تتشح البحرين برداء احتفالات يوم «المرأة البحرينية» في 1 ديسمبر / كانون الأول، وقبلها كانت فعاليات اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة في 25 نوفمبر / تشرين الثاني. تابعت بشيء من الاهتمام، ما نشر، بشأن المرأة في هاتين المناسبتين ووجدت أن جلها، وخلاصة ذلك الجل، قد تمحور حول دعوات لإنصاف المرأة أو مساعدتها على نيل حقوقها. ينتاب المرء شعور من نوع خاص حين يُقْبل على قراءة مقالات، أو مشاهدة حلقات تلفاز، تتناول المرأة حقوقها. تضع تلك المواد من يقبل عليها، في أجواء خاصة جوهرها أن «المرأة مخلوق مختلف» ينبغي أن تعالج قضاياه من زوايا مختلفة، تجرك عنوة نحو دوائر من «الشفقة» أكثر منها للعمل القائم على المساواة، في الواجبات قبل الحقوق.
شذ عن هذا المدخل كتاب مترجم وقع بين يدي خلال عطلة العيد. عنوان الكتاب «النساء والمال»، من تأليف سوزي أورمان، وترجمة هاني تابري، وإصدار «دار الكتاب العربي» اللبنانية. صدرت النسخة المترجمة في العام 2009، أما الأصلية (Women & Money)، فقد صدرت في العام 2007. الملفت للنظر هو أن العنوان ذاته حمله الكتاب الثالث عشر الصادر عن ندوة أقامتها جمعية «الباحثات اللبنانيات». لم يتسنَّ لي الاطلاع عليه، لكن ورد في مراجعة له نشرتها صحيفة «المستقبل» اللبنانية أسماء من شاركوا في الندوة التي حمل وقائعها ذلك الكتاب، وهم «رئيس لجنة الرقابة على المصارف وليد علم الدين، وأمين سر جمعية المصارف في لبنان مكرم صادر، وعميد العلوم الاجتماعية في الجامعة الأميركية اللبنانية بول طبر، وأستاذة تاريخ الفنون في الجامعة اللبنانية زينات بيطار».
ومن المواد التقليدية التي وردت في تلك المراجعة، ونقلا عن ذلك الكتاب، هي أن «نسبة النساء إلى مجموع موظفي المصارف اللبنانية في العام 2008 بلغت نحو 45 في المئة، كما أن نسبة الجامعيات إلى مجموع الحائزين على الشهادات الجامعية سجلت 52 في المئة (أي أن الجامعيات في القطاع المصرفي أكثر)، إلا أننا نجد أن المراكز الإدارية تتراجع بنسب النساء مقابل الرجال أقل كثيرا من 52 في المئة، بالكاد تصل إلى 32 في المئة من ناحية الكوادر الإدارية، لذلك فإن نسبة النساء العاملات بالمصارف أكثر علما من الرجال العاملين بالمصارف، أما بالنسبة إلى المراكز الإدارية، فهناك ينخفض عددهن إلى نحو الثلث، وأن هناك أقل 3 في المئة من النساء في مجالس الإدارة، وهي نسبة قليلة جدا، وهناك سيدتان فقط بين المديرين العامين للمصارف العاملة في لبنان، كلتاهما تديران فروعا لمصارف أجنبية غير عربية». لم تأتِ الندوة ومن الكتاب بما هو جديد، بل ربما معلومات مكرورة يحلو لمن يريد أن يصنف في خانة المدافعين عن المرأة العربية الاستعانة بها.
كتاب سوزي أورمان «النساء والمال»، يختلف عن كل ما سبقه، على الأقل حسب قراءاتي المتواضعة في شئون المرأة. يكتشف القارئ ذلك من التمعن في الكثير من العبارات والمقاطع التي أوردتها المؤلفة، لكونها غنية بالدلالات ليس في نطاق موضوع «النساء والمال» فحسب، وإنما في مجال دائرة أوسع من ذلك وتغطي دور المرأة في المجتمع، والعلاقات الصحيحة التي ينبغي لها أن تنسجها مع أفراده، كي تغادر مواقع الضعف والشفقة التي يحلو لمن يعالج موضوعات المرأة حصرها فيها، إلى خانات الثقة بالنفس والمساواة التي تحاول سوزي أن تضع المرأة فيها.
