كانت المذبحة المروعة التي راح ضحيتها 57 مدنيا الأسبوع الجاري في جنوب الفلبين بمثابة تذكرة بنفوذ العائلات السياسية في البلاد ومخاطر الإفلات من قبضتها الخانقة.
وينتمي المشتبه به الرئيسي في جرائم القتل المروعة التي ارتكبت في الثالث والعشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري إلى واحدة من العائلات السياسية البالغ عددها أكثر من 200 والتي تسيطر على الحياة السياسية في الفلبين منذ عقود.
وكان من المفترض أن يخلف داتو اندال امباتوان جونيرو والده حاكم إقليم ماجيوينداناو الذي يبعد 930 كليومترا جنوب مانيلا منذ عام 2001. ومن المتوقع أن يخوض الانتخابات بلا منافس مثل والده في الانتخابات السابقة.
ولكن عائلة مانجوداداتو المنافسة، وهي عائلة سياسية بارزة أخرى في جنوب الفلبين، رأت أن الوقت قد حان لتحدي حكم عائلة امباتوان في الإقليم الفقير.
وارسل إسماعيل «توتو» مانجوداداتو، نائب عمدة بلدة بولوان الحالي في مانجوينداناو، زوجته وشقيقتيه وأقارب نساء أخريات وعددا من أنصاره ليقدموا أوراق ترشحه بعدما تلقى تهديدا بالقتل. واعتقد هو وأسرته أن النساء، بصحبة العشرات من الصحافيين، لن يتعرضوا للأذى .
ولقي الجميع في الموكب حتفهم حيث تم إطلاق النارعليهم بطريقة وحشية وتم قطع رقاب البعض وبترت أعضاؤهم بينما تم إطلاق النار بلا رحمة على الأعضاء التناسلية للنساء وتعرضن حتى للاغتصاب.وتم إلقاء بعض الجثث في مقابر جماعية مع السيارات المحطمة.
وبينما لطخت أعمال العنف صورة الوضع السياسي في الفلبين، أثار حجم المذبحة الذي لايمكن تخيله في بلدة امباتوان القلق إزاء حجم النفوذ الذي تتمتع به بعض العائلات السياسية.
وقال رئيس تحرير صيحفة «ديلي انكويري»ر الفلبينية «الصدمة التى نشعر بها جميعا هي صدمة إدراك الواقع . إننا أدركنا أن هذا مايحدث عندما تصبح السلطة مطلقة».
والشيء المعتاد في كل أنحاء الفلبين أن ترى الأزواج والزوجات والأبناء والبنات والأشقاء والشقيقات والأقارب الآخرين يشغلون مناصب من خلال الانتخابات أو التعيين في الحكومات.
ويتحالف المسئولون الوطنيون والأحزاب السياسية غالبا مع العائلات البارزة في الأقاليم لضمان الدعم المحلي وبصفة خاصة خلال الانتخابات عندما يلجأ الجميع إلى العائلات للإدلاء بالأصوات.
ووفقا لمركز تمكين الشعب في الحكم، أن هناك نحو 250 عائلة سياسية نشطة في الشئون السياسية في الفلبين. ولدى الكثير من هذه العائلات جيوش خاصة أو تتمتع بدعم المجموعات المسلحة لحماية مصالحها.
وقال المركز في دراسة أجريت في عام 2007 «هذه هي العائلات التي تنتمي إلى النخبة الاقتصادية في البلاد والتي يقوم البعض منها بدور صناع الحكام أو رعاية السياسيين الذين يتآمرون سويا لكسب نفوذ اقتصادي اكبر».
وتحمى غالبا العائلات نفوذها السياسي والاقتصادي بأي ثمن حتى باللجوء إلى العنف ضد اى شخص يهدد وضعهم أو يحاول تقليص نفوذهم. وتشن حتى أعضاء العائلات أحيانا هجمات ضد أعضاء آخرين في مناطقهم. وفي عام 2006، اغتيل مشرع أمام كنيسة كاثوليكية في مانيلا وواجه ابن عمه، حاكم الإقليم، في إقليمهما بإصدار الأمر بقتل المشرع.
وبينما يحظر الدستور الفلبيني العائلات السياسية، فإن قانونا سوف يطبق الحظر لايزال قيد البحث في الكونغرس الفلبيني (البرلمان)، ولكن الكثير من المشرعين في البلاد يعارضونه لأنهم منحدرون من عائلات سياسية أيضا.
وانتقدت الرئيسة غلوريا ماكاباجال ارويو، وهى سليلة عائلة سياسية قديمة كونها ابنة الرئيس السابق الراحل ديوسداديو ماكاباجال، الطريقة التي تدار بها السياسة في الفلبين.
وكانت ارويو قد قالت «على مدى سنوات، فإن نظامنا السياسي قد تدهور إلى الدرجة التي أصبح عندها من الصعب بالنسبة لأي شخص يرغب في تحقيق تقدم أن يحافظ على يده نظيفة». وأضافت «ربما تسببنا في حدوث توتر شديد في النظام السياسي الحالي»
ويدافع السياسيون من العائلات البارزة عن استمرار حكمهم ويقولون إنهم يولون اهتماما بالأشخاص في مناطقهم. ولكن مركز تمكين الشعب قال إن انتشار العائلات السياسية في الفلبين يلقي الضوء على الوضع شبه الإقطاعي في البلاد حيث تتكدس و تتركز الثروة في عدد قليل من العائلات السياسة.
وأضاف المركز «العائلات السياسية نتاج مجتمع يتميز بالتفاوت في الدخول وانعدام الفرص للارتقاء الاقتصادي والاجتماعي بالنسبة للغالبية من الشعب». متابعا» انه كلما تعرض المجتمع الريفي للمزيد من الركود، كلما ترسخ النفوذ».
العدد 2643 - الإثنين 30 نوفمبر 2009م الموافق 13 ذي الحجة 1430هـ