نعم... نحتاج إلى أمثال المناضل الشريف أحمد الشملان لجمع هذا الشتات الوطني المتناثر يمينا وشمالا، بعد أن وصل التخندق الطائفي مداه، فيما التخندق الحزبي لم يبقِ ولم يذر، السياسيون وحدهم هم المستفيدون من هذا الشتات، وأرصدتهم الشعبية تزداد كلما نعقوا باسم مذهبهم أو طائفتهم أو حزبهم المنزّل من السماء!

المواطنون فقط هم المطحونون في رحى هذا الاصطفاف المقيت، وهم الذين يداس عليهم ليصعد الصاعدون على أكتافهم، وهم فقط من يجوعون ليشبع السياسيون ويتخموا، لذلك فما أحوجنا اليوم إلى أنجم وطنية تطل علينا في هذا الدجى الطائفي كالمناضل أحمد الشملان الذي عاش حياته بعيدا عن التقسيمات المذهبية والإثنية، ورغم انحيازه لتيار عقائدي آمن به - وذلك حقه - إلا إنه انفتح على الجميع بلا استثناء، كان صديق التيارات الدينية المناضلة في التسعينيات، وكان رفيقا للتكوينات الوطنية الليبرالية أيضا، ولم يكن يعيش في ذلك حالة تناقض أو تضاد، لأنه أدرك - في الوقت الذي لا يزال الكثيرون غير مدركين للآن- أن قدرنا في هذا الوطن الصغير أن نعيش «بحرينيين»، لا شيعة ولا سنة، قدرنا أن تجاور قلالي الدير وسماهيج، والبديع الدراز وبني جمرة، قدرنا المحتوم أن نعيش بجوار بعضنا البعض، قدرنا أن ندرك أن لا أحد يستطيع أن يلغي الآخر أو يستبدله بآخرين مهما بلغت قوته وجاهه وماله.

الاختلاف قدر الله وسنته في أرضه ، وقدرنا نحن أن نحوّل هذه الألوان المتنافرة إلى ألوان بهيِّة كقوس قزح، وتاريخنا الوطني يشهد أننا قادرون على أن نضع أيدينا مع بعضها، فالهيئة الوطنية التي انطلقت في 13 من شهر أكتوبر/ تشرين الأول 1954، وشكّلت أكبر تنظيم سياسي في الخليج كله، كان أبرز قادتها متوزعين على الطائفتين الكريمتين، وعلى رأسهم عبدالعزيز الشملان، والسيد علي كمال الدين، وعبدالرحمن الباكر، وعبدعلي العليوات وغيرهم من تجاوزوا خنادق المذاهب والطوائف.

«الهيئة» انطلقت من مأتم بن خميس بالسنابس، وكان أول ما ألقي في حفل تدشينها الآية الكريمة « واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا»، لذلك فما أحوجنا فعلا لأمثال هؤلاء الذين سموا فوق عقد الطائفية والمذهبية، وارتفعوا عن التصنيفات الضيقة التي سمحت للطفيليات أن تنمو وتتغلغل في جسد هذا الوطن مستفيدة من حالة الضياع التي يعيشها الغالبية بسبب التمركز حول الذات دون الالتفات الى إن الوطن يتسعّ للجميع.

نعم الوطن يتسعّ للجميع من أهله الأصلاء، يتسع للذائدين عن العروبة والوطنية من أهالي المحرق والحد والبديع كما يتسع لأهالي سترة كرزكان ممن امتزج لونهم بلون الأرض، فما أحرى وأجدر بنا أن ندرك الآن أننا قادرون على تحويل هذا الاختلاف إلى ثروة وطنية تصبّ في قالب واحد اسمه البحرين!

في أيامنا هذه فإن حالة الوئام التي أظهرها النواب مؤخرا في مناقشة الاعتماد الإضافي للدولة ومن قبله الموازنة، جعلت الحكومة تضطر للاستجابة لمطالب بالملايين ما كان لها أن توافق عليها لو كان النواب شتاتا متنافرين، ولعلنا هنا نشيد بالدور الوطني الذي قدمته اللجنة المالية بالمجلس التي سجل نوابها نماذج راقية في التعامل مع مطالب الناس دون تفريق أو اصطفاف.

وعليه فنحن لا نريد أن نعيش المعادلة بالمقلوب، فتكون الوحدة الوطنية حالة طارئة على المشهد المحلي، وتكون حالة الوئام والاتفاق ظرفا استثنائيا، فيما نعيش باقي أيامنا مقسّمين لفسطاطين أو ربما أكثر!

لا نريد أن يصعد الطائفيون على أكتاف البسطاء، ولا نريد أن يكون أولئك قادة المشهد السياسي، نحن نؤمن تماما إن الوحدة الوطنية لا تتحقق إلا إذا كان السياسيون في هذا البلد على شاكلة الشملان، ليسوا سنة ولا شيعة بل هم كل ذلك، لابد أن يؤمن الجميع أن الدين لله والوطن للجميع.

وعودا على بدء، فلابد من كلمة عرفان لكل المناضلين الشرفاء الذين عرفتهم أرض البحرين على مر الأزمنة والحقب التاريخية والوطنية، والشملان بالتأكيد أحدهم، ونتمنى أن لا يكون آخرهم!