عن طريق الصدفة، وبعد أن عدت من الجلسة الختامية للمنتدى العربي الثاني للبيئة والتنمية في العاصمة اللبنانية (بيروت) مساء يوم الجمعة 20 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، كنت أستعد للنوم بعد يوم شاق، ومنيت نفسي بقضاء وقت قصير قبل النوم، فوقع بصري على برنامج «صناعة الموت» في قناة «العربية»، وطار النوم من عيني حينما وجدت أن (الشاهد) الذي يتحدث في البرنامج هو «ناصر الحزيمي»، أحد الأتباع المقربين لجهيمان العتيبي الذي اقتحم الحرم المكي الشريف فجر يوم الحادي من محرم الحرام من العام 1400 هجرية (يوافق يوم 21 نوفمبر 1979).
وكان «الحزيمي»، يتحدث بدقة وحضور ذهني على رغم علامات الإرهاق والتعب البادية على وجهه، وبعد تفاصيل تبعتها تفاصيل برواية شاهد عصر، كانت النصيحة التي قدمها هذا الرجل الذي أعلن ندمه الشديد لعلمه بالحادثة المزلزلة التي يعيش المسلمون ذكراها الثلاثين متزامنة مع حج هذا العام، دون أن يبلغ السلطات... كانت النصيحة البسيطة الثمينة، هي دعوته لنشر العقلانية والنأي بالمجتمع الإسلامي عن التطرف.
لا أحد يجزم، بأن حادثة جهيمان العتيبي الذي بايع، وطلب من أتباعه أن يبايعوا صهره محمد عبدالله القحطاني على أنه (المهدي المنتظر)، يمكن أن تتكرر يوما ما أو... لا يمكن! لكن ثمة استنساخ متتابع للأفكار المتطرفة أخذت في الانتشار داخل المجتمعات الإسلامية وخصوصا بين الشباب الذين وقعوا في شرك التطرف وأصبحوا يرون الدين الإسلامي قتلا واستباحة للدماء وتشددا، ولعلنا في المجتمع البحريني ولله الحمد، أفضل حالا من كثير من المجتمعات بفضل بقاء الوحدة الوطنية صلبة صادقة في دلائلها وليست مغلفة فقط بالشعارات الكاذبة، ولأن ركن الأمن والاستقرار مصان من قبل الدولة ومن قبل المواطن أيضا، لكننا نعاني من بضع أصوات نشاز، وممارسات مشبوهة ما فتأت تثير البيان الفتنوي تلو الآخر، وتطلق الخطبة الكريهة تلو أختها، مدعية أنها بذلك إنما تعبر عن حبها للوطن وولائها للقيادة، وهي في الحقيقة تدمر بفعل همجي بغيض.
اليوم، هو يوم الوقوف بعرفة... مشهد عظيم هو الحج كله، فالحج عرفة كما قال رسولنا الأكرم محمد (ص)، وإذا كان حجاج بيت الله الحرام يلتقون في أروع صور اللقاء بين بني الأمة باختلاف مذاهبهم وطبقاتهم، فإن حجاج البحرين في تلك البقاع المقدسة، يمثلون الصورة الحقيقية الصادقة لأهل البحرين، يجمعهم هذا الدين العظيم ويشتركون برباط عظيم وهو أنهم أبناء (مملكة البحرين)... فلا تجد بين مجاميعهم إلا التواصل والمحبة والتشرف ببعضهم البعض، والاعتزاز بانتمائهم للبحرين.
ولا أدري، هل في وسعنا نحن البحرينيون أن نجدد هذه الصورة سنويا في الحج، ثم ننقلها مصانة الى مجتمعنا لنتصدى الى ممارسات الفتنة والتفتيت والتمييز والتفرقة بين المواطنين، ليصبح موسم الحج بمثابة تجديد لهذا العهد؟ أم أن النفوس المريضة لا يمكن أن تشفى من سقمها، فتبث سمومها في الحج وتعود من جديد لتواصل خطابها المنكر؟
عبارة عجيبة قالها ناصر الحزيمي: «جهيمان لم يكن صاحب فكر، وجماعته يعانون «هوسا دينيا»!
إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"العدد 2638 - الأربعاء 25 نوفمبر 2009م الموافق 08 ذي الحجة 1430هـ