العدد 2638 - الأربعاء 25 نوفمبر 2009م الموافق 08 ذي الحجة 1430هـ

فقاعة الأسواق الناشئة (2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تشخيص سمات المسألتين: الفقاعة الاقتصادية، والأسواق الناشئة يساعد على فهم العلاقة المحتملة بينهما في خضم الأزمة الاقتصادية العالمية. وإذا اعتبرنا ما جاء في ورقة الأستاذ في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة الإمارات العربية المتحدة يوسف اليوسف، التي ألقاها في لقاء نظمته غرفة تجارة وصناعة البحرين، من أن أهم الأسباب الكامنة وراء الفقاعة العقارية التي بدأت في الولايات المتحدة في أواخر العام 2007 هي: « توافر السيولة بأحجام كبيرة، الفساد الإداري في مؤسسات القروض، لا عقلانية المقترضين، وضعف الرقابة الحكومية على النظام المصرفي... هذه الأزمة التي مازالت تداعياتها غير مكتملة وقد تنتهي بانتقال ملكية كثير من المؤسسات المالية للحكومات ولفترة تزيد أو تنقص بانعكاسات الأزمة في كل دولة»، على أنها تلخيص مكثف لحصر تلك الأسباب التي ولدت الأزمة المالية العالمية الراهنة، فبوسعنا التشكيك في مدى دقة الادعاءات التي تحاول الترويج لاحتمال دخول الاقتصادات الناشئة في فقاعة اقتصادية تنتهي بانفجار تلك الفقاعة، وتؤدي إلى دخول تلك الأسواق في نفق أزمة طاحنة كتلك التي ألمّت بالاقتصاد الأمريكي. والحديث هنا ينحصر في الأسواق الناشئة، ولايتجاوزها إلى الدول النامية التي مست تلك الأزمة البعض منها، ومن بينها بعض الدول العربية التي عانت من تدهور في الأوضاع الاقتصادية تمظهر بشكل واضح في تجميد العمل قي مشروعات إستراتيجية في تلك البلدان، بما فيها تلك المتعلقة بتشييد البنيات التحتية فيها، ولربما تكون إمارة دبي أكثر الأسواق دلالة على مثل هذه الحالات.

النقطة المركزية الأولى فيما يتعلق بالرد على كل محاولات التشكيك في تعافي اقتصادات الأسواق الناشئة أنها، باستثناء الصين ، والتي نظرا لظروف خاصة بالطرق التي سلكها التطوير الاقتصادي فيها، يصعب الحديث عن أي دولة من تلك الدول تتوفر بحوزتها سيولة مالية تفيض عن تلك الرساميل التي تتطلبها خطط التنمية التي تنفذها. والسبب الذي يقف وراء ذلك هو أنه غالبا ما يعاد ضخ السيولة المتوفرة من جرّاء الانتعاش الاقتصادي في مشروعات أخرى، وعلى وجه الخصوص تلك التي تولد قيمة مضافة تعزز من ذلك الانتعاش، وتحافظ على تناميه خلال الحقبة التي تبيحها قوانين الاقتصاد المتعافي. وحتى في الحالة الصينية تصر الدولة ومؤسساتها على أن تمسك بتلك السيولة، ومن ثم يتم صرفها وفق سياسات مركزية شديدة تتحرك في اتجاهين أساسيين: الأول ينحو لزيادة حجم المدخرات المالية الصينية من الدولار، الأمر الذي يقوي من ثقل الصين الاقتصادي والسياسي في المحافل الدولية، والثاني يتركز في المعونات التي تقدمها الصين لدول العالم الثالث وعلى وجه الخصوص الدول الإفريقية الفقيرة، والتي بلغت عشرات المليارات من الدولارات خلال السنوات الأخيرة، حتى تجاوز الحضور السياسي هناك النفوذ الروسي والأوروبي الغربي على حد سواء.

ومن الجانب المالي ننتقل إلى النقطة المركزية الثانية والمتعلقة بالجانب الإداري، وبقدر ما ينبغي الاعتراف أن هناك بعض ممارسات الفساد الإداري الملموسة في تلك البلدان، وخاصة في دولة مثل روسيا، لكنها لم تصل إلى المستوى الذي شهدناه في دول الاقتصاد المتقدم مثل الولايات المتحدة، التي رغم إدعاءاتها بالتمسك بأرقى أشكال الشفافية، لكنها على العكس من ذلك عرفت، منذ اندلاع الأزمة في منتصف العام 2007 ، حالات صارخة مسّت مصداقية النظام الرأسمالي برمته. تكفي الإشارة هنا إلى فضائح الشركات الاستشارية مثل أثرون، ومفاجآت شركة التأمين العملاقة مثل أي آي جي(AIG)، دون التوقف عند فضيحة مصرف «ليمان بروذر». مثل هذه الحالات يصعب حدوثها، وبشكلها المباغت في دول الأسواق الناشئة، نظرا لعمق مستوى تدخل الدولة في صياغة قوانين وأنظمة الاقتصاد من جهة، وتبعية الشركات العملاقة المتحكمة أساسا في الاقتصاد للحكومات ذاتها من جهة.

ولكي نقرب صورة اقتصاد الدول الناشئة غير المظلمة، تحاشيا لأية نزعات تفاؤلية قد تبدو غير مبررة، يمكن أن نقارن بين الاقتصاد الخليجي، الذي تكيل له المديح ذات المصادر المروجة لفقاعة الأسواق الناشئة، واقتصادات تلك البلدان، فقد كشف تقرير صادر عن المركز المالي الكويتي في العام 2009 صراحة بأن «أداء الأسواق المالية الناشئة تفوّق على أداء أسواق دول مجلس التعاون الخليجي منذ مطلع العام 2009، مرجعا هذا التفوّق الى عدة عوامل لاسيما ضعف أداء القطاع المالي الخليجي والذي ألقى بثقله على إجمالي أداء الأسواق الخليجية».

وعلى مستوى التصرُّف في السيولة المالية، ووفقا لذلك التقرير فإن أداء القطاع المالي يشكل العامل الرئيسي وراء تفوّق الأسواق الناشئة على الأسواق الخليجية، ففي الوقت الذي سجل فيه مؤشر القطاع المالي في الأسواق الناشئة ارتفاعات فاقت الـ 50%، منذ مطلع العام الجاري، لم يحقق مؤشر القطاع المالي في الخليج سوى مكاسب بنحو 8% «.

بقي مقياس مهم غالبا ما يستخدم كمعيار للحكم على مدى تعافي اقتصاد معين أو درجة تدهوره، وهو معدل النمو، الذي حافظت دول الأسواق الناشئة، وخاصة الصين والهند، على معدلات، تعتبر قياسية عندما يؤخذ بالحسبان الظروف الاقتصادية غير الملائمة والصعبة التي ولدتها الأزمة الاقتصادية العالمية، فبينما لم تتجاوز معدلات النمو، باعتراف المصادر الغربية ذاتها، في الأسواق الغربية 2%، لم تنخفض تلك المعدلات في الأسواق الناشئة عن 5%. وفيما اعتبرت المصادر الغربية تلك المعدلات علامات على تعافي الأولى، حاولت أن تضع الثانية، دونما منطق، في خانات التشاؤم.

كل ذلك يدفعنا نحو التشكيك في صحة القول بأن الاقتصادات الناشئة، لن تدخل، كما تتمنى لها المصادر الغربية، في نفق فقاعة اقتصادية تتحول إلى أزمة تخطف منها بريق النمو الذي حققته على امتداد الفترة من العقد الأخير من القرن الماضي حتى اليوم. و بوسع غير المتخصص، الذي يريد أن يفهم الأزمة المالية كما تمظهرت في السوق الأميركية، والاستفادة منها لرؤية تطور الأوضاع في الأسواق الناشئة، العودة إلى كتاب «سقوط دولة الفيزا وسياسة البيت المرهون» لمؤلفه مجدي كامل، والذي نجح في لغة مبسطة أن يحقق ذلك.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2638 - الأربعاء 25 نوفمبر 2009م الموافق 08 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً