وصل موشيه دَيان، وزير دفاع «إسرائيل» الأسطوري في السابع من يونيو/ حزيران العام 1967 إلى تلة الهيكل في القدس، والتي كان مظليو الجيش الإسرائيلي قد احتلوها قبل ساعات قليلة، وشاهد علما إسرائيليا وقد وضع على قبة الصخرة المشرفة. أمر ديان بإزالة العلم فورا، واضعا بذلك واحدا من أهم مبادئ السيطرة الإسرائيلية على الأماكن الإسلامية والعربية المقدسة: سوف تُظهِر «إسرائيل» ضبطا ذاتيا واحتراما لاستقلالية السلطات الإسلامية في هذا المجال.
برز في الأسابيع والشهور التالية نظامٌ حساس ولكنه ثابت: تُرِكَت مفاتيح جميع بوابات الحرم الشريف، باستثناء واحد، في أيدي الأوقاف، وهي المؤسسة التي تدير الموقع. تم ضمان وصول غير المسلمين إلى التلة إلا أنه لم يُسمح بعقد الصلاة هناك لغير المسلمين. كانت قوانين الانخراط غير الرسمية هذه أمورا يمكن لكل من السلطات الدينية اليهودية والإسلامية قبولها. منعت أحكام الحاخامات وبشكل شامل صعود اليهود إلى التلة لئلا يتم انتهاك حرمة أقدس المواقع. أمكن للاوقاف تثبيت وصول الجميع إلى الموقع بشرط الحفاظ على حصرية العبادة الإسلامية عليه.
سيطر سلام هش في معظم الحالات، رغم أنه قابِل للانهيار بسهولة شديدة.
في العام 1969 قام سائح أسترالي مخبول بحرق المسجد الأقصى، مما أدى إلى انتشار أعمال العنف.
وفي العام 1990، أوقفت الشرطة الإسرائيلية محاولة لـِ «المؤمنين بتلّة الهيكل» إحضار حجر زاوية لإعادة بناء الهيكل الثالث إلى الموقع، إلا أن ذلك أدى إلى أعمال عنف نتج عنها مقتل 21 فلسطينيا.
وفي العام 1996 أدى فتح نفق أثري محاذٍ للتلة إلى أول انتشار لأعمال العنف في كافة أنحاء المناطق الفلسطينية بين الإسرائيليين والفلسطينيين منذ توقيع معاهدات أوسلو.
وفي سبتمبر/ أيلول من العام 2000 أطلقت زيارة قام بها زعيم المعارضة يومها آرييل شارون الانتفاضة الثانية.
هناك نمط معين: تنفجر القدس نتيجة لتهديدات حقيقية أو ظاهرية لكرامة المساحة المقدسة. وليست هناك مساحة أكثر قدسية من التلة، التي تشكل جاذبا لهؤلاء الذين يسعون لنشر بذور الشقاق وتشجيع رؤى رهيبة ونقطة تجمع قاتلة للأصوليين الإسلاميين داخل «إسرائيل» وخارجها.
كان الموقع في الأسابيع الأخيرة محط تركيز جولة جديدة من العنف، الأمر الذي أثار اتهامات واتهامات مضادة من قبل الإسرائيليين والفلسطينيين والعالم العربي حول من هو الملام. وهناك الكثير من الملامة في كافة الاتجاهات. هذا ويعمل كل من رائد صلاح، الزعيم الناري للفرع الشمالي للحركة الإسلامية الإسرئيلية والقوى اليهودية المتدينة على إذكاء نيران الفتنة.
التحريض من طرف المتطرفين أمر متوقع، إلا أن مواعظهم النارية لن تذهب بعيدا لو لم تذكِ نارها الأحداث على الأرض. خذ على سبيل المثال الادعاء بأن «إسرائيل» تحفر أنفاقا تحت تلة الحرم الشريف، الأمر الذي يؤدي إلى زعزعة أركان مساجده. الأمر فبركة صارخة، إلا أنه صحيح أنه على بعد أمتار قليلة من تلة الحرم الشريف تقوم «إسرائيل» بحفر أنفاق ضخمة تحت منازل الفلسطينيين في الحي الإسلامي وفي حي سلوان القريب، دون إشراف عام. الأمر صحيح كذلك بأن أنفاق سلوان يقوم بحفرها نفس المستوطنين الذين حلوا مكان السكان الفلسطينيين فوق الأرض.
تتم جميع الحفريات الأثرية على ما يبدو، داخل المدينة القديمة في القدس وحولها بإشراف المنظمة الاستيطانية اليمينية. إضافة إلى ذلك فإن وتيرة الاستيطان من الشيخ جراح إلى سلوان وما بعدها قرب المدينة القديمة آخذة بالتسارع، بأعمال يُقصِد بها توسيع وجود المستوطنين وإنزاح المزيد من الفلسطينيين، وتجري بإرشادات، أو بالتواطؤ مع أعلى المراتب في الحكومة الإسرائيلية.
لذا عندما يتم توجيه المسلمين ليعتقدوا أن المساجد على تلة الحرم الشريف معرضة للخطر، فإنه يجري التلاعب بهم بأسلوب ساخر من قبل المتطرفين الإسلاميين. إلا أن مخاوف المسلمين على وضع ومستقبل السكان الفلسطينيين في القدس، وكرامة القدس الإسلامية الدينية والثقافية، شرعية ويجري إذكاء نارها من قبل التصرفات المتهوّرة للحكومة الإسرائيلية.
تقوم «إسرائيل» فعليا بتمكين أسوأ أعدائها وإضعاف قوى الاعتدال في العالمين العربي والإسلامي.
تُحسِن «إسرائيل» صنعا إذا استذكرت الحكمة التي أظهرها موشيه دَيان العام 1967.
بغض النظر عن وجهة نظر المرء حول المستقبل السياسي للقدس، يتطلب ادعاء «إسرائيل» بأنها المسئولة عن حماية هذا المجمّع والمدينة احترام الطروحات الدينية والوطنية المتنافسة وتجسيداتها الفعلية في المواقع المقدسة. سنشهد في غياب ذلك على الأرجح عنفا متزايدا ومتكررا سوف يرسل هزّات عنيفة عبر المنطقة بأسرها.
دانيال سايدمان - مؤسس منظمة «إر أميم» غير الحكومية في القدس ومستشارها القانوني، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2640 - الجمعة 27 نوفمبر 2009م الموافق 10 ذي الحجة 1430هـ