أولى تلك العبارات ترد في إهداء الكتاب، والتي تقول «إلى كل نساء الأمس واليوم وغدا فلنساعد بعضنا بعضا ونسعى جميعا لبلوغ العظمة»، وكأني بها تريد أن تنهي عبارتها قائلة فليس «بحوزة جميع هؤلاء النسوة شيء يفقدنه سوى قيودهن».
وفي موقع آخر (ص23) تقول سوزي: «... لاتزال القصة هي نفسها. فبصرف النظر عن المكاسب على الصعيد المالي، نعلم كلنا أن النساء ما زلن يحجمن عن تحمل المسئولية بالنسبة لأموالهن». ثم تضيف (ص25)، مؤكدة على «أن هناك علاقة مع مالنا، لكنها علاقة مختلة».
وتروي سوزي قصة حياتها (ص35)، كي تستنتج منها، أنها، ورغم بعض الإعاقات الجسدية التي كانت تعاني منها في طفولتها، كامرأة حرصت على انتزاع حقوقها الكاملة التي تستحقها، خاتمة ذلك الفصل بمخاطبة المرأة قائلة «لا تحاولي بعد الاختباء وراء الأعذار... كل واحدة منكن قادرة على ذلك أيتها السيدات».
تغني سوزي كتابها بمجموعة متميزة من «الاختبارات والتدريبات»، التي تحاول من خلالها ترغيب المرأة في الاهتمام بشئونها المالية، عائلية فردية كانت أم مهنية أو أعمالا، كل ذلك من أجل تشجيع المرأة على التمرد على ذهنية تتحكم في أغوار نفسها تدفعها نحو بيع نفسها بثمن بخس (ص 45-51) مقارنة بنظيرها الرجل.
تفرد سوزي فصلا خاصا يتعلق بـ «الحسابات الجارية وحسابات الادخار»، وهو فصل غني بالنصائح حول تصرف المرأة اليومي بالأموال التي بحوزتها. وتعزز سوزي مواد ذلك الفصل بالعديد من الأمثلة الحيوية التفصيلية التي يمكن بعد قراءة المرأة الصحيحة لها أن تعينها على حسن التصرف في تلك الأموال، بما في ذلك طرق ادخارها في المصارف.
تنهي سوزي كتابها بفصل طريف يتعلق بالاسم الذي ينبغي أن تطلقه المرأة على نفسها، وربما هذه قضية لا تواجه الغالبية من نساء الخليج اللاتي يحتفظن بالاسم العائلي، ولا يغيرنه إلى اسم عائلة الزوج بعد القران. وهو فصل ممتع وبه العديد من النصائح النفسية التي استقتها سوزي من تجاربها الشخصية.
لا يعني ذلك أننا نتفق مع كل ما جاء في ذلك الكتاب، فهناك تركيز شديد على العلاقة التي تريد المؤلفة للمرأة أن تنسجها المرأة مع ممتلكاتها المالية، لكننا نتفق مع سوزي أورمان أن «المال» و «ملكيته» يحددان الكثير من شكل العلاقات بين المرأة والمجتمع الذي تعيش فيه. ولا يستطيع أحد أن ينكر كم هو الغبن الذي يقع على المرأة جراء تجريدها من حقها في التصرف بأموالها، التي يحلو للرجل أن يستغلها كي يمعن في سيطرته على المرأة ويعزز من أشكال استغلاله غير الإنساني لها.
كما لا يعني ذلك أيضا أن ما تدعو له سوزي يمكن أن يكون بديلا عن الأنشطة القائمة اليوم والمدافعة عن المرأة وحقوقها، بقدر ما هو رديف لها. ولمن يريد أن يعرف من هي سوزي أورمان يمكنه قراءة ما جاء بشأنها في الغلاف الداخلي من النسخة العربية، فهي «صاحبة العديد من المؤلفات الحائزة على جوائز الكتب الأكثر مبيعا، ومنها: «الخطوات التسع نحو الحرية المالية»، و «الشجاعة لتصبح غنيا»، و «دليل سوزي أورمان المالي»، وهي نشطة في الشئون المالية في الكثير من البرامج التلفزيونية والمجلات المتخصصة والمواقع الإلكترونية»، أو زيارة واحد من موقعيها الإلكترونيين:
www.suzeorman.com - www.spiegelandgrau.com
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2644 - الثلثاء 01 ديسمبر 2009م الموافق 14 ذي الحجة 1430هـ