العدد 2641 - السبت 28 نوفمبر 2009م الموافق 11 ذي الحجة 1430هـ

رِفْقَا بِأموال العراق يا ساسَة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يتقاضى النائب في مجلس النوّاب العراقي راتبا شهريا وقَدره سبعة آلاف دولار. وتتقاضى حمايته الخاصة وعددها ثلاثون حارسا 640 دولارا لكلّ فرد شهريا، أيّ ما مُعدّله 19200 دولار. فيما تزيد حماية بعض النّواب عن الثلاثين حارسا، وبالتالي تزيد الكُلفة.

الأكثر من ذلك أن العديد من النواب لا يحتاج إلى مثل تلك الحماية أصلا على اعتبار أنه يعيش داخل المنطقة الخضراء أو في مناطق مُحصَّنة بشكل جيّد، أو أنه خارج العراق وبالتالي فإن أموال الحراسة تؤول إليه في النهاية.

في الشهر الفائت، طالب أعضاء المجلس عبر مشروع قانون للحصول على «جواز سفر دبلوماسي للنائب ولزوجته ولأطفاله الأقل من سن الرشد مدى الحياة، مع امتيازات أخرى، واعتبار مبلغ القرض السابق الذي قُدِّمَ للنواب بغرض شراء سيارات قيمتها الإجماليّة ستون ألف دولار على أنه منحة غير مُسترجعة».

وقبل ذلك بشهر ونصف الشهر فقط أقرّ المجلس قرارا مَنَحَ النّواب فيه أنفسهم حق تملك أراضٍ في مواقع جيدة على نهر دجلة، في بادرة شبيهة بمبادرة أعضاء مجلس الوزراء الذين نالوا الامتياز ذاته قبل أكثر من أربعة أشهر، وثار حوله جدل كبير.

وحَسَب القانون العراقي فإن هيئة الرئاسة العراقية (رئيس كردي ونائبيه شيعي سُنّي) قامت في السّابق بنقض قانون الامتيازات المُقَر مرّتين داخل مجلس النواب، إلاّ أنها لم تستطع نقضه في المرّة الثالثة حسب الدستور، لأن المجلس النيابي صوّت عليه بغالبية ثلاثة أخماس الأعضاء في المرّة الأخيرة لذا فقد اعتُبِرَ المشروع نافذا.

اليوم وعندما تُجرَى الانتخابات وتفوز قوائم جديدة سيعني ذلك أن النواب الجُدد سيحصلون على الامتيازات ذاتها. وإذا ما قرّرنا أن المجلس الجديد سيضم 323 نائبا فإن مبلغ ثمانية ملايين ونصف المليون دولار ستُصرَف شهريا كرواتب فقط. بالإضافة إلى الأراضي المُخصّصة للنواب والجوازات الدبلوماسية وبقيّة الامتيازات.

المُشكِلة ليست في هذه القضية فقط، وإنما في أمور ذات صِلَة بطريقة استحصال المال ومُراكمته في ظلّ أوضاع البلد المأساويّة. فاليوم تُطالِب لجنة النزاهة داخل مجلس النواب بضرورة كشف النواب عن ذممهم المالية.

وحَسَب تصريح صباح الساعدي (رئيس اللجنة) فإن «هناك بعض النواب يخشون الكشف عن ذممهم المالية كي لا يتعرضوا إلى المساءلة من قبل الهيئة حينما تكتشف أن قيمة ممتلكاتهم لا تتناسب مع مردوداتهم المالية».

وحسب الأرقام المنشورة رسميا من قِبَل هيئة النزاهة والمحاسبة فإن هناك مئة وأربعة نوّاب فقط من داخل المجلس قاموا بالكشف عن ذممهم المالية من أصل 275 نائبا، أي ما نسبته 37.8 في المئة من مُجمَل أعضاء المجلس.

ما يُخيف في هذه الأرقام والأنباء والقرارات هو اختلاطها بمصالح خاصّة أمام مصالح عامّة تهمّ العراق. ففي ظلّ المناقصات الكبيرة التي تُمرّر في قطاعات النفط والطاقة والبناء فإن تسويات ما «تحت الطاولة» عادة ما تكون نَشِطَة.

ليس الأمر خاصّا بمجلس النواب فقط، وإنما في بقيّة مناشط الدولة وأجهزتها التنفيذية والرقابيّة. والجميع يتذكّر ما أعلنته شركة بلاك ووتر قبل فترة من أنّ مسئولين في أجهزة الدّولة تسلّموا منها رشا ماليّة نظير صمتهم عن مجزرة الشركة في ساحة النّسور ببغداد والتي راح ضحيتها سبعة عشر عراقيا مدنيا قبل عامين.

فالعراق بلدٌ بِكْر، وخارجٌ للتوّ من حصار دولي خانق، وقد شُرِّعَت أبوابه على الشركات العالمية الضخمة التي باتت تدخل السوق العراقية بمئات المليارات من الدولارات، وبالتالي فإن الرقابة على المال يجب أن تكون مُضاعفة.

اليوم دخلت شركتا إكسون الأميركية وشل البريطانية في حقل غرب القرنة العملاق في البصرة. كما دخلت شركة النفط البريطانية الضخمة بي بي والصينية سي ان بي سي في حقل الرميلة الذي يُعَد أحد أكبر الحقول النفطية في العالم.

وقبلها كانت شركات إيني الإيطالية واوكسيدنتال بتروليوم الأميركية وكوجاس الكورية الجنوبية قد وقّعت اتفاقا بشأن حقل الزبير. وهو ما يعني أن السوق العراقية (وخصوصا في مجال الطاقة) محلّ مراقبة دولية.

لذا فإن تشديد الرقابة على مسألة النزاهة، وأيضا في مسألة الامتيازات تُصبح ضرورة مُلحّة، خصوصا الأخيرة لارتباطها بدفوع ذاتية، والتي يُمكن أن تعود إلى أصل الثقافة السياسية التي من المُفترض أن تسود العراق اليوم

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2641 - السبت 28 نوفمبر 2009م الموافق 11 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً