التاريخ الدامي للشرق الأوسط وصراعاته المحلية والاقليمية له كلفة، وهذا ما يشرحه اليه تقرير Cost of Conflict in The Middle East ، الصادر عن موسسة Strategic Foresight Group، ومقرها الهند، بالتعاون مع حزب العدالة والتنمية التركي، ووزارة الخارجية السويسرية، ووزارة الخارجية النرويجية، ومؤسسة قطر. ونواصل شرح جوانب من الكلف الذي تعرض لها التقرير.
الكلفة المترتبة على المجتمع المدني
ترتب ويترتب على الصراع في الشرق الأوسط كلفة كبيرة على الاقتصاد العالمي والبشرية. إن صراع الشرق الأوسط متداخل مع الجهات الارهابية ضد الولايات المتحدة وحلفائها وما يقابله بما يعرف حرب عالمية ضد الارهاب تقودها الولايات المتحدة بما يترتب عليه من اندلاع الحروب والنزاعات، بما في ذلك الحرب في افغانستان والباكستان، والازمات الاقتصادية النتاتجة عن المضاربة في النفط بسبب التهديدات مما يدفع أسعاره عاليا. لا يعني ذلك ان الشرق الأوسط هو المولد الوحيد للارهاب والحرب على الارهاب وارتفاع أسعار النفط لكنه يسهم بما يتراوح ما بين 30 في المئة - 50 في المئة من هذه المحركات. ان الثمن الذي يدفعه المجتمع الدولي لا يقتصر على الخسائر المباشرة للنزاعات أو الناتجة عن ارتفاع اسعار النفط أو الخسائر البشرية، ولكن الخسائر المترتبة على تفاعلات النزاع وحرف الجهود بعيدا عن قضايا عالمية مثل مكافحة الفقر، والصحة والهجرة وسلامة النظام المالي العالمي.
هناك علاقة قوية ما بين ارتفاع النزاعات في الشرق الأوسط وارتفاع أسعار النفط فقد شهدت الخمسين سنة الماضية 5 فورات للاسعار النفطية على الاقل.
شهدت أسعار النفط ارتفاعا شديدا منذ 2003 وتقلبات شديدة خلال 2005 ... وفيما أسهم الطلب المتزايد على النفط من كل من الصين والهند والمضاربات على النفط إلى ارتفاع الاسعار، فإن فترة الارتفاع إلى توافقت مع حرب العراق الكبرى والتكهنات حول الحرب على إيران.
تسببت الاجراءات الأمنية الاميركية المتبعة بعد هجمة 11/9 في ان تضع الولايات المتحدة عشرات الالاف من الاشخاص على قائمة الممنوعين من ركوب طائرات باتجاه الولايات المتحدة، وقد بلغ عدد هؤلاء في اغسطس 2008 ما يزيد على 100 الف، بعد ان كان عددهم 16 في 11/9/2001 حيث وضعت الاف أخرى تحت المراقبة المشددة الذين يتوجب استجوابهم وتفتيشهم في المطارات الأميركية.
واضافة لذلك هناك العشرات الالاف ممن هم ضحية تشابه الاسماء والذين يعرضون إلى الاستجواب والتفتيش القاسي عند وصولهم أو مغادرتهم الولايات المتحدة.
لكن عدد من هم تحت مراقبة أجهزة المخابرات الأميركية قد بلغ المليون في ديسمبر 2008 ويتوقع ان يبلغ مليونين في ديسمبر 2012 مما يعني ان الحرب على الارهاب لم تخفض عدد المشتبه بهم بل ضاعفتهم مع ما يعني ذلك من اعباء وخسائر. ويضاف إلى ذلك ما يعانيه جميع المسافرين على امتداد العالم من اجراءات وممنوعات في المطارات، والمرافق العامة والفنادق وغيرها.
وقد قدرت لجنة الاعتمادات في الكونغرس نفقات الحرب الكونية على الارهاب 805 بليون خلال الاعوام 2001 - 2008.
ترتب على التدهور المخيف للحرب على الارهاب بما في ذلك الحروب الخارجية تحول ميزان المدفوعات الاميركي من الايجابي حتى العام 2001 محققا فائضا قدره 103 مليار دولار إلى السلبي حيث بلغ العجز 2.6 مليار دولار للعام 2007، وبذلك ارتفع الدين الخارجي للولايات المتحدة باطراد منذ العام 2000 حيث بلغ 58 مليار دولار وارتفع الى 67.5 مليار دولار في العام 2007.
يترتب على مرابط قوات حفظ السلام الدولية أو المراقبين الدوليين على جانبي حدود إسرائيل مع سورية ولبنان ومراقبي السلام في الشرق الأوسط خسائر في الارواح ونفقات متزايدة .
فرغم تضاعف المساعدات الأوروبية إلى فلسطين المحتله ثم سلطة الحكم الذاتي باطراد حيث ارتفعت من 137 مليون يورو سنويا خلال عقد التسعينيات ثم 250مليون يورو سنويا خلال الفتره 2000 حتى 2005ثم قفزت الى 340 مليون يورو عام 2006 لتقفز مره اخرى الى 550 مليار يورو عام 2007. إلا انه و في ظل الاحتلال الاسرائيلي وسياسة العقاب الجماعي والاجتياحات والحصار والجدار العازل فإن ذلك يحد كثيرا من نتائجها الايجابية.
تعود جذور «القاعدة» إلى حركة التمرد التي دعمتها الولايات المتحدة لمقاومة الاحتلال السوفياتي لأفغانستان، وحركة طالبان التي رعتها أميركا في باكستان وحرب الخليج الأولى 1990 ومأزق فلسطين، وتطرف بعض العرب والمسلمين. أما «قاعدة العراق» فقد انطلقت اثر الحرب الاميركية على العراق، إذا فـ «القاعدة» هي حصيلة السياسة الأميركية الخاطئة في الشرق الأوسط وأفغانستان، وفشل الانظمة المحلية اقتصاديا وسياسيا. وقد ذكر الرئيس المنتخب اوباما في خطاب القسم ان «القاعدة» انتشرت في 80 بلدا عام 2008 أما الثمن في الخسائر البشرية للحرب ما بين القاعدة وحلفائها من ناحية والولايات المتحدة في ناحية أخرى فهي خسائر جسيمة وتشمل قتلى التحالف الاميركي في افغانستان (5 آلاف) وقتلى هجمة 11/9/2001 (3 آلاف). والآلاف من المدنيين.
لقد مكن تركيز أميركا وحلفائها على مسرح الحرب في العراق طالبان من ان تركز جهودها في افغانستان وباكستان، وتضاعف المنضمين الى صفوفها، وتزيد كثيرا من هجماتها وفاعلية هذه الهجمات، بحيث أضحت مناطق واسعة من افغانستان تحت سيطرتها ومناطق شرق الباكستان تحت نفوذها. ترتب على ذلك ارتفاع حاد في خسائر قوات التحالف وزيادة مساحات انتاج الأفيون وانتاج الحشيش والهيروين مع ما لذلك من نتائج مدمرة على البشر والاقتصاد الغربي. ويعود تراجع المساحات المزروعة خلال 2008 الى الجفاف وليس المكافحة
أدى هوس أميركا بالشرق الأوسط إلى شن حرب لا مبرر لها ضد العراق وغوصها في الوحل العراقي بحيث اضعفها في افغانستان واجبرها بالتعاطي مع آيات الله في إيران والرئيس المتشدد أحمدي نجاد واضعف الاصلاحيين بزعامة خاتمي, مما ادى إلى تعزيز وضع المتشددين داخل ايران وتزايد نفوذهم الاقليمي. واعطى إيران الفترة الضرورية من المهادنة الاميركية لتطوير برنامجها النووي.
