ولا يمكن اقتلاعها من أرضها بالقصف الجوي ومطاردة الصواريخ البعيدة المدى.
هذه المسألة المعرفية لا تأخذها المعاهد العسكرية في الاعتبار وتستبدلها دائما بالقوة النارية والأدوات والمعدات والكاميرات انطلاقا من نزعة تفوق الجو على الأرض المعززة بتكنولوجيا دولة كبرى ضد قبيلة تقليدية. ولكن حسابات الميدان أثبتت أن معادلة القوة في حرب غير كلاسيكية تأتي لمصلحة الطرف الأكثر التصاقا بالأرض والأوسع معرفة بالتفصيلات والجزئيات والممرات والمداخل والمخارج والتضاريس. وقبيلة البشتون في هذا المعنى تمتلك تلك المعرفة التي تعطيها أفضلية في التعامل اليومي مع قوات نظامية مجهزة بالمعدات ولكنها غير قادرة على التكيف مع طبيعة وعرة يصعب التحكم بها اعتمادا على الآلة.
اختلاف قواعد الاشتباك سيؤدي لاحقا إلى تراجع قوات التحالف عن استكمال المهمة. فالمهمة طويلة وشاقة وهي تحتاج كما ذكرت تقارير «البنتاغون» إلى إرسال أكثر من 600 ألف جندي لمواجهة 32 ألف مقاتل من «طالبان». والفارق النسبي بين الطرفين لا يعود إلى القوة بل إلى المعرفة. واعتراف «البنتاغون» بوجود نقص في التعزيزات يؤشر مبكرا إلى النتيجة السلبية التي ستتوصل إليها قوات التحالف في أفغانستان... النتيجة فاشلة ولن تكون أفضل من السابق.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2645 - الأربعاء 02 ديسمبر 2009م الموافق 15 ذي الحجة 1430هـ
سيرحلون بسراويلهم مبتلة
نهاية الأمريكان ستكون في أفغانستان كما حصل لروسيا و بريطانيا و غدا لناظرة لقريب . و القنابل الأمريكية تم تحويلها لخردة ( ماو ) لزري عتيق . أما كرزاي و أعوانة بدت سراويلهم تبتل . و سيرحلون بها وهي مبتلة .