مقابل تعزيز النفوذ الايراني، فقد فقدت أميركا باطراد صدقيتها. وتدل استطلاعات الرأي العام في العالم العربي ان أميركا فقدت قيادتها المعنوية نتيجة سياساتها الخاطئة في الشرق الأوسط. كما ان هيئة الاذاعة البريطانية (BBC) قد أجرت استفتاء في 25 بلدا في العام 2007
بعد نجاح مؤقت لمؤتمر مدريد واتفاقية اوسلو، تعثرت عملية السلام وتراجعت صدقية المؤسسة الدولية، ولقد فشلت سبع مبادرات سلام في الفترة ما بين 200 و2008. في الوقت ذاته فقد اندلعت خمسة نزاعات عنيفة وهي: الانتفاضة الأولى، الحرب على العراق، الحرب بين «إسرائيل» وحزب الله، صراع فتح وحماس، صراع الولايات المتحدة/ «إسرائيل»/ إيران، مما شكل ظاهرة الاعتماد المتزايد على العنف من قبل مختلف الاطراف دون الرجوع إلى العلاقات الدولية.
تنبع المخاطر المستقبلية من الحروب الاقتصادية العالمية، وأحد عناصرها المهمة هو النفط. هناك بلدان على الاقل وهما إيران وفنزويلا من مصلحتها تغيير قواعد تسعير النفط والعملية المستخدمة في تسعير النفط وهي الدولار، وهناك بلدان على الاقل وهما روسيا والصين تسعيان لكي تثبتان دورا قياديا في الاقتصاد العالمي، وترتبط البلدان الاربعة بمصالح متبادلة ومن مصلحتها تغيير قواعد تجارة النفط والتجارة الدولية. وهناك عدة فرضيات في ضوء توجهات البلدان الاربعة أهمها:
-1 تحول كلٍّ من إيران وروسيا وفنزويلا إلى بيع نفطهم والذي يمثله 910 في السوق وغازهم بغير الدولار (اليورو مثلا).
-2 تحول الصين عن اعتماد الدولار في احتياطاتها.
-3 تحويل فنزويلا جزءا مهمّا من صادراتها النفطية عن الولايات المتحدة إلى الصين.
هبوط الدولار قد يؤدي الى ان يصبح اليورو يساوي دولارين وسيترتب على هذه الفرضيات إن تحققت::
- فقدان الدولار للثقة في عملية التبادل والاحتياط العالمية.
- سحب الصينيين والروس والعرب لاستثماراتهم في الولايات.
- تبنّي الولايات المتحدة لسياسة حمائية.
- إجراءات مضادة من قبل الشركاء التجاريين للولايات المتحدة لحماية مصالحهم.
تحركات غير متوقعة لرأس مال وانهيار بنوك وانهيار أسواق الودائع وركود عالمي شامل المخاطر العالية:
- قيام استقطاب حاد في الشرق الأوسط ما بين الولايات المتحدة و «إسرائيل» والدول العربية من ناحية وإيران وروسيا والشعوب العربية بدعم من الصين من ناحية أخرى.
- تزايد المواجهة ما بين إيران من ناحية والولايات المتحدة و «إسرائيل» مع بقاء روسيا على الحياد.
- قيام تقارب ما بين الولايات المتحدة وإيران إذا ما تم حل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني وبالتالي تتوجه القوى الكبرى للانغماس في عملية الاستقرار العالمي.
إذا ما اندلعت حرب ضد إيران فإن هناك خطر اغلاق مضيق هرمز وذلك بزرع ألغام بحرية وإغراق سفن، ويمكن ان يبقى مغلقا لشهرين فيما سيستغرق تنظيف المضيق واستنئناف عمليات الملاحة ما بين 40 و60 يوما وهناك بعض الحقائق المهمة عالميا:
- مجموع الصادرات النفطية تساوي 46 مليون ب/ي.
- مجموعة الصادرات النفطية عبر المضيق تساوي 16.4 مليون ب/ي، أي 40 في المئة من مجمل الصادرات النفطية عالميا.
- ان 90 في المئة من صادرات الدول المطلة على الخليج تتم عبر مضيق هرمز.
- تلبي هذه 75 في المئة من احتياجات اليابان، و72 في المئة في احتياجات كوريا و65 في المئة من احتياجات الهند و34 في المئة من احتياجات الصين و25 في المئة من احتياجات أوروبا (OECD) و18 في المئة من احتياجات الولايات المتحدة الأميركية... يتبع.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 2640 - الجمعة 27 نوفمبر 2009م الموافق 10 ذي الحجة 1430هـ